النص الكامل لمقالي المنشور في العدد 23 من مجلة (النيل والفرات) بتاريخ أول
أغسطس 2022
نقطة ومن أول
السطر:
الإبداع المجاني هو سيد المشهد الأدبي!
بقلم/ مجدي
شلبي
خلصنا في
المقال السابق عن (المعايير الموضوعية في نقد الأعمال الأدبية) إلى أن الهدف من
الالتزام بتلك المعايير والضوابط؛ هو الارتقاء بالعمل الأدبي ذاته، ومن ثم يجب أن
يكون نقد العمل ومناقشته سابقا على طباعته ونشره، بغية الوصول به إلى أعلى درجات
الجودة التي تستحق التقدير.
وهو تقدير
يتراوح بين التقدير المعنوي المريح، والعائد المادي الشحيح، وفي جل الأحوال؛
الإبداع المجاني هو سيد المشهد الأدبي؛ وهنا أستعير قول الشاعر المكزون السنجاري:
قُلتُ
لِلغائِبينَ عَن مَشهَدي فيكَ *** وَهُم يَنكِرونَ مَعروفَ قيلي
أَعَلَيهِ
تَبغونَ عِندي دَليلاً *** وَوُجودي مِنهُ عَلَيهِ دَليلي
ورغم أنه لا
يوجد إبداع في العالم ـ حتى في المهن الإنسانية ـ بلا عائد مادي؛ إلا أن إبداع
الأدباء مازال مجانيا؛ فالواحد منهم يهتم بـ(بنات أفكاره)، اهتمام المجنون
بأبنائه؛ يسهر الليالي الطوال في تربيتهن، وتجميلهن، فإذا شببن عن الطوق وأصبحن في
أبهى صورة؛ أراد أن يعتز بإبداعه، ويغلي مهره، ليستفيد منه؛ فيعاتبه الشاعر ابن
حيوس؛ بقوله:
أَغلَيتَ
بِالإِقدامِ وَالجودِ مَهرَها *** فَأَحجَمَتِ الخُطّابُ لَمّا غَلا المَهرُ
فيضطر لأن
يحمل على عاتقه سداد شبكتهن و مهرهن، و يزيد على هذا كله؛ فيوصل إبداعه عطية بلا
ثمن إلى كل من هب و دب!،
و بدلا من أن
يقيم الأفراح والليالي الملاح؛ يتسلل إلى الندوات والمؤتمرات والصالونات، موزعا
على الحاضرين نخب إبداعه المسكر؛ ظنا منه أنهم سيتمايلون منه إعجابا، ومعه طربا،
إلا أنه في الأغلب الأعم؛ لا أحد يهتم؛ فما جاء سهلا يذهب سهلا...
إن هذا الأمر
جد خطير، ويدعونا لإطالة التفكير فيما وصل إليه حال الأدباء العرب، الذين كانت لهم
في الماضي مكانة رفيعة، ووظيفة مرموقة (في ديوان التوقيعات) حيث كان يكلف الموظف
منهم بصياغة الأوامر التي يصدرها الخليفة أو الوالي، صياغة أدبية تتسم بالحكمة
والبلاغة وسحر البيان... والمدهش أن الإبداع الأدبي الذي كان في الماضي وظيفة، تدر
على المبدع دخلا يستطيع من خلاله مواجهة الأعباء المادية والمعيشية؛ أصبح من أطلال
الماضي، اتساقا مع قول الشاعر إسماعيل صبري (بتصرف):
لَو أَنَّ
أَطلالَ (الوظيفة) تَنطِقُ *** ما ارتّدَّ حرّانَ الجوانِح شَيِّقُ
لقد أضحى جل
الأدباء، في حالة تدعو إلى الرثاء، مكتفين بما يحصلون عليه من حصاد الهشيم:
إعجابا، شهادات تقدير، ودروع تكريم لا تسمن ولا تغني من جوع!.