عندما نعشق الوطن: ثلاثية السرد الروائي: بين السيرة والتاريخ والفن قراءة الأديب مجدي شلبي في رواية (تحت سماء بيروت) للكاتبة اللبنانية أ/ عواطف الزين

عندما نعشق الوطن

ثلاثية السرد الروائي: بين السيرة والتاريخ والفن

قراءة الأديب مجدي شلبي في رواية (تحت سماء بيروت) للكاتبة اللبنانية أ/ عواطف الزين

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بقلم/ مجدي شلبي (*)      

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مقدمة:

في عالم الأدب، يتجلى العشق للوطن في نبضات القلم، ورقرقة الكلمات، حيث تتحول المدن إلى شخصيات تتنفس بين السطور، وتروي حكاياتها بأصوات من عاشوا تحت سمائها، وفي رواية "تحت سماء بيروت"؛ يتجسد الوطن كحبيبة نبيلة، تعانق بين أحضانها أفراح وأحزان أهلها، وتبوح بأسرارها لأولئك الذين ينصتون لصوتها الداخلي؛ هنا (بيروت) ليست مجرد مدينة على خريطة، بل هي كيان حي ينبض بالحياة، ويتصارع بين حنين الماضي، وآلام الحاضر، وأحلام المستقبل.

يقول الشاعر/ ابراهيم الطباطبائي:

أنعم ببيروت أجراعاً وأودية *** وحي بيروت أحياء وأخيافا

إذا تنفَّس مشتاقاً بأربعها *** أعاد مرتبع الحيين مصطافا.

تسافر بنا الرواية عبر شوارع وأزقة بيروت، مستعرضةً تفاصيل حياة تنبض بالحب والدموع، بالمقاومة والانكسار، وكأنما الكاتبة تمسك بيد القارئ، وتأخذه في جولة عبر الذاكرة الجماعية لهذه المدينة، لتفتح أمامه نوافذ تطل على عوالم مترامية الأطراف، من العلاقات الإنسانية المتشابكة والمصائر المتداخلة.

ولأننا "عندما نعشق الوطن"؛ نعشق تفاصيله الصغيرة، نعشق رائحة ترابه وهوائه، ونتماهى مع أحلامه وآلامه، وجدنا هذه الرواية قد عكست هذا العشق المتبادل بين الإنسان ووطنه، ذلك العشق الذي لا يعرف حدودًا، والذي يجعل من كل زاوية في المدينة، وكل همسة في الليل، وكل شروق وغروب، شواهد على قصة حب لا تموت بين الإنسان ووطنه.

وفي هذه القراءة السريعة، سنحاول أن نلقي الضوء على هذه الرواية، لنستكشف كيف ينسج السرد خيوط الهوية والانتماء، وكيف تحولت بيروت من مدينة إلى رمز، ومن مكان إلى حالة شعورية تسكن قلب كل من مر بها، أو عاش فيها، أو حتى حلم بها؛ يقول الشاعر/ محمود درويش:

قُلنا لبيروت القصيدةَ كُلَّها، قلنا لمنتصفِ النهارِ:

بيروت قلعتنا

بيروت دمعتُنا

ومفتاحٌ لهذا البحر. كُنَّا نقطة التكوينِ

كنا وردةَ السور الطويل وما تبقَّى من جدارِ...

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تحليل عناصر السرد

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

رواية "تحت سماء بيروت" تأخذنا في رحلة عبر حياة وأفكار شخصيات الرواية (الشخصية الرئيسية والشخصيات الثانوية)، في مواجهة تحديات زمكانية متعددة؛ حيث تدور أحداث الرواية في بيروت خلال فترة عصيبة من تاريخ لبنان، التي تحمل في ذاكرتها آثار الحروب والصراعات التي تظهر كخلفية للأحداث، وتعكس التحولات الكبيرة التي تمر بها شخصيات الرواية، ويتقاطع فيها الخاص مع العام، وقد اعتمدت الكاتبة على استخدام الزمن بطريقة غير خطية، مما يعكس تشابك الماضي والحاضر في ذاكرتها، حيث تعيش بطلة روايتها في مدينة بيروت، وتكافح من أجل البقاء على قيد الحياة، وسط الفوضى والتغيرات السياسية والاجتماعية، والاضطرابات النفسية والعاطفية نتيجة للظروف المحيطة بها، وهي تبحث عن معنى لحياتها في خضم هذه الصراعات.

وتظهر في الرواية شخصيات أخرى، كل شخصية تجسد طيفا مختلفا من التجارب والمشاعر، مما يعكس تعددية الهوية اللبنانية؛ والصراع الداخلي بين الانتماء الوطني والانتماء الطائفي، مما أدى إلى حالة الفوضى والاضطراب في البلاد، وتتقاطع حيوات النماذج المختلفة من المجتمع اللبناني، مع حياة الشخصية الرئيسية، مما يضيف عمقًا إلى السرد، ويعكس حالة المدينة نفسها؛ فهي تبدأ من حياة عادية وشخصيات تعيش تفاصيل يومية لتتفاعل مع تعقيدات الحرب الأهلية في لبنان، وتتسم الحبكة بالتدرج من الهدوء إلى الاضطراب من خلال الصراع الداخلي للشخصية الرئيسية بين الماضي والحاضر، وبين الأمل واليأس، والتجارب المؤلمة التي تعرضت لها، والتحديات التي فرضت عليها مواجهة ذاتها وأحلامها المكسورة، حيث عاشت قصصًا عاطفية معقدة؛ شكلت جزءًا من تطور شخصيتها وتقدمها نحو النضج.

ومن ثم مزجت الرواية بين السرد الفني والحبكة التاريخية والسيرة الذاتية، مما يمنحها طابعًا ثلاثي الأبعاد، معتمدة على لغة أدبية غنية، تعكس المشاعر والتجارب الداخلية للشخصيات بشكل مؤثر.

وتمثل الموضوعات الرئيسية في هذه الرواية: الهوية والانتماء، التاريخ والسياسة والصراع والأمل، حيث انتهت الرواية بنهاية مفتوحة، تاركة القارئ مع تساؤلات حول مصير الشخصية الرئيسية ومستقبل بيروت.

وبعد أن أجملنا العناصر الأساسية للرواية (الزمكانية ــ الحبكة ــ الشخصيات ــ الأسلوب الأدبي)، بالإضافة إلى ما تتسم به من لغة شاعرية ووصفية عند تناول اللحظات العاطفية أو الحنين.

نشير أيضا إلى أن الرواية مليئة بالرمزيات التي تخدم حبكتها وتعمق من معانيها ودلالاتها؛ على سبيل المثال ما ورد في العنوان ذاته: "سماء بيروت"، الذي يعتبر رمزًا يعبر عن الشمولية والقدر المشترك لأهل المدينة، حيث أن السماء تحمي الجميع وتكون شاهدًا على كل ما يحدث من دمار وأمل، ويمكن أيضاً أن تُفهم الأبنية المدمرة كرمز لتحطم الآمال والطموحات التي كانت قائمة قبل الحرب، بينما يعبر استمرارية الحياة في المدينة عن روح التحدي والصمود.

ونخصص الفقرة التالية لاستعراض مزيد من الصور البلاغية والرموز الأخرى التي حفلت بها هذه الرواية.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

في ظلال الصور البلاغية والرموز

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الرواية تزخر بالاستعارات والتشبيهات والرموز، حيث تعتمد على لغة أدبية عالية ترسم صوراً بديعة لبيروت، وأكتفي هنا بعرض بعض الأمثلة للصور البلاغية والرمزية، التي وردت في الصفحات الأولى من مطلع الفصل الأول فقط:

التشبيه في: "بيروت مدينة ساحرة على هيئة فتاة اسمها “فرح”" (ص 19)، هنا استُخدم التشبيه لتصوير بيروت كفتاة ساحرة، تعبيرا عن جمال المدينة وسحرها.

والاستعارة في: "يمنحنا سكونها زاداً للروح لا ينتهي." (ص 19) للإشارة إلى أن سكون المدينة يعزز الروح ويُغذيها، مثلما يُغذي الطعام الجسد.

والرمزية في: "بكل ألوان الطيف، بدفئها وبردها، بصيفها وشتائها" (ص 19)، يُستخدم التكرار هنا لتسليط الضوء على تنوع أحوال المدينة وجوانبها المتعددة، مما يرمز إلى ثرائها وتنوعها.

والاستعارة في: "إنها بيروت المدينة القابضة على الجمر" (ص 21)، تُستخدم الاستعارة هنا لوصف المدينة بأنها تعاني وتقاوم الأزمات بشجاعة.

والتشبيه في: "ستظل بيروت طاردة لكل شر، منتصرة على كل محنة" (ص 21)، يُشَبَّه صمود بيروت بالقدرة على طرد الشر والانتصار على المحن، مما يعكس قوتها وصمودها.

والرمزية في: "أم الشرائع" و"عروس العواصم" و"درة المتوسط" (ص 21)، تُستخدم الرمزية هنا لتسليط الضوء على مكانة بيروت الكبيرة في الموقع والثقافة والتاريخ.

والتشبيه الأسطوري في: "فتبدو في لحظة استيقاظها أشبه بالإلهة عشتروت" (ص 22)، يُشَبَّه استيقاظ بيروت بالإلهة عشتروت، مما يبرز جمالها وتفردها.

والاستعارة والرمزية في: "ترسم وقائع يومها بأنامل البشر وحبهم." (ص 12)، تُستخدم الاستعارة هنا لتصوير كيف تُشكِّل المدينة يومها عبر جهود وحب سكانها.

والتشبيه في: "فكانت الصبيتان قد أفرغتا كل ما لديهما من قصص، وحكايات، وتعليقات" (ص 32)، يُشَبَّه الحديث بين الصبيتين بتفريغ محتوى، مما يعكس حميمية الحوار وتدفق الذكريات.

والاستعارة في: "تحتويها المكان، وأزاح عن نفسها القلق"(ص 31)، تُستخدم الاستعارة هنا للإشارة إلى أن المكان يوفر الراحة والأمان للضيفة، مما يخفف عنها التوتر.

والتشبيه في: "شعر حسن بأنه أثقل على ابنة قريته وجارته بما باح لها به"(ص 26)، يُشَبَّه شعور حسن بأنه أثقل على ابنة قريته، مما يعكس مشاعره بالحرج والتردد.

والمجاز في: "على أحر من الجمر"(ص 43)، وهو تعبير مجازي يشير إلى شدة الانتظار، و"عين الجيران تراقبها من الشرفات"(ص 45)، توحي بالشعور بالرقابة الاجتماعية والقلق الذي يشعر به الفرد عند بدء مرحلة جديدة، و"هدير الصمت"(ص 50)، رمز للعزلة والتفرغ، ويعبر عن شعور "فرح" بالانفصال عن الحياة الاجتماعية والفرص التي كانت تأملها، "نبات شيطاني"(ص 53)، تعبير مجازي يدل على الأفكار السلبية والمخاوف التي تزرعها التجربة في عقلها، و"الوساوس والشكوك"(ص 54)، تعكس صراعها الداخلي حول القيم التي تؤمن بها وتطبيقها في الواقع.

والعبارات البليغة: "تضيء شموع ليلتها بدموع التأثر أو فرحة المعرفة" (ص 68)، و"هي تعتبر أن العالم عبارة عن كتاب كبير تريد أن تقرأه من الغلاف الى الغلاف" (ص 68)، و"تذكر الصبية الرومانسية جيدا تلك المساءات الهادئة التي كانت تعزل فيها نفسها عن العالم بصحبة كتاب" (ص 68)، و"كنت أشعر أنها معركتي الأهم التي أريد أن أحقق فيها نصرا على نفسي" (ص 69).

هذه الصور البلاغية والرموز تساعد في إضفاء عمق ودلالة على النصوص، وتعزز من فهم القارئ لحالة الشخصية وأفكارها ومشاعرها، فضلا عما يلمسه القارئ من صراع داخلي في حوار الشخصيات، حينما يناقشون معنى الوطن والانتماء، ويتصارعون بين مغريات الهروب والتمسك بالجذور.

كما أن وصف المشاهد اليومية لبيروت قبل وأثناء الحرب، يظهر الأسلوب الواقعي الذي يعكس تفاصيل الحياة الدقيقة والمكانة الرمزية، التي تحملها بعض الأماكن في ذاكرة الشخصيات، والرواية تقدم أيضًا نقدًا ضمنيًا للمجتمع اللبناني، من خلال تصوير الفوضى والانقسامات التي تسود فيه، لكنها في الوقت نفسه، تحتفي بروح الصمود والمقاومة، والبحث عن لحظات من الحياة الطبيعية وسط الخراب.

ويتم استخدام وصف الأبنية المهدمة والطرق الفارغة كرمز للانكسار، ولكن في نفس الوقت يتم تقديم مشاهد من الأمل، مثل الأطفال الذين يستمرون في اللعب تحت تلك السماء.

إن رواية "تحت سماء بيروت" ليست مجرد سرد سيري لأحداث تاريخية بأسلوب فني، بل هي دراسة عميقة لتأثير الحرب على الروح الإنسانية؛ مما يجعلها عملاً أدبيًا ذا قيمة نقدية عالية، يتجاوز الزمان والمكان ليطرح أسئلة عن الإنسانية في أوقات الأزمات.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ثلاثية السرد الروائي: بين السيرة والتاريخ والفن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

رواية "تحت سماء بيروت" يمكن اعتبارها مزيجاً فريداً بين الرواية الفنية، السيرية، والتاريخية. فهي تجمع بين تقنيات السرد الأدبي المتميز، الذي يعتمد على تصوير مشاعر الشخصيات وأفكارهم بأسلوب أدبي رفيع، وبين نقل أحداث واقعية تمثل فترات زمنية حرجة في تاريخ لبنان، ما يضفي عليها طابعاً تاريخياً واضحاً، إضافة إلى ذلك، تحمل الرواية الكثير من العناصر السيرية، حيث تنعكس تجربة الكاتبة الشخصية أو تجارب قريبة من حياتها في أحداث الرواية، مما يجعل القارئ يشعر بتداخل بين حياة الشخصية الرئيسية وحياة الكاتبة نفسها، هذا التداخل بين الحقيقة والخيال يعزز البعد السيري للرواية، التي عبرت في كثير من المواقف عن لحظات بوح تعكس تجارب إنسانية واقعية، مثل الشعور بالغربة داخل الوطن، أو الألم الناتج عن فقدان الأحبة، وهي عناصر تؤكد على الطبيعة السيرية.

ومن ناحية أخرى تقدم الرواية وصفاً دقيقاً للأحداث التاريخية التي مرت بها بيروت ولبنان بشكل عام؛ فالأماكن والشخصيات تبدو وكأنها جزء لا يتجزأ من تاريخ المدينة، حيث تبرز الرواية دور الحرب والنزاعات في تشكيل مصير الشخصيات، والكاتبة لم تكتف بخلق عالم خيالي مستقل، بل اعتمدت على وقائع حقيقية حدثت في فترات محددة من تاريخ لبنان، مما يضفي على الرواية بعداً توثيقياً تاريخياً.

"كل يوم بداية جديدة لأحداث متوقعة ومفاجئة، وتاريخ بيروت شاهد عليها" (ص 312)، يعكس هذا المقطع الطبيعة التاريخية للرواية.

" سأكون حرة في السير على قدميَّ في كل شارع وحي وزقاق" (ص 86)، يعكس هذا النص الطبيعة السيرية للرواية، حيث تدمج بين الماضي والحاضر في إطار تجربة شخصية.

"لا تقوى على مغادرتها، وإن حدث، فسوف  تحملها معك، وتحفر اسمها على يدك أو صدرك كما هو محفور في قلبك، وعلى صفحات روحك، هكذا  تعشق المدن حتى الانصهار فيها لتشعر بأنها جزء من كيانك." (ص 20)، يجسد هذا المقطع الطابع الفني للرواية من خلال استخدام لغة شاعرية تعبر عن عشق الوطن وثبات الذكريات وسط تغير الأحداث.

من خلال هذه العناصر، يتضح أن "تحت سماء بيروت" ليست مجرد رواية تاريخية أو سيرية أو فنية، بل هي مزيج متكامل يجمع بين هذه الأبعاد الثلاثة بأسلوب بديع ومترابط، مما يجعلها عملاً أدبياً مميزاً، يجمع بين جمال اللغة وعمق المعنى والتوثيق التاريخي.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تميز "تحت سماء بيروت" عن "الأيام"

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

يمكن القول إن "الأيام" لطه حسين مشابهة لرواية "تحت سماء بيروت" من ناحية استخدامها للأسلوب السيري والإشارات التاريخية، ولكنها تختلف عنها في مدى تركيزها على السيرة الذاتية والأسلوب الأدبي المستخدم، ما يجعلها أقرب إلى عمل سيري بحت، في حين أن "تحت سماء بيروت" لعواطف الزين تتميز بتداخل أكثر تعقيدًا يجمع بين السرد الفني والتاريخي والسيري، ومن ثم تُعتبر من أبرز الأعمال التي تتسم بالسرد الثلاثي الأبعاد، حيث تتشابك فيها الخيوط الفنية مع السيرة الذاتية والنسيج التاريخي؛ لتنسج قصة تعكس واقعاً يمتزج فيه الخاص بالعام، وهو ما يتشابه مع أعمال أدبية أخرى من حيث العمق والتركيب السردي المعقد؛ منها على سبيل المثال:

رواية "وداعًا للسلاح" للروائي الأمريكي/ أرنست همنغواي: وهذه الرواية تتناول بعض الجوانب السيرية المستمدة من تجربة همنغواي الشخصية، في ظل أجواء الحرب العالمية الأولى وتأثيرها على حياة الأفراد.

رواية "الأبله" للروائي الروسي/ فيودور دوستويفسكي: وهذه الرواية يستعرض فيها دوستويفسكي أفكاره حول الطبيعة الإنسانية والمعاناة من خلال شخصية الأمير ميشكين، بأسلوب سيري وفني مع لمحات تاريخية، وتطرح الرواية قضايا الفقر والنبل الروحي في سياق المجتمع الروسي.

رواية "ظل الريح" للروائي الأسباني/ كارلوس رويث ثافون: وهذه الرواية تجمع بين قصة حياة شخصية رئيسية وتاريخ مدينة برشلونة، وتستعرض الرواية أثر الحرب الأهلية الإسبانية على حياة الشخصيات.

وحيث أن رواية "تحت سماء بيروت" هي الجزء الثاني من رواية "نجمة المقهى" للكاتبة عواطف الزين؛ فإننا ندعوها لاستكمال تجربتها بالجزء الثالث؛ لتناظر بثلاثيتها ثلاثية نجيب محفوظ، التي اتسمت بالأبعاد السيرية والتاريخية والفنية أيضا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الغلاف ومدى تعبيره عن المتن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

صورة غلاف رواية "تحت سماء بيروت" من تصميم الفنانة والمخرجة الرائعة أ/ فرح الهاشم، وهي توحي بالكثير من الدلالات، التي ترتبط بشكل مباشر بمحتوى الرواية؛ فالغلاف يُظهر صورة جوية لمدينة بيروت من الأعلى، مما يعطي إحساسًا بشمولية النظر إلى المدينة بكل ما تحمله من تاريخ وتحديات وجمال، والسماء والبحر في الخلفية يرمزان إلى الامتداد والانفتاح، وهو ما يمكن أن يعكس الجانب الحلمي أو الطموح في الرواية، بالإضافة إلى الظروف المحيطة بالمدينة.

وبما أن الرواية تحمل عنوان "تحت سماء بيروت"، فإن اختيار صورة جوية للمدينة يشير إلى التفاعل بين سكان المدينة وبيئتهم الحضرية، وكيف أن سماء بيروت تحتضن كل ما يجري تحتها من أحداث، كما أن صورة الغلاف تعكس تنوع المدينة وتعقيداتها، ويمكن أن تكون إشارة إلى القصص المختلفة، التي تتداخل تحت سماء واحدة، سواء كانت عن الحب، الفقدان، الصراع، أو الأمل.

وحيث أن الرواية تتناول الحياة في بيروت من منظور اجتماعي وتاريخي، فإن صورة الغلاف تعكس هذه الحكايات التي تحدث في قلب المدينة، وكأن الصورة تحاول أن تنقل لنا ما يحدث "تحت السماء" فعليًا، في شوارعها وأزقتها التي تجمع بين الحداثة والتاريخ.

وبالتالي يمكن القول أن هذه الصورة تحمل دلالات عميقة، تعكس روح المدينة التي تشكل محورها الرئيسي، وتتناسب بشكل كبير مع عنوانها ومحتواها، الذي يستكشف جوانب متعددة من الحياة في بيروت.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

خاتمة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

في ختام هذه القراءة، لا يسعني إلا أن أقف بإجلال أمام هذا العمل الأدبي، الذي نجح في مزج الفن بالسيرة والتاريخ بأسلوب ينبض بالحياة والوجدان، ولقد استطاعت الروائية القديرة عواطف الزين أن تفتح لنا أبواب مدينة بيروت، ليس فقط لنرى شوارعها ومعالمها، بل لنشعر بنبضها ونتلمس تاريخها الغني بتفاصيله وذكرياته؛ فجاءت الرواية كمرآة تعكس الأبعاد المتعددة للإنسان والوطن، وتجمع بين عذوبة الفن وصدق السيرة وعمق التاريخ في نسيج واحد، مما جعلها تجربة أدبية فريدة تستحق كل تقدير.

أوجه تحية ملؤها الامتنان والتقدير للروائية المبدعة أ/ عوطف الزين، التي أتحفتنا بهذا العمل الراقي، ونقلت لنا عبر كلماتها حكاية وطن وسيرة أناس، وجعلتنا نعيش معها لحظات من التأمل والحنين للوطن؛ فتحية من القلب لقلم أبدع في رسم مشاهد من الذاكرة، وأبدع في تحويلها إلى لوحات أدبية خلابة، ستظل محفورة في ذاكرة القراء.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(*) عضو النقابة العامة لاتحاد كتاب مصر

ــ نُشرت هذه الدراسة في صحيفة القبس (الثقافي) الكويتية بتاريخ 11 سبتمبر 2024