نقطة ومن أول السطر (34):
من الشعر ماقتل!
بقلم/ مجدي شلبي (*)
هذا العنوان يتناص مع المثل الشائع (من
الحب ماقتل)، ويرجع هذا المثل لما روي عن الأصمعي في نصحه لأحد العشاق الذي ترك
رسالة مكتوبة على صخرة؛ نصها:
"أيا معشر العشاق بالله خبروا ***
إذا حل عشق بالفتى كيف يصنع".
ــ فقام الأصمعي بالرد عليه على ذات
الصخرة:
"يداري هواه ثم يكتم سره *** ويخشع
في كل الأمور ويخضع".
ــ وفي اليوم التالي وجد الشاب العاشق
قد ترك له رسالة؛ نصها:
"وكيف يداري والهوى قاتل الفتى ***
وفي كل يوم قلبه يتقطع".
ــ فكتب إليه:
ــ "إذا لم يجد الفتى صبرا لكتمان
أمره *** فليس شيء سوى الموت ينفع"
فما كاد العاشق يقرأ نصيحة الأصمعي؛
إلا وأقدم على الانتحار، تاركا رسالته الأخيرة التي كتب فيها:
ــ "سمعنا أطعنا ثم متنا فبلغوا ***
سلامي إلى من كان للوصل يمنع"
"هنيئا لأرباب النعيم نعيمهم *** وللعاشق
المسكين ما يتجرع".
فما كان من الأصمعي إلا أن أطلق مقولته
الشهيرة "ومن الحب ما قتل". وواقع الأمر أن بيت شعره هو المتسبب في قتل
العاشق لنفسه، ومن ثم يجب تصويب المثل ليصبح (من الشعر ماقتل). وهناك شواهد أخرى
تؤكد هذه الحقيقة:
ــ فهذا هو الشاعر/ ابن الرومي، الذي
قام وزير الإمام المعتضد بقتله، خشية أن يهجوه بشعره؛ فأطعمه حلوى مسمومة، وهو في
مجلسه، فلما أكلها أحس بالسم، فقال له الوزير: إلي أين تذهب؟ فقال: إلي الموضع
الذي بعثتني إليه، فقال له: سلم على والدي، فقال له: ما طريقي إلي النار.
ــ وهذا هو الشاعر/ المتنبي، الذي هجا
خال فاتك (ضبة بن يزيد) بأبيات منها:
"ما أنصفَ القومُ ضُبَّهْ وأمّه
الطُّرطُبّهْ"...
ثم أثناء عودة المتنبي إلى بغداد برفقة
ابنه وغلامه، تعرّض له فاتك والكثير من أصحابه، فأدرك المتنبي أنَّه مغلوب؛ فهم بالفرار،
ولكنّ غلامه قال له: لا يجوز لك الفرار وأنت القائل: "فالخيل والليل والبيداء
تعرفني *** والسيف والرمح والقرطاس والقلم"
فقال له المتنبي: قتلتني قتلك الله، ثمَّ
عاد إلى القتال حتّى تمَّ قتله، وقُتل معه ابنه وغلامه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) عضو النقابة العامة لاتحاد كتاب
مصر