(11) شواهد من الأشعار في (الحب) و(اللهو) و(الاعتذار)
إعداد/ مجدي شلبي (*)
ــ مقدمة:
رغم أن القصيدة
العربية قي العصر الجاهلى لم تكن تتقيد بغرض واحد من أغراض الشعر ــ في الأغلب
الأعم ــ حيث كانت تبدأ بالوقوف على الأطلال، ثم تنتقل إلى موضوعات أخرى، إلا أننا
نلتزم هنا بالشواهد الشعرية المحددة الموضوع والمتقيدة بالغرض الواحد من الأغراض
العشرة المعروفة: 1ـ (المدح والثناء)، 2ـ (الهِجاء والذم)، 3ـ (الفخر والحماسة)، 4ـ
(الغزل والحب)، 5ـ (اللهو والخمر)، 6ـ (التأسف والاعتذار)، 7ـ (الدعوة إلى الله)، 8ـ
(الرثاء والحزن)، 9ـ (الوصف)، 10ـ (الدرس والشرح) ألفية ابن مالك في النحو
أنموذجا.
وقد تناولنا
الثلاثة أغراض الأولى منها، وعرضنا شواهد شعرية لها؛ في الحلقة السابقة، وبقي هنا
أن نتناول ثلاثة أغراض أخرى (الحب) و(اللهو) و(الاعتذار).
ــ
الغرض الرابع (الغزل والحب):
ــ يقول الشاعر/ الأرجاني:
لولا رجائي
ثانياً للقائهِ *** ما كنتُ أحيا ساعةً في نائه
سَكَنٌ له
أبداً فؤادي مَسْكَنٌ *** ما مَلَّ يوماً فيه طُولَ ثوائه
غُصُنٌ إذا ما
مادَ في مَيدانهِ *** أسدٌ إذا ما هاجَ في هَيْجائه
في جَفْن
ناظِره وجفْنِ حُسامهِ *** سَيْفانِ مختلفانِ في أنحائه
فبواحدٍ يَسطو على أحبابهِ *** وبواحِد يَسْطو على أعدائه.
ــ يقول
الشاعر/ إدريس جمّاع:
و ﺍﻟﺴﻴﻒ ﻓﻲ الغمد ﻻ ﺗُﺨشَى مضاربُه *** ﻭﺳﻴﻒ ﻋﻴﻨﻴﻚ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺎﻟﻴﻦ ﺑﺘّﺎﺭُ.
ــ يقول الشاعر/ ابن رواحة
الحموي:
يا راشقاً
هَدَفَ القلوبِ بأَسهمٍ *** خَلِّ السِّهامَ فِسْحُر طَرْفِك أَقْتَلُ
ما لِلْوُشاةِ
سَعَوا بنا يا لَيْتَهْم *** ثَكِلوا أَحِبَّتَهم كما قد أَثْكَلوا.
ــ يقول الشاعر/ أبو زبيد
الطائي:
تَرنوا بِعَيني
غَزالٍ تَحتَ سِدرَتِهِ *** أَحَسَّ يَوماً مِنَ المَشتاةِ هَلّابا
بِجيدِ ريمٍ
كَريمٍ زانَهُ نَسَقٌ *** يَكادُ يُلهِبُهُ الياقوتُ إِلهابا.
ــ يقول الشاعر/ خلفان بن مصبح:
أحبك يا عذراء
والحب حالة *** إذا عرضت للمرء لم يدر ما فعل
وأنت وحق الحب
في الحسن آية *** تعالت وجلّت أن يقاس بها مثل.
ــ يقول الشاعر/ البرعي:
أَغار عليكم
أَن يَراكم حَواسدي *** وأحجب عنكم وَالمحب غيور
أَحباب قَلبي
هَل سواكم لعلتي *** طَبيب بداء العاشقين خَبير.
ــ يقول الشاعر / سليمان بن
سحمان:
إن القريض إن
أرسلت قد وصلا *** فهيج الشوق حتى ثار واشتعلا
وأرق الجفن
قولاً للمحب لقد *** طال الفراق وأضحى الحب قد غفلا
والله يا صاح
إن كنتم ذوو وله *** فإنما الشوق منا فوق ما نقلا.
ــ يقول الشاعر/ قيس بن ذريح:
وَإِنّي
لَأَهوى النَومَ في غَيرِ حينِهِ *** لَعَلَّ لِقاءً في المَنامِ يَكونُ
تُحَدِّثُني
الأَحلامُ إِنّي أَراكُمُ *** فَيا لَيتَ أَحلامَ المَنامِ يَقينُ
شَهِدتُ
بِأَنّي لَم أُحِل عَن مَوَدَّةٍ *** وَإِنّي بِكُم لَو تَعلَمينَ ضَنينُ
وَإِنَّ فُؤادي
لا يَلينُ إِلى هَوى *** سِواكِ وَإِن قالوا بَلى سَيَلينُ.
ــ يقول الشاعر/ حمد بن خليفة أبو شهاب:
عذراء في أوج
الشباب مليحة *** أسرت بطرف المقلتين فؤادي.
ــ يقول
الشاعر/ مانع سعيد العتيبة:
والظلمُ في
شَرْعِ الحبيبِ عدالةٌ *** مهما جَفَا كنتَ المُحِبَّ المُ ولَعَا
ولقد طربتُ
لصوتِه ودلالِه *** ِواحتلّتْ اللفتاتُ فيّ الأضلُعَا.
ــ يقول
الشاعر/ ابن الدهان:
وَتيقَّني
أَنّي بحبّكِ مُغرَمٌ *** ثُمَّ اِصنَعي ما شِئتِ بي أَن تَصنَعي.
ــ يقول
الشاعر/ أحمد شوقي:
صوني جمالك عنا
إننا بشرمن التراب *** وهذا الحسن روحاني
عسى تكف دموع
فيك هامية *** لا تطلع الشمس والنداء في آن.
ــ يقول الشاعر/ السمهري العلكي:
كَأَنَّ وَميضَ
البَرقِ بَيني وَبَينَها *** إِذا حانَ مِن خَلفِ الحِجابِ اِبتسامُها
فَإِنَّ الَّتي
أَهدَت عَلى نَأيِ دارِها *** سَلاماً لَمَردودٌ عَلَيها سَلامُها.
ــ يقول الشاعر/ حافظ
إبراهيم:
أَخفَيتَ أَسرارَ الفُؤادِ وَإِنَّما *** سِرُّ الفُؤادِ مِنَ النَواظِرِ
يُسرَقُ.
ــ يقول الشاعر/
الملك الأمجد:
لكم مِن فؤادي شاهدٌ ليس يكذبُ *** ومِن دمعِ عيني صامتٌ وهو مُعرِبُ
ولي من شهودِ الحبَّ خدٌّ مُخَدَّدٌ *** وقلبٌ على نارِ الغرامِ يُقَلَّبُ
ولي بالرسومِ الخُرسِ مِن بعدِ أهلِها *** غرامٌ عليه ما أزالُ أؤنَّبُ
واِنْ عنَّ ذكرُ الراحلينَ عنِ الحِمى *** وقفتُ فلا أدري إلى أين أذهبُ
فربعٌ أُناجيهِ وقد ظلَّ خالياً *** ودمعٌ أُعانيهِ وقد بات يُسكَبُ.
ــ يقول الشاعر/ حسن كامل الصيرفي:
إِنَّ العُيونَ الَّتي في طَرفِها حورٌ *** وَتِلكَ أَعيُنُ مَن نَهوي
وَتَهوانا
سُيوفُ أَلحاظِها في الجَفنِ مُغمَدَةً *** قَتَلنَنا ثُمَّ لَم يُحيينَ
قَتلانا.
ــ يقول الشاعر/ ابن خفاجة:
تَعَلَّقتُهُ نَشوانَ مِن خَمرِ ريقِهِ *** لَهُ رَشفُها دوني وَلي دونَهُ
السُكرُ
تُرَقرِقُ ماءً مُقلَتايَ وَوَجهِهِ *** وَيُذكي عَلى قَلبي وَوَجنَتِهِ
الجَمرُ
أَرَقَّ نَسيبي فيهِ رِقَّةُ حُسنِهِ *** فَلَم أَدرِ أَيُّ مِنهُما
قَبلَها السِحرُ
وَطِبنا مَعاً شِعراً وَثَغراً كَأَنَّما *** لَهُ مَنطقي ثَغرٌ وَلي
ثَغرُهُ شِعرُ.
ــ
الغرض الخامس (اللهو والخمر):
ــ يقول الشاعر/ أبو نواس:
ألا فاسقِني
خمراً، وقل لي: هيَ الخمرُ *** ولا تسقني سرّاً إذا أمكن الجهرُ
فما العيْشُ
إلاّ سكرَة ٌ بعد سكرة ٍ*** فإن طال هذا عندَهُ قَصُرَ الدهرُ
وما الغَبْنُ
إلاّ أن ترَانيَ صاحِيا *** وما الغُنْمُ إلا أن يُتَعْتعني السكْرُ
فَبُحْ باسْمِ
من تهوى، ودعني من الكنى *** فلا خيرَ في اللذّاتِ من دونها سِتْر.
ــ يقول الشاعر/ صريع الغواني:
أَديري عَلى
الراحِ ساقِيَةَ الخَمرِ *** وَلا تَسأَليني وَاِسأَلي الكَأسَ عَن أَمري
كَأَنَّكِ بي
قَد أَظهَرَت مُضمَرَ الحَشا *** لَكِ الكَأسُ حَتّى أَطلَعَتكِ عَلى سِرّي
وَقَد كُنتُ
أَقلى الراحَ أَن يَستَفِزَّني *** فَتَنطِقَ كَأسٌ عَن لِساني وَلا أَدري.
ــ يقول
الشاعر/ صردر:
إن لم أكنْ من
راضعى الخمرِ *** ولك أداو السكرَ بالسكرِ
ولا إذا ما
ركَدتْ خيلُهَا *** أجريُتَها في حلبةِ الصدرِ
فإننى أهوَى
النَّدامَى وما *** يأتون من خيرٍ ومن شرِّ
وأعشق الكأَس
وسلطانُها *** يأخذهم بالنهى والأمرِ
كأنما الراحُ
براحاتهم *** كواكبٌ في فَلِكٍ تجرى
منتظِمو اليدى
بأدوارها *** كنظمك الأحرفَ في السطرِ
ياقوتُها
الأصفرُ أمواههم *** يَنبُتُ فيها زَهَرُ الدُّرِّ.
ــ يقول
الشاعر/ أبو الفضل الوليد:
ما أطيَبَ
الخمرَ في بَردِ الكوانينِ *** على المصابيحِ تُجلى والكوانينِ
والنارُ
والنورُ تبدو الكاسُ بينهما *** كسِدَّةِ الملكِ أو تاجِ السلاطين
وللبخورِ
دُخانٌ طيبُهُ عَبَقٌ *** حيث المشامِعُ حُفَّت بالرَّياحين
وللنّدامى
حَديثٌ يُطرَبونَ بهِ *** إنّ الأحاديثَ تحلو كالتَّلاحين.
ــ يقول
الشاعر/ صريع الغواني:
يا لَيلَةً
نِلتُ فيها اللَهوَ وَالوَطَرا *** كُرّي عَلَينا وَإِلّا فَاِطرُدي الذِكَرا
لَمّا
اِلتَقَينا اِفتَرَعنا في تَعاتُبِنا *** مِنَ الحَديثِ وَمِن لَذّاتِهِ العُذَرا
إِذا
اِستَتَرنا بِسِترِ اللَيلِ بادَرَنا *** كَيما يَرانا عَمودُ الصُبحِ فَاِنفَجَرا
قالَت أَأَقرَرتَ
بِالإِجرامِ قُلتُ نَعَم *** لَو كانَ جُرمي عَلى الإِقرارِ مُغتَفَرا
فَاِستَضحَكَت
ثُمَّ قالَت لا تَكُن نَزِقاً *** وَاِكتُم حَديثِكَ لا تُعلِم بِهِ بَشَرا
فَقَد غَفَرتُ
لَكَ الذَنبَ الَّذي زَعَموا *** لا بارَكَ اللَهُ فيمَن بَعدَ ذا غَدَرا
وَقَصَّرَ
اللَيلُ عَن حاجاتِ أَنفُسِنا *** كَذاكَ لَيلُ التَلاقي رُبَّما قَصُرا
وَكَأسِ راحٍ
يُميتُ الهَمَّ شارِبُها *** باكَرتُها وَرِداءُ اللَيلِ قَد حَسَرا
صَبَّ المِزاجُ
عَلَيها الحَلى فَاِضطَرَبَت *** كَأَنَّ في حافَتَيها الدُرَّ وَالشِذَرا.
ــ
الغرض السادس (التأسف والاعتذار):
ــ يقول الشاعر/ ابن نباتة المصري:
شرفٌ في تواضعٍ ونوالٌ *** في اعتذار وهيبة في حياء
ورقى صاعداً فلم يبقَ للحا *** سدِ إلا تنفسُ الصعداء.
ــ يقول الشاعر/ المتنبي:
لَمْ تُجْمَعِ الْأَضْدَادُ فِي مُتَشَابِهٍ *** إِلَّا لِتَجْعَلَنِي لِغُرْمِيَ مَغْنَمَا
كَصِفَاتِ أَوْحَدِنَا أَبِي الْفَضْلِ الَّتي *** بَهَرَتْ فَأَنْطَقَ وَاصِفِيهِ وَأَفْحَمَا
يُعْطِيكَ مُبْتَدِرًا فَإِنْ أَعْجَلْتَهُ *** أَعْطَاكَ مُعْتَذِرًا كَمَنْ قَدْ أَجْرَمَا
وَيَرَى التَّعَظُّمَ أَنْ يُرَى مُتَوَاضِعًا *** وَيَرَى التَّوَاضُعَ أَنْ يُرَى مُتَعَظِّمَا.
ــ يقول الشاعر/ الخُبز أَرزي:
والعفو بعد اقتدارٍ فِعلُه شَرَفٌ *** والهجر بعد اعتذارٍ فِعلُه سَرَفُ
وقد تصدَّق عذري في مصالحكم *** فلا يُصَدَّق تبليغٌ ولا قَرَفُ
عاقب بما شئتَ غير الهجر نَرضَ به *** فالهجر فيه لإخوان الهوى تَلَفُ
أين التفضُّل والإحسان أينهما *** وأنت في ذا وهذا فوق ما نصفُ.
ــ يقول الشاعر/ الشريف الرضي:
إنْ كنتَ بالعفوِ ليس تعذرنا *** فلا اعتذارٌ مِنّا إلى أحَدِ
والعبدُ علماً بحلمِ سيّدِهِ *** يُذنِبُ عمداً وغيرَ مُعتمِدِ.
ــ يقول الشاعر/ جبران خليل جبران:
فليكن من تمام جودك عذري *** فقبول الأعذار شأن الجواد.
ــ يقول الشاعر/ أبوالعلاء المعري:
كَم يُسِّرَ الأَمرُ لَم تَأمَل تَيَسُّرَهُ *** وَكَم حَذِرتَ فَما وُقّيتَ مَحذورا
فاغفِرْ ذُنوباً لتُجزى بعدَ مغفِرَةٍ؛ *** واعذِرْ لتُصبحَ بينَ النّاسِ مَعذورا.
ــ يقول الشاعر/ إبراهيم ناجي:
أبعث الآن اعتذاري وأنا *** حاضر بالقلب والروح معك
لك ظل مقتفٍ في خاطِري *** حيثما سرت مضى فاتبعك
أنا لا أومن بالبعد ولا *** أحسب المقدور مني نزعك
أنت لا تبرح عيني فلذا *** لا تراني اليوم فيمن ودّعك.
ــ يقول الشاعر/ صفي الدين الحلي:
العَفوُ مِنكَ مِنِ اِعتِذارِيَ أَقرَبُ *** وَالصَفحُ عَن زَلَلي بِحِلمِكَ أَنسَبُ
عُذري صَريحٌ غَيرَ أَنِّيَ مُقسِمٌ *** لا قُلتُ عُذراً غَيرَ أَنّي مُذنِبُ
يا مَن نَمُتُّ إِلى عُلاهُ بِأَنَّنا *** في طَيِّ نِعمَةِ مُلكِهِ نَتَقَلَّبُ
إِنّي لَأَعجَبُ مِن وُقوعِ خَطِيَّتي *** وَلَئِن جُزيتُ بِها فَذَلِكَ أَعجَبُ.
ــ يقول الشاعر/ حفني ناصف:
إليك أقدم اليوم اعتذاري *** لبطءٍ عنك فامنحهْ قبولا
فقد نزل الكرى ضيفاً بجفني *** وأغراهُ القِرى أن لا يزولا
سأجزيهِ بسفح الدمع منه *** وأحرمه الكرى دهرىً طويلا.
ــ يقول الشاعر/ العباس بن الأحنف:
كانَت ظَلومُ إِذا عاتَبتُها اِعتَذَرَت *** فَكُنتُ أَحبِسُ دَمعي حينَ تَعتَذِرُ
فَاليَومَ قَد آيَسَتني أَن أُعاتِبَها *** فَاِستَقطَرَ اليأَسُ دَمعي فَهوَ يَنحَدِرُ.
ــ أخيرا وليس آخرا:
تناولنا في هذه الحلقة ثلاثة أخرى من أغراض
القصيد، مدعومة بشواهد شعرية لفحول الشعراء العرب، ونستكمل المزيد منها في العدد
القادم إن شاء الله.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) عضو النقابة العامة لاتحاد كتاب مصر