(13) شواهد شعرية في أغراض (الوصف) الأدبي
إعداد/ مجدي شلبي
(*)
ــ
مقدمة:
تناولت فيما سبق
شواهد شعرية في ثمانية أغراض للقريض: 1ـ (المدح والثناء)، 2ـ (الهجاء والذم)، 3ـ
(الفخر والحماسة)، 4ـ (الحب والغزل)، 5ـ (اللهو والخمر)، 6ـ (التأسف والاعتذار)،
7ـ (الدعوة إلى الله)، 8ـ (الرثاء والحزن) وبقي أن نستمر هنا في المزيد من الطرح لشواهد شعرية في تاسع الأغراض الشعرية؛ ألا وهو: (الوصف).
ــ معنى
(الوصف):
ــ (الوصف) هو: الكشف والإظهار، (وصف الشيء أو الشخص) أي: نعته بما فيه، ومن ثم يُعتبر المدح والهجاء
والغزل والرثاء من بين أغراض الوصف؛ يقول الشاعر/ صفي الدين الحلي:
كم قد وصفتَ بأوصافٍ مشرفةٍ، *** في خطّ ذي قلمٍ
أو نطقِ ذي شفةٍ.
ــ ويقول الشاعر/ الحيص بيص:
أرى منك أوصافاً كِراماً ببعضها *** يُنال
ويُحْوى للفتى شرفُ الفخر
حَياءً بلا جُبنٍ عَطاءً بلا غِنىً *** عُلواً
بلا بغْيٍ وَقاراً بِلا كِبْرِ.
ــ ويقول الشاعر/ معروف الرصافي:
رقّت بوصف جمالك الأقوال *** ورأتك فأفتتنت بك
العذال
وهب الآله بك الجمال تجمّلاً *** حتى كأنك
للجمال جمال.
ــ وتمتد أغراض (الوصف)، لتشمل وصف الخير والشر والهوى؛ يقول الشاعر/
أحمد شوقي:
يَقولُ أُناسُ لَو وَصَفتَ لَنا الهَوى *** لَعَلَّ
الَّذي لا يَعرِفُ الحُبَّ يَعرِفُ
فَقُلتُ لَقَد ذُقتُ الهَوى ثُمَّ ذُقتُهُ *** فَوَ
اللَهِ ما أَدري الهَوى كَيفَ يوصَفُ.
ــ ويقول الشاعر/ الصنوبري:
أَأُطيلُ في وَصْفِ الهوى أَمْ أُقْصِرُ *** وأُذيعُ
مكتومَ الأسى أم أَسْتُرُ.
ــ ويقول الشاعر/ الأمير الصنعاني:
كل أخبار الهوى قد رويت *** عن غرامي وإليه عزيت
فخذوها عنه لا عن غيره *** فإليه في الهوى قد
أنهيت
وعليه نشرت أعلامه *** وأحاديث سواه طويت
لا
تلوموني على حمل الهوى *** فوساد اللّهْوِ بي قد ثُنِيتْ
فاقتدوا بي في الهوى إن شئتم *** تدركوا ما فيه
نفسي فنيت.
ــ وفي وصف الخير والشر؛ يقول الشاعر/ أبو العتاهية:
الخَيرُ أَفضَلُ ما لَزِمتا *** وَالشَرُّ
أَخبَثُ ما طَمِعتا.
ــ كما تمثل الأطلال للشاعر مصدرا للإلهام و(الوصف)؛ يقول الشاعر/ أبو
نواس:
أَحسَنُ مِن وَصفِ دارِسِ الدَمَنِ *** وَمِن
حَمامٍ يَبكي عَلى فَنَنِ
وَمِن دِيارٍ عَفَت مَعالِمُها *** رَيحانَةٌ
رُكِّبَت عَلى أُذُنِ
في رَوضَةٍ بِالنَباتِ يانِعَةٍ *** قَد حَفَّها
كُلُّ نَيِّرٍ حَسَنِ
كَأَنَّما الوَشيُ مِن زَخارِفِها *** وَشيُ
ثِيابٍ بُسِطنَ بِاليَمَنِ
فَتِلكَ أَشقى مِن نَعتِ دِعبِلَةٍ *** وَمِن
صِفاتِ الطُلولِ وَالدِمَنِ.
ــ ويقول الشاعر/ ابن الرومي:
لهوتُ عن وصف الطلول الدارسَهْ *** بروضِةِ
عذراءَ غير عانسَهْ
جادتْ لها كل سماءٍ راجسه *** رائحة بالغيث أو
مُغالسه
فأصبحتْ من كل وشيٍ لابسه *** خضراءَ ما فيها
خَلاة يابسه
كأنما الألسنُ عنها لاحسه *** ضاحكة النوار غير
عابسه.
ــ ويقول الشاعر/ إسماعيل صبري:
لَو أَنَّ أَطلالَ المَنازِل تَنطِقُ *** ما
ارتّدَّ حرّانَ الجوانِح شَيِّقُ
هَل عندَ ذاك السِربِ أَنّا بعدَه *** في
الحَيِّ مِن آماقِنا نَتَدَفَّقُ
أَو أَنَّ أَضلُعنا على ما اِستودِعت *** يومَ
الفراقِ من الجَوى تتحَرَّقُ
أَمَنازِلَ الأَقمارِ أَهلُكِ أَسرَفوا *** في
النَايِ إِسرافَ الغَنيِّ وَأَغرَقوا
لَو أَنَّهم قد أَنصَفوكِ منازِلاً *** ما
حازَهُم في الكَون بعدَكِ مَشرِق.
ــ فضلا عن القصيدة الأشهر عن (الأطلال) والتي شدت بها سيدة الغناء
العربي أم كلثوم، والتي يقول فيها الشاعر/ إبراهيم ناجي:
يا فؤادي رحم الله الهوى *** كان
صرحاً من خيال فهوى
اسقني واشرب على أطلاله *** واروِ عني طالما
الدمع روى
كيف ذاك الحب أمسى خبراً *** وحديثاً
من أحاديث الجوى.
ــ كما ألهمت (الطبيعة) الشعراء لوصف حسنها وبهائها؛ يقول الشاعر/
أحمد شوقي:
تِلكَ الطَبيعَةُ قِف بِنا يا ساري *** حَتّى
أُريكَ بَديعَ صُنعِ الباري
مَن شَكَّ فيهِ فَنَظرَةٌ في صُنعِهِ *** تَمحو
أَثيمَ الشَكِّ وَالإِنكارِ
كَشَفَ الغَطاءُ عَنِ الطُرولِ *** وَأَشرَقَت
مِنهُ الطَبيعَةُ غَيرَ ذاتِ سِتارِ
شَبَّهتُها بَلقيسَ فَوقَ سَريرِها *** في
نَضرَةٍ وَمَواكِبٍ وَجَواري
أَو بِاِبنِ داوُدٍ وَواسِعِ مُلكِهِ *** وَمَعالِمٍ
لِلعِزِّ فيهِ كِبارِ
هوجُ الرِياحِ خَواشِعٌ في بابِهِ *** وَالطَيرُ
فيهِ نَواكِسُ المِنقارِ
قامَت عَلى ضاحي الجِنانِ كَأَنَّها *** رَضوانُ
يُزجي الخُلدُ لِلأَبرارِ
كَم في الخَمائِلِ وَهيَ بَعضُ إِمائِها *** مِن
ذاتِ خِلخالٍ وَذاتِ سِوارِ
وَحَسيرَةٍ عَنها الثِيابُ وَبَضَّةٍ *** في
الناعِماتِ تَجُرُّ فَضلَ إِزارِ
وَضَحوكِ سِنٍّ تَملَأُ الدُنيا سَنىً *** وَغَريقَةٍ
في دَمعِها المِدرارِ
وَوَحيدَةٍ بِالنَجدِ تَشكو وَحشَةً *** وَكَثيرَةِ
الأَترابِ بِالأَغوارِ
وَلَقَد تَمُرُّ عَلى الغَديرِ تَخالُهُ *** وَالنَبتُ
مِرآةً زَهَت بِإِطارِ
يَنسابُ في مُخضَلَّةٍ مُبتَلَّةٍ *** مَنسوجَةٍ
مِن سُندُسٍ وَنُضارِ
زَهراءَ عَونِ العاشِقينَ عَلى الهَوى *** مُختارَةِ
الشُعَراءِ في آذارِ
وَتَرى السَماءَ ضُحىً وَفي جُنحِ الدُجى ***
مُنشَقَّةً مِن أَنهُرٍ وَبِحارِ.
ــ وتقول الشاعرة/ نازك الملائكة:
أيها الشاعرون يا عاشقي النبـ *** ـل وروح
الخيال والأنغام
ابعدوا ابعدوا عن الحبّ وانجو *** بأغانيكم من
الآثام
اهربوا لا تدّنسوا عالم الفنّ *** بهذي العواطف
الآدميّه
احفظوا للفنون معبدها السا *** مي وغنوا أنغامها
القدسيّه
اقنعوا من حياتكم بهوى الفنّ *** وسحر الطبيعة المعبود
واحلموا بالطيور في ظلل الأغـ *** ـصان بين التحليق
والتغريد
اجلسوا في ظلال صفصافة الوا *** دي وأصغوا إلى
خرير الماء
واستمدّوا من نغمة المطر السا *** قط أحلى
الإلهام والإيحاء
وتغّنوا مع الرعاة إذا مرّ *** وا على الكوخ
بالقطيع الجميل
وأحبوا النخيل والقمح والزهـ *** ـر وهيموا في
فاتنات الحقول
شجرات الصفصاف أجمل ظلاّ *** من ظلال القصور
والشرفات
وغناء الرعاة أطهر لحنا *** من ضجيج الأبواق
والعجلات
وعبير النارنج أحلى وأندى *** من غبار المدينة
المتراكم
وصفاء الحقول أوقع في النفـ *** ـس من القتل
والأذى والمآثم.
ــ ويقول الشاعر/ ابن سهيل الأندلسي:
الأَرضُ قَد لَبِسَت رِداءً أَخضَرا *** وَالطَلُّ
يَنثُرُ في رُباها جَوهَرا
هاجَت فَخِلتُ الزَهرَ كافوراً بِها *** وَحَسِبتُ
فيها التُربَ مِسكاً أَذفَرا
وَكَأَنَّ سَوسَنَها يُصافِحُ وَردَها *** ثَغرٌ
يُقَبِّلُ مِنهُ خَدّاً أَحمَرا
وَالنَهرُ ما بَينَ الرِياضِ تَخالُهُ *** سَيفاً
تَعَلَّقَ في نِجادٍ أَخضَرا
وَجَرَت بِصَفحَتِهِ الصَبا فَحَسِبتُها *** كَفّاً
تُنَمِّقُ في الصَحيفَةِ أَسطُرا
وَكَأَنَّهُ إِذ لاحَ ناصِعُ فِضَّةٍ *** جَعَلَتهُ
كَفُّ الشَمسِ تِبراً أَصفَرا
أَو كَالخُدودِ بَدَت لَنا مُبيَضَّةً *** فَاِرتَدَّ
بِالخَجَلِ البَياضُ مُعصفَرا
وَالطَيرُ قَد قامَت عَلَيهِ خَطيبَةً *** لَم
تَتَّخِذ إِلّا الأَراكَةَ مِنبَرا.
ــ ويقول الشاعر/ ظافر الحداد:
ووردةٍ يَقْصُرُ عنها الوصفُ *** صورتُها لكلِّ
طَرْفٍ ظَرْفُ
بيضاء فيها حمرةٌ تشْتَفُّ *** بينَ بَنانٍ
للنوالِ وَقْفُ
فيها حياةٌ للورى وحَتْفُ *** كأنها حين جَناها
القَطْف
ونافسَ الكافورَ منها العَرْفُ *** وابتهج
القلبُ بها والطَّرف.
ــ ويقول الشاعر/
معروف الرصافي:
لقد لبس الجوّ اللطيف فزانه *** بما فيه من غرّ المحاسن لبسه
تضيء نجوم السعد واليمن فوقه *** فينجاب شؤم الدهر عنه ونحسه
ويهمس في أذن الطبيعة جوّه *** فيضحكها فوق الربا الخضر همسه
كأن النسيم الطلق بين جنانه *** غناء حبيب يطرب النفس جرسه.
ــ ويقول الشاعر/
إبراهيم ناجي:
اكتبْ لوجه الفن لا تعدلْ بهِ *** عرضَ الحياة ولا الحطام الفاني
واستلهم الأم الطبيعة وحدها *** كم في الطبيعة من سري معاني
اهبط على الأزهار وامسح جفنها *** واسكب نداك لظامئ صديان
في كل أيك نفحة وبكل روض *** طاقة من عاطر الريحان.
ــ ويقول الشاعر/ ابن الأبار البلنسي:
زَارَ الْحَيَا بِمَزِارِهِ الْبُسْتَانَا *** وأَثَارَ منْ أزْهَارِهِ
ألْوَانا
فَغَدَا بهِ وبِصِنْوِهِ يَخْتَالُ في *** حُلَلِ النَّضَارَةِ مُونِقاً
رَيَّانا
وكَأَنَّمَا الأدْوَاحُ فِيهِ مَفَارِقٌ *** بِلِبَاسِهَا قَطْرُ النَّدَى
تِيجَانا
وَكَأَنَّمَا رَام الثَّنَاءُ فَلَمْ يُطِقْ *** فَشَدَتْ بِهِ أطْيَارُهُ أَلْحَانا
وَالآسُ يَلْتَثِمُ البَنَفْسَجَ عارِضاً *** واليَاسَمِينُ يُغازِلُ
السَّوسَانا.
ــ ويقول الشاعر/
ابن النقيب:
ألا مَرْحباً باقتبال الربيعِ *** وأهلاً وسهْلاً بآذارهِ
لقد أعلن الطيرُ فيه الغنا *** ورقت جلابيب اسحارهِ
ووشّى به الزهر خُضْرَ البطاح *** وباح النسيم بأسرارهِ
فلا وشي من بعد بزازه *** ولا عطر من بعد عطّارهِ
ولا بعد جِلَّق من مَرْبَع *** يغص الفضاء بأزهارهِ.
ــ ويقول الشاعر/
صفي الدين الحلي:
وَرَدَ الرَبيعُ فَمَرحَباً بِوُرودِهِ *** وَبِنورِ بَهجَتِهِ وَنَورِ
وُرودِهِ
وَبِحُسنِ مَنظَرِهِ وَطيبِ نَسيمِهِ *** وَأَنيقِ مَلبَسِهِ وَوَشيِ
بُرودِهِ
وَتَجاوُبُ الأَطيارِ في أَشجارِهِ *** كَبَناتِ مَعبَدَ في مَواجِبِ
عودِهِ
وَالغُصنُ قَد كُسِيَ الغَلائِلَ بَعدَما *** أَخَذَت يَدا كانونَ في
تَجريدِهِ
نالَ الصِبا بَعدَ المَشيبِ وَقَد جَرى *** ماءُ الشَبيبَةِ في مَنابِتِ
عودِهِ
فَابكُر إِلى رَوضٍ أَنيقٍ ظِلُّهُ *** فَالعَيشُ بَينَ بَسيطِهِ
وَمَديدِهِ.
ــ ويقول الشاعر/
محمود سامي البارودي:
رَفَّ النَّدَى وَتَنَفَّسَ النُوَّارُ *** وَتَكَلَّمَتْ بِلُغَاتِهَا
الأَطْيَارُ
وَتَأَرَّجَتْ سُرَرُ الْبِطَاحِ كَأَنَّمَا *** فِي بَطْنِ كُلِّ
قَرَارَةٍ عَطَّارُ
زَهْرٌ يَرِفُّ عَلَى الْغُصُونِ وَطَائِرٌ *** غَردُ الْهَدِيرِ
وَجَدْوَلٌ زَخَّارُ
فَإِذَا رَأَيْتَ رَأَيْتَ أَحْسَنَ جَنَّةٍ *** خَضْرَاءَ تَجْرِي
بَيْنَهَا الأَنْهَارُ
يَتَرَنَّمُ الْعُصْفُورُ فِي عَذَبَاتِهَا *** وَيَصِيحُ فِيهَا
الْعَنْدَلُ الصَّفَّارُ
والتُّرْبُ مِسْكٌ وَالْجَدَاوِلُ فِضَّةٌ *** وَالْقَطْرُ دُرٌّ
وَالْبَهَارُ نُضَارُ.
ــ وإذا كان معظم
الشعراء قد نظموا قصائدهم في وصف الطبيعة الغناء في فصل الربيع (الذي يبدأ في شهر
آذار/ مارس)؛ إلا أن الشاعر/ إيليا أبو ماضي وجدناه يحتفي يالخريف (الذي يبدأ في
شهر أيلول/ سبتمبر)؛ واصفا إياه بقوله:
الحُسنُ حَولَك في الوِهاد وَفي الذُرى *** فَاِنظُر أَلَستَ تَرى الجَمالَ
كَما أَرى
أَيلولُ يَمشي في الحُقول وَفي الرُبى *** وَالأَرضُ في أَيلولَ أَحسَنُ
مَنظَرا
شَهرٌ يُوَزِّعُ في الطَبيعَةِ فَنُّهُ *** شَجَراً يُصَفِّقُ أَو سَناً
مُتَفَجِّرا
وَاِنظُر إِلى الأَشجارِ تَخلَعُ أَخضَراً *** عَنها وَتَلبِسُ أَحمَراً
أَو أَصفَرا
تَعرى وَتُكسى في أَوانٍ واحِدٍ *** وَالفَنُّ في ما تَرتَديه وَفي العُرا
وَتَذوبُ أَصباغاً كَأَلوانِ الضُحى *** وَتَموجُ أَلحانا وَتَسري عَنبَرا
صُوَر وَأَطيافٌ تَلوحُ خَفيفَةً *** وَكَأَنَّها صُوَرٌ نَراها في الكَرى
لِلَّهِ مِن أَيلولَ شَهرٍ ساحِرٍ *** سَبَقَ الشُهور وَإِن أَتى
مُتَأَخِّرا.
ــ ويقول الشاعر/
أحمد زكي أبو شادي:
مدّ الخريف رواقا من مباهجه *** وبينها نثر أطياف وألوان
وهذه غادتي الحمراء راقصة *** كأنها وحدها خصّت ببستاني
أو أنّ أوراقها لاحت تراودني *** بحمرة الشمس قبل المغرب القاني
شقيقة الزهر في أصباغ فرحته *** أحسنت حتى وإن أحسنت نسياني
يثي من الفرحة الألوان زاهية *** لفتنة الطير والإنسان في آن
رفي إذن في نضار رائع بهج *** وحمرة من يواقيت ومرجان
بل من معان تخيّلنا نفائسها *** وما عرفنا لها كنها بوجدان
كأنها بعض أحلام مجنّحة *** تمثّلت فوق أوراق وأغصان.
ــ ومن وصف الربيع
والخريف إلى وصف الشتاء والصيف؛ يقول الشاعر/ محمود سامي البارودي:
تَوَازَنَ الصَّيْفُ والشِّتَاءُ *** واعْتَدَلَ الصُّبْحُ والْمَساءُ
واصْطَلَحَتْ بَعْدَ طُولِ عَتْبٍ *** بَيْنَهُمَا الأَرْضُ والسَّمَاءُ
فَلا اصْطِحارٌ وَلا اكْتِنَانٌ *** وَلا ابْتِرادٌ وَلا اصْطِلاءُ
تَبْتَهِجُ العَيْنُ في رِياضٍ *** أَنْضَرَها الماءُ وَالْهَواءُ
مَنَابِتٌ زَرْعُها بَهِيجٌ *** وَغَيْضَةٌ ماؤُها رَوَاءُ
لِلطَّيْرِ في أَيْكِها هَدِيلٌ *** وَلِلصَّبا بَيْنَها مُكَاءُ
تَوَارَتِ الشَّمْسُ عَنْ ذراهَا *** وَشَبَّ مِنْ زَهْرِهَا سَناءُ
فَالصُّبْحُ وَالظُّهْرُ وَالْعَشَايَا *** وَالْوَهْنُ مِنْ لَيْلِها
سَوَاءُ
فَلا ضَبَابٌ وَلا غَمَامٌ *** وَلا ظَلاَمٌ وَلا ضِياءُ
فَقُمْ بِنا نَغْتَنِمْ شَبَاباً *** وَلَذَّةً بَعْدَها فَنَاءُ
يُرِيْدُ كُلُّ امْرِئٍ مُنَاهُ *** وَيَفْعَلُ اللهُ ما يَشاءُ.
ــ ويقول أحمد زكي
أبو شادي:
الصيف أين هو الحبيب فما أرى *** وهجا ينمّ عليه أو أحلاما
الجو تخنقه الدموع لوحشة *** والشمس أرهقا الغمام خصاما
من صدّه عنا ونحن رعيّة *** ولم أستبدّ بنا وكان إماما
أيجيء موعده بسخر جائر *** ويكون مولده الأغر ظلاما
لمن الأزاهير الحسان تبرّجت *** والنحل والحشرات إذ تتسامى
ولمن تعطّرت الطيوف وهوّمت *** وتجاوبت بنفوسنا أنغاما
أمشرّد عنّا وتلك ربوعه *** فعلام بشّرنا الربوع علاما
نهفو إلى الدفء الجميل فلا نرى *** إلا الشتاء الساخر اللواما
وكأنما هذي المناظر كلها *** وهم وتمثيل طغى وترامى.
ــ ويقول الشاعر/
إيليا أبو ماضي:
عادَ لِلأَرضِ مَعَ الصَيفِ صِباها *** فَهيَ كَالخَودِ الَّتي تَمَّت
حُلاها
صُوَرٌ مِن خُضرَةٍ في نَضرَةٍ *** ما رَآها أَحَدٌ إِلّا اِشتَهاها
ذَهَبُ الشَمسِ عَلى آفاقِها *** وَسَوادُ اللَيلِ مِسكٌ في ثَراها
وَنَسيمُ الفَجرِ في أَشجارِها *** وَشوَشاتٌ يُطرِبُ النَهرَ صَداها
وَالسَواقي فِتَنٌ راقِصَةٌ *** ضِحكَتُها شَدوٌ وَتَهليلٌ بُكاها
وَالأَقاحي صُوَرٌ خَلّابَةٌ *** وَأَغاني الطَيرِ شِعرٌ لا يُضاهى
إِنَّها الجَنَّةُ فَاِعجَب لِاِمرِئٍ *** هُوَ فيها وَقَليلاً ما يَراها
هَذِهِ الجَنَّةُ فَاِسرَح في رُباها *** وَاِشهَدِ السِحرَ زُهوراً
وَمِياها
وَاِستَمِع لِلشِعرِ مِن بُلبُلِها *** فَهُوَ الشِعرُ الَّذي لَيسَ يُضاهى
ما أُحَيلى الصَيفَ ما أَكرَمَهُ *** مَلَأَ الدُنيا رَخاءً وَرَفاها.
ــ ويقول الشاعر/ أبو الفضل الوليد:
أبكي على الصّيفِ كالباكي على الطَّللِ *** وإنّه كالصِّبا يمضي على عجَلِ
جاءَ الشتاءُ فأذوى بردُه حبقاً *** قد كان في الصيفِ ذا نضرٍ وذا ميل
كم كنتُ أقطفهُ أو كنتُ أنشقُه *** والعطرُ والنضرُ مثلُ الحبّ والأمل
عندَ الغنيِّ تراهُ والفقيرِ فلا *** تعجَب لباذلِ حسنٍ غيرِ مُبتذل
للكلّ نعمتُهُ تُرجى ورحمتُه *** وعَرفُه ناعشٌ كالبرءِ في العِلل
وأبيضُ الزّهرِ مِنهُ كالنقوشِ على *** بُردٍ وكالدّمعِ في سودٍ من المُقل
أما تراهُ على تقواه مُتّضِعاً *** يهوى بياضَ الحلى في خِضرَةِ الحِلل
والرّيحُ شيّقةٌ ولْهَى تقبِّلُهُ *** فليتَ لي ما له من أطيبِ القُبَل
حفظتُ في البردِ والأمطارِ واحدةً *** منهُ وكنتُ أُداريها على وجل
حتى إذا ذبُلَت أصبَحتُ أنشدُها *** يا رحمة اللهِ ما أولاكِ بالطّلَل
يا ربّ لا تخلينَّ القلبَ من أملٍ *** والروضَ من زهَرٍ والأرضَ من بَلل.
ــ
أخيرا وليس آخرا:
تناولنا في هذه الحلقة غرضا واحدا من أغراض
القريض وهو: (الوصف) ومجالاته المتعددة، مع عرض شواهد
شعرية بأقلام
فحول الشعراء العرب، ونستكمل حلقاتنا ــ في العدد القادم ــ بالغرض العاشر من
أغراض الشعر ألا وهو (الدرس) بشقيه: 1ـ (الدرس/ الشرح)، 2ـ (الدرس/ النصح) فإلى
لقاء إن شاء الله.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) عضو النقابة
العامة لاتحاد كتاب مصر