قراءة في المشهد العام للنوادي الأدبية
مقاربة بين (الحاضر والمستقبل - الواقع
والمأمول)
وإجابة على السؤال: هل (النوادي الأدبية) تجاوزها الزمن؟
بقلم/ مجدي شلبي (*)
لا شك أن الملتقيات الأدبية والصالونات
الثقافية، والمنتديات الفكرية على مدى التاريخ الإنساني ـ كانت ومازالت وستظل ـ
تمثل ملمحا مهما من ملامح المعرفة، وإحدى القوى الناعمة التي تُعنى ببلورة الوعي،
وبناء الإنسان من خلال السعي لتجسيد الرؤى والأفكار والمُثل والمبادئ؛ بغية تطوير
المجتمع والارتقاء به، وسوف يقتصر حديثي هنا على كيان أدبي يعُرف ـ تحديدا ـ بـ(النادي
الأدبي).
بدأت فكرة إنشاء (الأندية الأدبية) في
السعودية عام (1395هـ/ 1975م) في محاولة لإحياء سوق عكاظ، وبعد تداول هذه الفكرة واتساع
مجالاتها الأدبية وشمولها الأجناس الأدبية المختلفة: الشعر والرواية والقصة والنقد
الأدبي؛ تمت الموافقة على إنشاء النادي الأدبي بالرياض بتاريخ (الثلاثاء 1 رجب 1398هـ
/ الموافق ٦ يونيو ١٩٧٨م)، ثم تبعه إنشاء أندية أدبية أخرى في المدن السعودية
الكبيرة، حتى بلغ عددها (16) ناديا أدبيا على مستوى المملكة.
ثم انتقلت الفكرة إلى الهيئة المصرية العامة
لقصور الثقافة، المُنشأة بالقرار الجمهوري رقم 63 لسنة 1989م؛ ثم أعقب ذلك إصدار السيد
رئيس مجلس إدارة الهيئة، قرارا تضمن اللائحة المنظمة لعمل الأندية الأدبية، التي
تمارس نشاطها من خلال المواقع الثقافية التابعة للهيئة، وقد بلغ عدد الأندية
الأدبية المعتمدة في جمهورية مصر العربية حتى 21 مايو 2023 عدد 163 ناديا أدبيا،
وأن إجمالي عدد الأعضاء العاملين بها بلغ حوالي 6000 عضوا عاملا، فضلا عن ضِعف هذا
العدد من الأعضاء المنتسبين.
ولم يثبت أن أي دولة عربية أخرى تبنت
فكرة إنشاء (أندية أدبية) ـ بالمعنى الحرفي للكلمة ـ وحرصت على تنفيذها؛ غير مصر
والسعودية.
هذا وقد تشابهت الأهداف العامة
المبتغاة من وراء إنشاء تلك الأندية الأدبية في البلدين، والوسائل المحققة لها
مثل: عقد ندوات وأمسيات وفعاليات أدبية وثقافية، بشكل دوري منظم، وفتح المجال أمام
الشباب للمشاركة وصقل مواهبهم المتميزة في جميع الأجناس الأدبية ـ دون تحيز لجنس
أدبي على آخر ـ ونقد وتقييم وتصويب الأعمال بمعرفة المتخصصين والأكاديميين، وتقديم
المواهب الأدبية إلى الحياة الثقافية، وإقامة المؤتمرات والمهرجانات الأدبية،
والسعي لتثقيف الجمهور ثقافة أدبية رفيعة.
فهل عملت الأندية الأدبية القائمة على
تحقيق الأهداف المأمولة والمرتجاة؟ أم أن الواقع يشير إلى منحى مختلف؟
وللإجابة ـ بإنصاف ـ علينا أن نعترف
بأن بعض تلك الأندية الأدبية؛ كان لها مقود الثقافة، طوال العقود الماضية، فأحدثت
نشاطا أدبيا رائعا ومتنوعا، ومحققا لتلك الأهداف في كثير من الأحيان؛ غير أنه ـ
على الطرف الآخر ـ هناك أندية أدبية نالت
انتقادات كثيرة، وتخلفت عن أداء دورها المأمول والمنشود، وللوقوف على أسباب هذه السلبيات،
التي دفعتها إلى اتجاه غير مرضٍ؛ يجب أن نشير إلى الأضلاع الثلاثة للأندية الأدبية:
(1) الجمعية العمومية، (2) مجلس إدارة
النادي، (3) الجهة الإدارية المشرفة.
(أولا) الجمعية العمومية: غير خاف على
أحد ما حدث في الآونة الأخيرة من صراعات بين أعضاء بعض الأندية الأدبية على منصب
الرئيس، وهو ما أثار حالة من الاستقطاب بين الأدباء، والانقسام الشللي البغيض، الذي
ينعكس سلبا على النشاط الأدبي، ويسيء للأدباء أنفسهم، فإذا ما أضفنا لهذا عدم
إلمام جل الأدباء ـ مرشحين ومصوتين ـ بنصوص اللائحة التي تنظم العمل داخل الأندية،
التي هم أعضاء عاملين فيها، نصبح أمام مشهد عبثي يستحق الرثاء!، حيث يجهل أعضاء
الجمعية العمومية حقهم في محاسبة مجلس الإدارة حال عدم القيام بواجباته، أو ثبوت
تقصيره الإداري أو المالي، أو عدم تقيده باللائحة، ووجوب سحب الثقة منه إذا اقتضت
الضرورة ذلك؛ ومن ثم يستمرئ أعضاء مجلس إدارة بعض الأندية الأدبية التقصير
والمخالفات دونما محاسبة، فيعود هذا بالضرر على سمعة ومكانة ونشاط ناديهم الأدبي، ويعرضهم
للمساءلة القانونية؛ ذلك لأن الجهل باللائحة لا يعتبر عذرا.
(ثانيا) مجلس الإدارة: عندما لا يوجد
تجانس بين الرئيس وأعضاء مجلس الإدارة، ولا توجد رؤية واضحة ولا برنامج محدد لأي
منهم؛ يظهر جليا أن الهدف الوحيد للترشح هو المباهاة بـ(المنصب)!، الذي يستغله
البعض في التمييز بين الأعضاء ـ طبقا للأهواء والمصالح ـ واستضافة شخصيات أدبية
إما تربطهم بهم صداقات وعلاقات شخصية آنية، وإما سعيا وراء علاقات مستقبلية...
والأدهى والأمر إذا قام مجلس الإدارة بتدوين أنشطة على الورق، لم تتم على أرض
الواقع!.
(ثالثا) الجهة الإدارية: رغم أنها جهة إشراف؛
إلا أن عدم إدراك رئيس وبعض أعضاء مجالس الإدارة بحدود تدخل الجهة الإدارية في
قرارات المجلس، وتجاهل الدور الهام لأعضاء الجمعية العمومية في هذه القرارات، التي
من بينها وضع الخطة، ومناقشة بنود صرف الميزانية؛ جعلت جهة الإدارة ـ في كثير من
الأحيان ـ هي المتصرفة الوحيدة فيها على النحو الذي تراه، وبالمقابل الذي تقدره،
وبعض مجالس الإدارة ـ فضلا عن أعضاء الجمعية العمومية ـ في كثير من الأحيان ـ مغيبون
تماما عن تفاصيل ميزانية ناديهم وبنود صرفها.
ورغم أهمية وجود أندية الأدب المركزية،
التي تضم رؤساء الأندية الفرعية في كل فرع ثقافي، ولها دور مهم حددته المادة 21 من
اللائحة؛ إلا أن اجتماعاتها تبدو في أغلب الأحيان وكأنها اجتماعات سرية، لا يُعلن
منها إلا بعض الصور الجماعية!.
أما لجان الإقليم التي تبت في طلبات
العضوية بالأندية الأدبية؛ ففي كثير من الأحيان يتم تشكيلها دون معايير موضوعية،
ودون مراعاة للهدف الذي أنشأت من أجله الأندية الأدبية، وهو اكتشاف وتنمية
المواهب، وليس مقارنتهم بالمتحققين أو المحترفين أدبيا.
إن السعي نحو تحقيق المأمول والمنشود
في الأندية الأدبية؛ لا يمكن أن يحدث إلا بعد المكاشفة والمصارحة، وإظهار مواطن
الخلل والعيوب، التي منها على سبيل المثال:
1ـ ضعف الاهتمام بالمواهب الشابة، مقابل
الإفراط في الاهتمام بالنخبة وكبار الأدباء.
2ـ اتساع الفجوة بين النوادي الأدبية
والمجتمع، وتقوقع النشاط داخل حدود المقر، واكتفاء الأدباء بعرض إبداعاتهم لبعضهم
البعض.
3ـ سيطرة الجنس الأدبي الواحد، الذي
يتخصص فيه مدير الندوة على ما عداه، مما يشكل اعتداء سافراً على الأجناس الأدبية
الأخرى، التي تأتي مشاركاتها في تلك الندوات على استحياء.
4ـ التفاوت غير المبرر في المقابل
المادي الرمزي، الذي يتقاضاه بعض الأدباء مقابل مشاركاتهم في الندوات، وإهدار حقوق
البعض الآخر، وعدم الالتزام بعرض ومناقشة بنود صرف الميزانية المخصصة للنادي عن كل
سنة مالية (طبقا لما تنص عليه اللائحة).
5ـ عدم إصدار أي مطبوعات أو دوريات خاصة
بالنادي تتضمن إبداعات الأعضاء.
6ـ عدم وجود معايير موضوعية لاختيار
ممثلي الأندية في المؤتمرات الأدبية، وعدم متابعة تنفيذ توصيات تلك المؤتمرات.
7ـ عدم الاهتمام بالمتابعة (الإدارية
والمالية) لأنشطة الأندية ومدى التزام مجالس إداراتها بما تنص عليه اللائحة.
فإذا لم تتوافر النية لدى الأدباء
للارتقاء بأنديتهم الأدبية، والجهة الإدارية بمتابعة الأنشطة على نحو جاد ـ خصوصا
في ظل المنافسة القوية من مؤسسات ثقافية عديدة، متحررة من القيود البيروقراطية، ومن
تقيد ندواتها بيوم معين أسبوعيا ـ فسوف ينحسر دور الأندية الأدبية شيئا فشيئا، وتصبح
تلك الكيانات الثقافية الخاصة بديلا عنها، فضلا عن البديل الأقوى تأثيرا، والأسرع
وصولا، والأكثر تفاعلا، المتمثل في الفضاء الالكتروني، وهو ما يجعل الأدباء أكثر
عزوفا، وأسرع هروبا من أنديتهم الأدبية، وقد رأينا بالفعل أن عدد الأدباء في ندوات
بعض الأندية الأدبية؛ لا يتعدى عدد أصابع اليدين، وفي بعض الأحيان لا يتعدى عدد
أصابع اليد الواحدة.
وهنا يبرز السؤال المهم: هل الحل هو
تطوير الأندية الأدبية التقليدية، أم الاستعاضة عنها بأندية أدبية إلكترونية؟
إن الهيئة قد اعتمدت الأندية الأدبية،
وأتاحت المواقع الثقافية لممارسة الأنشطة الأدبية فيها، ورصدت الميزانيات المالية
لها، ومن ثم أضحت الإجابة على السؤال عاليه؛ تكمن في قدرة الأدباء أنفسهم على
الارتقاء بأنديتهم الأدبية التقليدية، ومعالجة السلبيات القائمة، وإلا فعلينا أن
نتأهب من الآن للتعامل مع لائحة أندية أدب إلكترونية قادمة، تواكب التقدم
التكنولوجي، وتعالج حالة التكلس والنمطية والمشكلات التي يعاني منها عدد غير قليل
من الأندية الأدبية القائمة، وهذا أمر وارد وممكن وليس مستحيلا، ودليلي على ذلك هو
أن الهيئة العامة لقصور الثقافة أصدرت بالفعل مجلة إلكترونية بعنوان (مصر
المحروسة)، واستمرارا لهذا النهج ـ المواكب لروح العصر ـ الذي بدأته الهيئة؛ قد
تقوم بإنشاء أندية أدب إلكترونية أيضا، ومن ثم ما يراه البعض بعيدا؛ أراه سيحدث بإذن
الله حتما وربما قريبا؛ يقول الشاعر أحمد محرم:
تعلموا وخذوا الأنباء صادقة *** عن كل
ذي أدب بالصدق يتسم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) عضو النقابة العامة لاتحاد كتاب
مصر