(12) شواهد ساطعة بجلاء في (الدعوة إلى الله) و(الحزن والرثاء)
إعداد/ مجدي شلبي
(*)
ــ
مقدمة:
تناولت فيما سبق
شواهد شعرية في ستة أغراض من القريض: 1ـ (المدح والثناء)، 2ـ (الهجاء والذم)، 3ـ
(الفخر والحماسة)، 4ـ (الحب والغزل)، 5ـ (اللهو والخمر)، 6ـ (التأسف والاعتذار)،
وبقي أن أعرض هنا شواهد ساطعة بجلاء في غرضين: (الدعوة إلى الله) و(الحزن
والرثاء).
ــ
الغرض السابع (الدعوة إلى الله):
ــ يقول الشاعر/
أبو العتاهية:
إِذا المَرءُ لَم يَلبَس ثِياباً مِنَ التُقى *** تَقَلَّبَ عُرياناً وَإِن
كانَ كاسِيا
أَخي كُن عَلى يَأسٍ مِنَ الناسِ كُلِّهُم *** جَميعاً وَكُن ما عِشتَ
لِلَّهِ راجِيا
أَلَم تَرَ أَنَّ اللَهَ يَكفي عِبادَهُ *** فَحَسبُ عِبادِ اللَهِ
بِاللَهِ كافِيا.
ــ يقول الشاعر/
عبد الغني النابلسي:
كن مع الله تَرَ الله معَكْ *** واترك الكل وحاذر طمعَكْ
والزم القنع بمن أنت له *** في جميع الكون حتى يسعك
وإذا ضرك لا نافع من دونه *** والضر لا إن نفعك
وإذا أعطاك من يمنعه *** ثم من يعطي إذا ما منعك
إنما أنت له عبد فكن *** جاعلاً في القرب منه ولعك
كلما نابك أمر ثق به *** واحترز للغير تشكو وجعك
لا تؤمل من سواه أملاً *** إنما يسقيك من قد زرعك
كنت لا شيء وأصبحت به *** خير شيء بشراً قد طبعك
كن به معتصماً واسلم له *** لا تعاند فيه واهجر بدعك.
ــ يقول الشاعر/
أبو مدين التلمساني:
الِلّه قل وذر الوجود وما حوى *** إن كنتَ مرتاداً بلوغَ كمالِ
فالكلُّ دون اللَهِ إن حقّقتهُ *** عدمٌ على التفصيل والإجمال
واعلَم بأنك والعوالم كلَّها *** لولاهُ في محو وفي اضمحلال
من لا وجودَ لذاتهِ من ذاته *** فوجودهُ لولاهُ عينُ محالِ
فالعارفونَ فنوا ولمّا يشهدوا *** شيئاً سوى المتكبر المتعال
ورأوا سواهُ على الحقيقةِ هالكاً *** في الحال والماضي والاستقبال
فالمح بعقلك أو بطرفك هل ترى *** شيئاً سوى فعل منَ الأفعال
وانظُر إلى علو الوجود وسفلهِ *** نظراً تؤيدهُ بالإستدلالِ
تجد الجميع يُشيرُ نحو جلالهِ *** بلسان حالٍ أو لسان مقال
هو ممسك الأشياء من علوٍ إلى *** سفلٍ ومُبدِعُها بغيرِ مثالِ.
ــ يقول الشاعر/ محمد مصطفي حَمَام:
يا رب جاء إليك يسألك الهدي *** عبد له عصيانه وضلاله
يا من يحب التائبين دعاك من *** صدق المتاب فهل يجاب سؤاله
المسلمون ودينهم في محنة *** لم يخف حالهم عليك وحاله
وأراهم متفرقين كأنهم *** جسم سوي مزقت أوصاله
وأراهم قد مكنوا لعدوهم *** فتملكت أعناقهم أغلاله
صال العدو عليهمو متجبرا *** واشتد فيهم بطشه ونكاله
يا رب ألهمنا صراطك تنصرف *** عنا مآسي يومنا ووباله
يا من ينير الروح باهر نوره *** ويزفُّ ألوان الجمال جماله.
ــ يقول الشاعر/
ابن المُقري:
ما خاب من في الله كان رجاه *** فافزع إليه وخل ذكر سواه
لا ترج الا الله واعلم أنه *** ما ثم من ترجوه الا الله
اشدد يد الرجوى إليه وناده *** ان الكريم يجيب من ناداه
يارب عفوك واسع شمل الورى *** ما ضاق فضلك عن فتى حاشاه
كم تظهر الفعل الجميل وتستر *** الفعل القبيح على امرئ يغشاه
أنا تائب يارب فاقبل توبتي *** فضلا ووفقني لما ترضاه
واغفر لعبدك ما مضى وتوله *** فيما بقى واحفظه من أعداه
يا رب أنت وسيلتي العظمى وما *** خاب امرؤ متوسلا مولاه
والصحف والكتب التي انزلتها *** فيهن نور يهتدى بضياه.
ــ يقول الشاعر/
وليد الأعظمي:
شريعة الله للاصلاح عنوان *** وكل شيء سوى الإسلام خسران
لما تركنا الهدى حلت بنا محن *** وهاج للظلم والإفساد طوفان
وذي فلسطين قد طالت مصيبتها *** وخيمت في سماء القدس أحزان
يستصرخون ذوي الايمان عاطفة *** فلم يغثهم بيوم الروع أعوان.
ــ يقول الشاعر/
أحمد شوقي:
اُعبُدِ اللَهَ بِعَقلٍ يا بُنَيَّ *** وَبِقَلبٍ مِن رَجاءِ اللَهِ حَي
اُرجُهُ تُعطَ مَقاليدَ الفَلَك *** وَاِخشَهُ خَشيَةَ مَن فيهِ هَلَك
اُنظُرِ المُلكَ وَأَكبِر ما خَلَق *** وَتَمَتَّع فيهِ مِن خَيرٍ رَزَق
أَنتَ في الكَونِ مَحَلُّ التَكرِمَه *** كُلُّ شَيءٍ لَكَ عَبدٌ أَو أَمَه
اُطلُبِ العِلمَ لِذاتِ العِلمِ لا *** لِظُهورٍ باطِلٍ بَينَ المَلا
إِنَّما الأَيّامُ وَالعَيشُ كِتاب *** كُلَّ يَومٍ فيهِ لِلعِبرَةِ باب
فَإِذا فاتَكَ تَوفيقُ العَليم *** فَاِمتَنِع عَن كُلِّ تَحصيلٍ عَقيم
لا تُنادِم
غَيرَ مَأمونٍ كَريم *** إِنَّ عَقلَ البَعضِ في كَفِّ النَديم.
يقول الشاعر/ عبدالله بن رواحة:
تَاللَهِ لَولا
اللَهُ ما اِهتَدَينا *** وَلا تَصَدَّقنا وَلا صَلَّينا
الكافِرونَ قَد
بَغَوا عَلَينا *** إِذا أَرادوا فِتنَةً أَبَينا
إِنّا إِذا
صيحَ بِنا أَتَينا *** وَبِالصِياحِ عَوِّلوا عَلَينا
فَاِغفِر
فِداءٌ لَكَ ما اِقتَفَينا *** وَثَبِّتِ الأَقدامَ إِن لاقَينا
وَأَنزِلَن
سَكينَةً عَلَينا ***وَنَحنُ عَن فَضلِكَ ما اِستَغنَينا.
ــ يقول الشاعر/ أبو الحسن
الششتري:
يا طالباً
رحمةَ الله *** سلم أمورك لله
وقل بصدِق
وجدٍّ *** الله الله الله
ولذّ به وتأدب ***
فانت في حضرة الله
فقد ظَفرْتَ بِكَنْز
*** وكل فضلٍ من الله.
ــ يقول الإمام الشافعي:
تَوَكَّلتُ في
رِزقي عَلى اللَهِ خالِقي *** وَأَيقَنتُ أَنَّ اللَهَ لا شَكَّ رازِقي
وَما يَكُ مِن
رِزقي فَلَيسَ يَفوتَني *** وَلَو كانَ في قاعِ البِحارِ العَوامِقِ
سَيَأتي بِهِ
اللَهُ العَظيمُ بِفَضلِهِ *** وَلَو لَم يَكُن مِنّي اللِسانُ بِناطِقِ
فَفي أَيِّ
شَيءٍ تَذهَبُ النَفسُ حَسرَةً *** وَقَد قَسَمَ الرَحمَنُ رِزقَ الخَلائِقِ.
ــ
الغرض الثامن (الرثاء والحزن):
ــ يقول الشاعر/
أبو العتاهية:
لِيَبكِ رَسولَ اللَهِ مَن كانَ باكِيا *** وَلا تَنسَ قَبراً بِالمَدينَةِ
ثاوِيا
جَزى اللَهُ عَنّا كُلَّ خَيرٍ مُحَمَّداً *** فَقَد كانَ مَهديّاً دَليلاً
وَهادِيا
وَلَن تَسرِيَ الذِكرى بِما هُوهَ أَهلُهُ *** إِذا كُنتَ لِلبِرِّ
المُطَهِّرِ ناسيّا
أَتَنسى رَسولَ اللَهِ أَفضَلَ مَن مَشى *** وَآثارُهُ بِالمَسجِدَينِ كَما
هِيا
وَكانَ أَبَرَّ الناسِ بِالناسِ كُلِّهِم *** وَأَكرَمَهُم بَيتاً وَشِعباً
وَوادِيا
تَكَدَّرَ مِن بَعدِ النَبيِّ مُحَمَّدٍ *** عَلَيهِ سَلامُ اللَهِ ما كانَ
صافِيا
فَكَم مِن مَنارٍ كانَ أَوضَحَهُ لَنا *** وَمِن عَلَمٍ أَمسى وَأَصبَحَ
عافِيا
رَكَنّا إِلى الدُنيا الدَنيَّةِ بَعدَهُ *** وَكَشَّفَتِ الأَطماعُ مِنّا
المَساوِيا.
ــ يقول الشاعر/ متمم اليربوعي:
لقد لامني عند القبور على البكا *** رفيقي لتذرافِ الدموع السوافكِ
أمِن أجلِ قبرٍ بالملا أنت نائحٌ *** على كلّ قبرٍ أو على كلّ هالك
فقال اتبكي كل قبرٍ رأيته *** لقبرٍ ثوى بين اللّوى فالدكادك
فقلتُ له ان الشجا يبعثُ الشجا *** فدعني فهذا كلُّه قبر مالكِ.
ــ يقول الشاعر/
أحمد شوقي:
أَنا مَن ماتَ وَمَن ماتَ أَنا *** لَقِيَ المَوتَ كِلانا مَرَّتَين
نَحنُ كُنّا مُهجَةً في بَدَنٍ *** ثُمَّ صِرنا مُهجَةً في بَدَنَين.
ــ تقول الشاعرة/ الخنساء:
كَأَنَّ عَيني لِذِكراهُ إِذا خَطَرَت *** فَيضٌ يَسيلُ عَلى الخَدَّينِ
مِدرارُ
تَبكي لِصَخرٍ هِيَ العَبرى وَقَد وَلَهَت *** وَدونَهُ مِن جَديدِ التُربِ
أَستارُ.
ــ يقول الشاعر/ الأخطل:
هَلِ الشَبابُ
الَّذي قَد فاتَ مَردودُ *** أَم هَل دَواءٌ يَرُدُّ الشَيبَ مَوجودُ
لَن يَرجِعَ
الشيبُ شُبّاناً وَلَن يَجِدوا *** عِدلَ الشَبابِ لَهُم ما أَورَقَ العودُ.
ــ يقول
الشاعر/ جرير:
لَقَد غادَروا
في اللَحدِ مَن كانَ يَنتَمي *** إِلى كُلِّ نَجمٍ في السَماءِ مُحَلِّقِ
ثَوى حامِلُ
الأَثقالِ عَن كُلِّ مُغرَمٍ *** وَدامِغُ شَيطانِ الغَشومِ السَمَلَّقِ.
ــ يقول
الشاعر/ ابن رازكه:
هُوَ المَوتُ
عَضبٌ لا تَخونُ مَضارِبُه *** وَحَوضٌ زُعاقٌ كُلُّ مَن عاشَ شارِبُه
وَما الناسُ
إِلّا وارِدوهُ فَسابِقٌ *** إِلَيهِ وَمَسبوقٌ تَخِبُّ نَجائِبُه
يُحِبُّ الفَتى
إِدراكَ ما هُوَ راغِبٌ *** وَيُدرِكُهُ لابُدَّ ما هُوَ راهِبُه
فَكَم لابِسٍ
ثَوبَ الحَياةِ فَجاءَهُ *** عَلى فَجأَةٍ عادٍ مِنَ المَوتِ سالِبُه
وَلَم يَقِهِ
فِرعَونَ عَونٌ أَعَدَّهُ *** وَلا مُردُ نَمروذٍ حَمَت وَأَشايِبُه
وَهَل كانَ أَبقى
بُختَنصَّرَ بَختُهُ *** وَأَنصارُهُ لَمّا تَحَدّاهُ واجِبُه
فَما صانَ
حِبراً عِلمُهُ وَكِتابُهُ *** وَلا مَلِكاً أَعلامُهُ وَكَتائِبُه
وَلَسنا
نَسُبُّ الدَهرَ فيما يُصيبُنا *** فَلا الدَهرُ جاليهِ وَلا هُوَ جالِبُه.
يقول الشاعر/ عزوز الملزوزي:
سَهمُ المَنيّة أَينَ مِنهُ فِرار *** مَن في البَريّة مِن رداهُ يُجارُ
حكَمَ الزَّمان عَلى الخَلائِقِ بِالفَنا *** فَالدارُ لا يَبقى بِها
دَيّارِ
عِش ما تَشاءُ فَإنّ غايَتَك الرَدى *** يَبلى الزَمان وَتَذهَب الأَعمارُ
فَاِحذَر مُسالَمَةَ الزَمان وَأَمنَه *** إِنّ الزَمان بِأَهلهِ غَدّارُ
وَاِنظُر إِلى الأُمَراء قَد سَكَنوا الثَرى *** وَعَلَيهم كَأسُ المنونِ
تُدارِ
قَد وُسّدُوا بَعدَ الحَرير جَنادِلاً *** وَمِنَ اللُحود عَلَيهم أَستارُ
مُنِعوا القِبابَ وَأُسكِنوا بَطن الثَرى *** حَكمت بِذاك عَلَيهم
الأَقدارُ
أَن لَيسَ يَبقى في المُلوك مُمَلّك *** إِلّا أَتَته مَنيّةٌ وَبَوارُ
نادَيتُهُ
وَالحُزن خامرَ مُهجَتي *** وَالقَلبُ فيهِ لَوعةٌ وَأوارُ
يا مَن بِبَطن
الأَرض أَصبَح آفلاً *** أَتَغِيبُ في بَطن الثَرى الأَقمارُ
إِنّ الَّذين
عَهدتَ صَفوَ وِدادهم *** هَل فيهمُ بَعدَ الرَدى لَكَ جارُ
تَرَكوكَ في
بَطنِ الثَرى وَتَشاغَلوا *** بِعُلاً سِواك فَعُرفُهُم إِنكارُ
لَمّا وَقَفتُ بِقَبره مُتَرَحّماً *** بانَ العَزاءُ وَهاجَني اِستعبارُ
فَبَكَيتُ دَمعاً لَو بَكَت بِمثالهِ *** غُرّ السَحائب لَم تَكُن أَمطارُ
يا زائِريهِ اِستَغفِروا لِمَليكِكم *** ملكَ المُلوك فَإِنَّهُ غَفّارُ.
ــ يقول الشاعر/ التهامي:
حُكمُ المَنِيَّةِ في البَرِيَّةِ جاري *** ما هَذِهِ الدُنيا بِدار قَرار
بَينا يَرى الإِنسان فيها مُخبِراً *** حَتّى يُرى خَبَراً مِنَ الأَخبارِ
طُبِعَت عَلى كدرٍ وَأَنتَ تُريدُها *** صَفواً مِنَ الأَقذاءِ وَالأَكدارِ
وَمُكَلِّف الأَيامِ ضِدَّ طِباعِها *** مُتَطَّلِب في الماءِ جَذوة نارِ
وَإِذا رَجَوتَ المُستَحيل فَإِنَّما *** تَبني الرَجاءَ عَلى شَفيرٍ هارِ
فَالعَيشُ نَومٌ وَالمَنِيَّةُ يَقِظَةٌ *** وَالمَرءُ بَينَهُما خَيالِ
ساري
وَالنَفسُ إِن رَضِيَت بِذَلِكَ أَو أَبَت *** مُنقادة بِأَزمَّة الأَقدارِ
فاِقضوا مآرِبكم عُجَالاً إِنَّما *** أَعمارُكُم سِفرٌ مِنَ الأَسفارِ
وَتَراكَضوا خَيلَ الشَبابِ وَبادِروا *** إِن تُستَرَدَّ فَإِنَّهُنَّ
عَواري
فالدهر يَخدَع بِالمني وَيغُصُّ إِن *** هَنّا وَيَهدِمُ ما بَنى بِبوارِ.
ــ
أخيرا وليس آخرا:
تناولنا في هذه الحلقة غرضين من أغراض
القريض، مدعومة بشواهد ساطعة بجلاء في (الدعوة إلى الله)
و(الحزن والرثاء) بأقلام فحول الشعراء العرب، ونستكمل المزيد منها في العدد القادم إن
شاء الله.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) عضو النقابة
العامة لاتحاد كتاب مصر