رماد الأحلام وبقايا الزمن
قراءة الأديب مجدي شلبي في المجموعة
القصصية (مرايا بلا ظلال) للكاتبة السورية م/ سمر محمد عيد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بقلم/ مجدي شلبي (*)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مقدمة
تنبثق قراءتنا للمجموعة القصصية "مرايا بلا
ظلال" من عمق الأحاسيس المشتتة بين ضباب الماضي، وتلاشي الأحلام في رحى الزمن،
حيث تلتقط قصص هذه المجموعة بمهارة فائقة تلك اللحظات التي تعكس حقيقة الذات
البشرية، حيث تتصارع الأرواح مع خيباتها، وتظل المرايا شاهدة صامتة على تحولات لا
تُرى، لكنها تُحس في أعماق النفوس، وفي هذه القراءة، نسعى للكشف عن طبقات المعاني
المتشابكة، التي تنسج خيوط الأحلام المحترقة على مدى الزمن، تاركة وراءها رمادًا
يحمل أسراراً، لم تنطفئ جذوتها بعد.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أصداء السرد في مرآة القصص
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في قصة (صدى):
"هاتفتني"؛ (الهاتف) هنا يرمز للتباعد
الجغرافي، سمعت "صوتُ الأذان العذب؛ غصّت بالبكاء"، وهذا تجسيد للصراع
الداخلي بين الحياة الجديدة في مكان بعيد، وبين الارتباط الروحي والذكريات
الدينية.
وفي قصة (ترقُّب):
الصورة الرمزية للوسائد الخالية تعزز من الشعور
بالوحدة والحزن، والتعبيرات الأدبية القوية؛ تساهم في نقل تلك المشاعر: "قُبيل
الفجر بدمعتين وغصة"، و"جميعُ الشرفاتِ تضجُّ بالوسائد الخالية"،
وتبرز التوتر والانتظار الذي ليس له حدود.
وفي قصة (ضحيّة):
"لم يجد جدارًا يستند إليه"؛ دليل على
بحثه عن ملاذ يحميه من وقوع الظلم عليه؛ "ألبسوه سجلًا حافلًا من القضايا، كانت قد قيّدت عندهم ضدَّ مجهول"، والقصة تعكس الظلم الاجتماعي وغياب العدالة.
وفي قصة (دائرة الطباشير):
"يتنافسون في حبه... أنكرهم جميعا"؛ تعكس
القصة الصراع بين العاطفة والشعور بالخذلان، وكيف أن جميع المتنافسين لا يمكنهم
شفاء قلبه النازف، ويأتي العنوان معبرا عن الحكمة البليغة: (إذا أحببت "شخصا"
فلا تتنازع عليه وتمزقه).
وفي قصة (مَدَد):
نلاحظ الأسلوب الساخر بين: "لقد أكلَ
الذئبُ أختَنا الصغرى، رأيتُه بأم عيني في نشرة التاسعة"، وردة فعل الأم تجاه
مأساة ابنتها: "لا تجزعي ياصغيرتي، سأشجب وأندّد بهذه الجريمةِ النكراء في
نشرة العاشرة"؛ يدخل من باب الإسقاط السياسي المرتبط بالشجب والتنديد، ويعكس
الفجوة بين الكلمات والأفعال.
وفي قصة (تقمّص):
"عاشرَ كبار القومِ أربعين ليلةً"،
"ارتدَّ إلى أهله يتمطّى"، وهو تعبير عن مدى تأثر الشخص بطباع من
يعاشرهم، تصديقا للمثل الشعبي القائل: (من عاشر القوم 40 يوم؛ صار منهم)، ومع هذا يظهر
التناقض بين التغيير الداخلي والتفاعل مع البيئة الأصلية، والتقمص يعني التقليد
والمحاكاة في السلوك والهيئة، والأصل في معنى (التقمص) ارتداء الشخص (قميص) غيره.
وفي قصة (نخوة):
"يعلو صوتها" استنجادا بهم؛ فكانت
النتيجة أن "هبّوا إليها فزعين، بسيوفهم يقطعون لسانها"، وهذا يعكس
الصراع بين الصوت العالي والنتيجة السلبية، وفي قراءة أخرى: قد يأتي الاستنجاد بعواقب
عكسية لانعدام النخوة، وفي قراءة ثالثة: يمكن أن تكون الاستجابة للأزمات غير
متوقعة، وتؤدي إلى تفاقم المشكلة.
وفي قصة (أحياء):
"يحوطه الأقربون، مستضعفين يبكون، وهو غارق
في دمائه يبتسم"، مما يعكس التناقض بين الألم الظاهر والابتسامة، مما يعزز التأثير
الدرامي للقصة، ويبرز انفصال الشخصية عن الواقع من حوله، وفي قراءة أخرى: يٌظهر
النص تناقضاً بين الحالة الجسدية للشخصية، والرد الفعلي من الأقرباء، وفي قراءة
ثالثة: الابتسامه قد تكون ابتسامة استهزاء من تخاذلهم واكتفائهم بالبكاء، وهم لا
يدركون أن الدور حتما سيأتي عليهم، لو ظلوا على حالة الاستضعاف والوهن.
وفي قصة (طود):
المشهد الرئيسي في هذه القصة لشخصية تخرج حاملة
كتاباً، بينما الجميع يهربون من النار محملين بأثمن ما لديهم، وهنا يظهر الفرق بين القيم المادية والروحية في
الأزمات والكوارث، حيث تبرز أهمية الكتاب ــ الذي هو القرآن الكريم ــ كرمز
للإيمان.
وفي قصة (مخاتلة):
الشخصية الرئيسية في هذه القصة؛ تشبثت بالحبال
للوصول إلى القمة، ولكنهم أفلتوها عند اقتراب وصوله إليها، وهذا يبرز الصراع بين
الطموح والخيانة أو التلاعب، مما يشير إلى الخذلان وخيبة الأمل في نهاية المطاف.
وفي قصة (شهرزاد):
شهرزاد "بدأت ليلتَها بحكايةٍ جديدة،
قاطعها مُحتدًّا"، لكنها تُقاطع وتُقتل قبل أن تنهي القصة، التي تعكس الصراع بين الرغبة في التعبير الإبداعي
ومتطلبات السلطة القاسية، ويُظهر الصراع بين الإبداع والقمع.
وفي قصة (ارتقاء):
آيات القرآن ترمز للإيمان وبث الطمأنينة، ويرمز الركام
إلى الموت، وريح المسك يرمز إلى الحياة الجديدة والخلود، ويبرز المشهد تضاداً بين
الأمل والدمار، ويظهر الأمل في الإيمان وسط الخراب، مما يعكس قوة الصمود، والقصة
مستوحاه من أحداث الحروب وكوارثها وما تخلفه من ضحايا أبرياء.
وفي قصة (إيمان):
شخصية أميّة تردد الآيات وتستخدم أصابعها لتتبع
الكلمات، بينما يسألها حفيدها عن سبب فعلها؛ فتجيبه: "أستجمعُ حواسي على
طاعته"، وهكذا تعكس القصة كيف يمكن أن يكون الإيمان عميقاً رغم الجهل الظاهر.
وفي قصة (كيدٌ):
المشهد الرئيسي: شخصية تستعرض جمالها وتُبدي
غرورها: "يا مرآتي؛ قولي لي من أجمل مني؟"، لتكتشف في النهاية فداحة
الجريمة المرتكبة ضد عائلتها "تناثرت رؤوس وأشلاء"، وهنا يبرز التناقض
بين الجمال والوحشية، وبين الجمال والدمار، حيث تتعرض الشخصية لصدمة شديدة بعد
التفاخر بنفسها، ويظهر تأثير الغرور والواقع المرير، مما يعكس كيف يمكن أن يكون
التفاخر سبباً في انهيار الشخصية.
وفي قصة (خبايا):
شخصية تستعرض جهدها في تحقيق الجمال "وما
أراه إلا يزدادُ مني نفورًا!"، فتجد أن هناك من يستحق ذلك الجمال أكثر منها
"أنا أولى منه بهذا الجمال"، ويعكس هذا التوتر بين الجهد الشخصي
والنتائج غير المتوقعة، والصراع بين الذات وتقدير الآخرين، مما يعكس التناقض بين
الجهد والنتيجة، والإحباط الناتج عن الفشل في تحقيق التقدير الذي يسعى إليه
الإنسان.
وفي قصة (رأس):
شخصية تتحسس رأسها وتدفن في التراب أفكارها بمجرد
أن تنضج، ويبرز مشهد
الدفن رمزية الفشل، والاندفاع نحو النهاية أو انتهاء الطموحات، مما يعكس التناقض
بين الأمل والواقع، وقوة هذا النص تكمن في تجسيد اليأس.
في قصة (نزيف الذاكرة):
الأم تردد لطفلتها ترنيمة الطفولة "يلا
تنام.. يلا تنام..لادبحلا طير الحمام.."، بينما يبرز في ذهن الطفلة مشاهد الوحشية
والذبح؛ فتناشد أمها: "ماما.. لا أريد أن أنام، دعي الحمام"، وهو ما يعكس التناقض بين البراءة والتخيل المؤلم، حيث
يظهر كيف يمكن أن تؤثر بعض الحكايا والترانيم سلبا على براءة الطفولة.
وفي قصة (مرايا):
امرأة تجلس أمام المرآة لتحاول إصلاح آثار الزمن
على وجهها، بعد أن مضى قطار العمر ودهس جمالها، وهذا يعكس التناقض بين الجمال
المؤقت، والزمن الذي لا يرحم، ويبرز الصراع الداخلي مع التقدم في العمر، مما يعزز
من الشعور باليأس في محاولة مستحيلة لإيقاف عجلة الزمن.
وفي قصة (أحابيل):
شخصية ترقص بسحر على الحبائل التي "أتقن
فتلها وعقدها"، ولكنها "في غمرة نشوته؛ لُفت حول عنقه"، وهكذا تحولت
النشوة إلى مأساة، والفرح إلى فخ، والمشهد يعكس كيف يمكن للنجاح أن يتحول إلى فشل؛
مما يعزز من الإحساس بالدوران بين الفرح والخطر.
وفي قصة (رتْق):
أم "تمسّدُ شعرَابنتها الرقيق برفق وحنان"
وتعدها بهدايا كثيرة بعد توقف الحرب؛ فتقاطعها طفلتها، وتضيف إلى قائمة الهدايا
التي تريدها "ساقا جديدة"، وهو ما يعكس التناقض بين الأمل المنشود والواقع
المأساوي.
وفي قصة (سندريلا):
إعجابا بها وبجمالها: "أفنى شبابَه يبحثُ
عن فردةِ حذائها"؛ فكانت النتيجة أن "هشمت رأسه" بهذا الحذاء، ويظهر
هنا التناقض بين الجهد والنتيجة السلبية، حيث تحولت السعادة إلى كارثة، بسبب
الانخداع بالمظاهر الكاذبة.
وفي قصة (مُزجاة):
فتاة "أشغلتها مراياها" في شبابها،
حتى سرقها العمر فـ"أفلتْ شمسُها وشاخَ عودُها"، وحينئذ "أسلمت
لأرمل يلملم تشظيها"، وهي التي تلاهت بجمالها في شبابها، وربما رفضت كل شاب
تقدم لها وقتها، والقصة تعكس الصراع بين الشعور بالجمال الماضي ومشاعر الخذلان بعد
فوات الأوان.
وفي قصة (وأْد):
"نفروا عن ركوبِ البحر يحملهم إلى مذلات الهجرة، استمسكوا
بأرضهم"؛ فماذا كانت النتيجة "اختلط حطامُ مبانيهم بأشلاء أحلامهم"،
وتعكس القصة التناقض بين التمسك بالأرض والواقع المأساوي، حيث يظهر الصراع بين
الأمل والواقع بشكل مؤثر.
وفي قصة (عائق):
المشهد الرئيسي: " يفتنُه جمالُها"،
"همَّ باللحاق بها"؛ "عرقلتُه عباءتُه"، القصة هنا تعكس
الصراع بين الرغبة والعائق، حيث يظهر كيف يمكن للظروف أن تعيق الطموحات.
وفي قصة (إحسان):
تعكس القصة حالة من النفاق والتناقض بين المشاعر
التي تبدو حسنة "كم رقّ قلبُ سيادتِه؛ عندما رآهم يفترشون الرصيفَ بلا زاد
ولا أحلام "، وبين واقع النية التي قضحتها الأنانية "التقاط صورةٍ
تذكارية معهم، تدعمُه في حملته الانتخابية"، حيث يظهر استغلال الفقراء كوسيلة
لتحقيق مصلحة شخصية، بدلاً من تقديم مساعدة حقيقية لهم.
وفي قصة (متاع):
هذه القصة تُظهر حالة من حالات التناقض بين
التوقعات المأمولة والواقع المؤلم بشكل مؤثر؛ فالشخصية الرئيسية "رحلتُ إلى
عالمهم محملَّةً بما ادخرته من نفائس الدنيا"؛ فما كان منهم "حين قدمتها
إليهم"؛ إلا و"انفضّوا عني ساخرين"، وهو مثال من أمثلة عديدة، يتحول
فيها الجهد والجد إلى سخرية وهزل.
وفي قصة (ضلالٌ):
تُظهر القصة الصراع بين الأنا: "هتفَ
كبيرُهم: أنا الأقدر. قاطعَه صغيرُهم: أنا الأقوى" وبين العواقب المدمرة لتلك
الأنانية "غارواجميعًا في غيابة الجب"، هذا الصراع بين الكبرياء والقوة على
السلطة؛ ينتهي بسقوط الجميع دون استثناء وعلى نحو درامي مؤثر.
وفي قصة (ظلمات):
في هذه القصة يتجلى رمز السقوط المبكر في رحلة
حياة البطلة التي نبت لها جناحان قبل الأوان فــ"حلّقتُ منتشية، رموني بسهامهم"؛ فكان
السقوط رمزا لمعركة مبكرة مع العالم، والسهام التي أطلقت عليها هي تعبير عن
المجتمع أو الظروف القاسية التي تهاجم الطموحات الوليدة قبل أن تستقر، والتقاءها
مع الفراخ "في بطونهم التقيتُ فراخًا بلا ريش، تتخّبطُ حية" يرمز
إلى الإحساس بالخسارة الجماعية وانعدام الحماية، والقصة تعكس معاناة الطموح الذي
يصطدم بعوائق الحياة في وقت مبكر، وتقدم صورة رمزية للبراءة التي تتحول إلى ضحية
للظروف.
وفي قصة (قوارير):
تحكي القصة عن امرأة تصارع معاناة الجسد
والعزيمة لحماية "قوارير" تمثلها هي ومن حولها "بجسدها الرقيقِ تذودُ عنهنَ"، واستخدام
لفظ "قوارير" يستدعي إلى الأذهان الهشاشة والجمال في آن واحد، مما يضفي
على القصة بعدًا إنسانيًا عميقًا، فيأتي السوط الذي ورثه الرجل عن أبيه في إشارة
إلى دائرة العنف المتوارثة والمستمرة عبر الأجيال "وهي تتصدّى لجلداتِ سوطِه الذي ورثَهُ
عن أبيه"، والقصة تبرز تضحية المرأة وصمودها أمام العنف الذكوري.
وفي قصة (خيبة):
في هذه القصة تتجلى مشاعر الخوف والانكسار: "ــ
أخفضي
رأسَك كيلا نلفتَ انتباهَهم"، "ــ لاتخافي، رؤوسُنا لاتهمُّهم"، وهو حوار
بسيط بين شقيقتين؛ يُظهر الفجوة بين إدراك الطفلة الصغيرة للعالم القاسي، والواقع
الذي يفرضه الكبار عليهن، والخيبة تنبع من الوهم الذي يعيشه الطفل بأنه يمكنه تجنب
الضرر بمجرد إخفاء نفسه، لكن الواقع يصفعها بقسوة، والقصة تنقل تجربة الطفولة
البريئة التي تصطدم بعالمٍ لا يرحم، حيث يتم سحق الأمل تحت وطأة الواقع القاسي.
وفي قصة (إتخام):
"في كلِّ ليلةٍ، يُـلقي عليها ماتيسرَ له من الحبّ قصائدَ، يُسكت بها عصافيرَ
بطنها"، والقصة هنا تلامس فكرة الخداع الذاتي والعاطفي، حيث يحاول ملء
الفراغ الداخلي بالكلمات الجميلة، التي تفتقر إلى الجوهر الحقيقي، و"عصافير
البطن" ترمز إلى الجوع العاطفي والروحي، الذي لا يمكن إشباعه بالكلمات، أو بالشكل
دون المضمون، وتبرز القصة حقيقة الحاجة إلى الحب الحقيقي، الذي يغذي الروح والجسد
معًا.
وفي قصة (حُلم):
تحمل هذه القصة رسالة عميقة عن طموحات الشباب
وأحلامهم "رسمَ على صفحةِ الماء ملامحَ مستقبلٍ يضمُّه ورفاقَ الحارة"، تلك
الأحلام التي يتم وأدها بفعل البحر "فتحَ البحرُ ذراعيه وقطعَ عليهم الطريق"، وهو
تعبير عن غرقهم أثناء رحلة هجرتهم، ويمكن أن يكون البحر رمزا للعوائق والعقبات
التي تحول دون تحقيق الطموحات، والقصة تبرز مأساة الجيل الذي يجد أحلامه مستحيلة،
وغير قابلة للتحقيق.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بين النقد الاجتماعي والتمثيل الرمزي:
تقييم عام لمجمل القصص
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بعد استعراض التيمات المتكررة، والتصورات الفنية
المميزة، في قصص المجموعة التي تتراوح بين النقد الاجتماعي، والتمثيل الرمزي؛ نكتشف
أن هذه القصص تسلط الضوء على مجموعة من القضايا الإنسانية، الاجتماعية،
والأخلاقية، وتستخدم الرمزية والتناقضات لتسليط الضوء على الصراعات الداخلية والخارجية.
وتكمن التيمة الرئيسية في التناقض بين الأمل
والواقع، وبين التوقعات والنتائج المخيبة للآمال، فضلا عن استخدام الأسلوب الرمزي
والمباشر لنقل الرسائل، مما يتيح للقارئ التفاعل مع الموضوعات بطرق متعددة، ويترك
تأثيرًا عاطفيًا قويًا لديه.
ولقد استطاعت الكاتبة بمهارة فائقة أن تنسج من
خلال الاثنين والثلاثين قصة التي ضمتها المجموعة؛ شبكة معقدة من الرموز
والتناقضات، تعكس ببراعة تيمات إنسانية واجتماعية متعددة، وأثبتت من خلالها قدرتها
على استكشاف أبعاد مختلفة من التجربة الإنسانية، التي تعكس التوقعات والنتائج
المخيبة للآمال.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صورة الغلاف: غموض الرؤى في مرآة الزمن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صورة الغلاف تنقل إحساسًا غامضًا ومركبًا، حيث
يظهر الوجه وكأنه يتجزأ ويتكرر بشكل غير واضح، مما يخلق تأثيرا بصريا يوحي بالزمن
والتداخل بين الحاضر والماضي، والصورة تحمل طابعًا من الانعكاسات والتأملات
الداخلية، كأنها مرآة تعكس تعدد الشخصيات أو الأوجه التي يمر بها الإنسان في رحلته
الزمنية.
وهذا يتناسب بشكل رائع مع عنوان هذه المجموعة القصصية
"مرايا بلا ظلال"، والصورة والعنوان يتكاملان معًا في إيصال فكرة البحث
عن الحقيقة والمعنى، في عالم ملتبس، حيث تتداخل الذكريات مع الواقع، وتغيب الظلال
التي تعطي الأشياء عمقها، مما يعكس حالة من التيه أو السعي لإيجاد الذات بين
الانعكاسات المتعددة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
خاتمة قراءتي: تقدير لإبداع (مرايا بلا
ظلال)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في نهاية قراءتي المتواضعة أتوجه بأسمى آيات
التقدير والإعجاب للكاتبة المبدعة م/ سمر محمد عيد؛ على هذا العمل الأدبي الرائع، والذي
يشكل بصمة فنية مميزة في عالم الأدب القصصي؛ فالإبداع الذي أظهرته في هذا العمل
يفتح آفاقاً جديدة للتفكير والتأمل، ويؤكد على عمق فهمها لقضايا الإنسان والمجتمع.
نتمنى لها دوام التألق والإبداع، وأن تظل حروفها
شاهدة على رحلة ملهمة، تستمر في إغناء عالم الأدب بمزيد من الرؤى والأفكار البليغة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) عضو النقابة العامة لاتحاد كتاب مصر
ــ نشرت في جريدة النهار العراقية بتاريخ 1
سبتمبر 2024