مفهوم الصراع النفسي في القصة القصيرة ــ قصة (نظرة) ليوسف إدريس أنموذجا ــ بقلم/ مجدي شلبي


مفهوم الصراع النفسي في القصة القصيرة

قصة (نظرة) ليوسف إدريس أنموذجا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بقلم/ مجدي شلبي (*)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

يعرف (الصراع) بأنه: "نزاع ينتج عن تعارض حقيقي أو متخيل للاحتياجات والقيم والآراء والمصالح، ويؤدي إلى حالة انفعالية مؤلمة".

ومن ثم تأتي النصوص السردية التي يبدعها الكتاب تخيلا، لتخلق توترا حكائيا يعبر عن تلك الصراعات، سواء كان الصراع مباشرا بين الإنسان والإنسان، أو بين الإنسان والطبيعة، أو صراعا داخليا بين الإنسان ونفسه، وهي حالة انفعاليّة تنتج عن النزاع بين الرغبات المتضادة داخل الإنسان، أو نتيجة القهر والظلم وكبت الرغبات.

وتأتي قصة (نظرة) للكاتب يوسف إدريس معبرة عن هذا النوع من الصراع النفسي، الناشئ عن الصراع الطبقي، الذي لخصته النظرية الماركسية في مفهوم المصالح المتضاربة بين طبقة العمال (البروليتاريا) والطبقة الرأسمالية (البورجوازية) التي تستغلهم.

وإذا كانت الماركسية تؤمن بأن طبقة البروليتاريا سوف يتحقق لها ما تصبو إليه من عدالة، وتختفي من المجتمعات تلك الطبقية البغيضة؛ فإن قصة (نظرة) ـ برمزية مدهشة ـ تلقي الضوء بقوة على هذا التضارب، سعيا للوصول إلى ذات الهدف السامي.

ومن العبقرية أن اختار الكاتب عنوانا معبرا عن ذلك الصراع النفسي الناتج عن (نظرة):

1ـ (نظرة) حسرة وألم: تتمثل في (نظرة الطفلة/ الخادمة) وهي ترى أطفالا في مثل عمرها يلعبون و يمرحون، بينما هي محرومة من كل ذلك، بل وتشقى وتتحمل فوق طاقتها، فتشعر بالحسرة والألم، ويتشتت ذهنها بين رغبتها الحالمة في مشاركتهم اللعب بحرية، وبين واقع قهرها لتنفيذ أوامر سيدتها.

2ـ (نظرة) اهتمام وشفقة: تتمثل في (نظرة الكاتب) الذي يرى تلك الطفلة الصغيرة المحرومة من اللعب كأقرانها، وهي تحمل على رأسها حملا ثقيلا مضطربا وهي ضعيفة مقهورة، وذلك الحمل الثقيل المضطرب يأتي إسقاطا رمزيا لحالة الصراع الطبقي المضطرب أيضا، الذي في حاجة هو الآخر للاعتدال.

3ـ (نظرة) تعاطف: تتمثل في (نظرة القارئ)، الذي يشعر بهذا التناقض الحاد المؤدي لصراع داخلي لدى الطفلة؛ نتيجة:

(حرية الأطفال/ وقهرها)، (ضحكهم/ وحزنها)، (صياحهم/ وصمتها)، (ضعفها/ وحملها الثقيل)، (واقعها الذليل/ وحلمها الطويل)... وهي أبعاد إنسانية، تتجسد بتناقضها أمام القارئ؛ فتدفعه للتعاطف مع تلك الطفلة.

4ـ وأخيرا (نظرة) أمل وتفاؤل: تتمثل في رؤية مستقبلية تسعى من خلالها الأمم والدول والشعوب إلى إصلاح هذا الواقع، وتمنح الأطفال الحق في أن يعيشوا طفولتهم، وذلك بإصدار عديد من التشريعات التي تمنع عمل الأطفال ـ دون الثامنة عشرة، وقد خصصت - بالفعل - منظمة العمل الدولية التابعة للأمم المتحدة يوما عالميا لمكافحة عمل الأطفال (12 يونيو/ حزيران) من كل عام.

وهكذا كانت (نظرة) الكاتب الكبير يوسف إدريس (نظرة صائبة) إلى المستقبل، وهكذا يسعى الأدب إلى تغيير الواقع نحو الأفضل، باعتباره المرشد للأخلاق الحميدة، والمثل النبيلة، والقيم الإنسانيّة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(*) عضو النقابة العامة لاتحاد كتاب مصر