أطياف الذاكرة
وانكسار الأحلام
قراءة الأديب
مجدي شلبي في رواية (لعنة الدراويش) للكاتب الجزائري أ/ ربيحاوي مخلوف
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بقلم/ مجدي شلبي (*)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مقدمة
في رحاب عالم الأدب،
حيث تتشابك خيوط الذاكرة والتجربة المجتمعية لتنسج سرديات تتجاوز حدود الزمان والمكان،
يأتي عنوان (لعنة الدراويش) معبرا عن هذه الرحلة الروائية العميقة والمؤثرة، التي
تستدعي في ذهن القارئ مشهدية مركبة، حيث تلتقي الأطياف الضبابية لذكريات الاستسلام
للخرافات، مع الواقع القاسي للتشدد والمغلاة و(لعنة الإرهاب)؛ لتنكسر على صخرتيهما
الآمال والأحلام والتطلعات.
وتسلط الرواية الضوء على
الصراع الداخلي والخارجي الذي يعيشه أبطال الرواية، حيث يتعامل بعضهم مع تأثيرات
الماضي وتأملاته في محيط متغير، وهو ما يتجلى في نضالهم ضد القوى التي تفرض عليه
قيودًا من الجهل والتطرف، ومن خلال هذا التفاعل بين الذكريات والأحلام، تقدم
الرواية دراسة متعمقة لأسس الهوية والفكر، وتعكس توترات النفس البشرية في مواجهة
التحديات الثقافية والدينية.
وفي هذه القراءة
النقدية الموجزة، سنكشف النقاب عن كيف عكست الرواية صراع الإنسان مع نفسه، ومع قوى
خارجية تفرض عليه واقعاً يجافي الفطرة السوية، التي تدعو إلى التوازن والاعتدال؛ فهذا
العمل الأدبي ليس مجرد سرد لأحداث واقعية أو حتى متخيلة ــ طبقا لما أورده الكاتب
في تقديمه لروايته: "أحداث هذه الرواية وحيٌ من خيال المؤلف..."ــ بل هو
دعوة للتفكر في حقيقة ما نؤمن به، وكيف يؤثر ذلك على تشكيل واقعنا وملامح حياتنا،
ومستقبل مجتمعاتنا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رحلة نقدية في أروقة السرد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في رحلتنا هذه نتوغل في
فصول الرواية لاستكشاف تصاعد الحدث الدرامي، وتطوير الشخصيات واللغة المستخدمة كأداة
للتأثير، حيث تتشابك جميعها مع الرموز والدلالات في نسيج سردي يثير الفكر، ويُبرز
جماليات السرد، ويُلقي الضوء على أعماق المعاني الكامنة.
ونبدأ بالفصل الأول (درويش و ولي):
يتميز هذا الفصل برسم دقيق لنفسية الشخصيات الرئيسية، حيث يتجلى القلق
والتوتر في سلوكهم وكلامهم، ويظهر هذا بوضوح في وصف الكاتب لحالة البطل (الابن
"محمد")، الذي يشعر بالوحدة بعد رحيل إخوته، والشاهد على هذا: "عدنا إلى البيت الذي كان مليئاً بالصّخب، وقد
أضحت زواياه مُظلمة تعمّ أرجاءه سحُبُ كآبة تأبى أن تتبدّد، اتخذنا زوايةً مُظلمة،
وتهنا في ظلامها الدّامس الذي طغى على باقي يومنا." (ص 26),
وهكذا يبدو التأطير المكاني والزماني بشكل بارز؛ لخلق إحساس بالعزلة والفراغ الذي يشعر به البطل.
وهذا الفصل يقدم نقداً
قوياً للمجتمع من خلال رمزية الشخصيات والأحداث التي تعكس صراع الإنسان مع نفسه،
ومع القوى الغيبية التي يعتقد بوجودها، وهنا يمزج الكاتب بين الرمزية الدينية
والاجتماعية، حيث يتم تصوير المجتمع من خلال الشخصيات التي تتأرجح بين الإيمان
والجهل، وبين العقلانية والخرافة، ويتم استخدام شخصية الأب كمثال مركزي لهذا
الصراع، حيث يتنازل عن مبدأه في رفض التعليم خوفاً من "لعنة الأسياد"،
مما يعكس حالة التردد والاضطراب الديني الذي يعاني منه المجتمع، هذه اللعنة تمثل
الخوف من المجهول والقوى الغيبية، وهو موضوع يتكرر في الأدب وفي الواقع أيضا، ويحث
الكاتب هنا ــ وهناك ــ على تجاوز الخرافات والجهل من أجل بناء مجتمع أكثر وعياً
وقوة.
وقد اعتمد الكاتب ــ في
هذا الفصل ــ على رموز متعددة لإيصال أفكار فلسفية عميقة، منها على سبيل المثال: الظلام
الذي يرمز للجهل و"التّسليم الأعمى
لكرامات الأولياء، دون محاولة التمييز بين أولياء الله وأولياء الشّيطان." (ص 5)، الذين وصفهم بالخفافيش: "عُدتُ إلى ظلام غرفتي الدّامس وإلى
ورطتي مع شياطين الإنس، فحتماً ستزورني الخفافيش." (ص 29)؛ رمزًا للضياع الروحي والشكوك التي تواجه البطل: "وفي غمرة تلك الظّلمات تلاشت رغبتي في
معرفة حقيقة هؤلاء، بعد أن أيقنت ضلالهم وضلال من يقصدونهم." (ص 31).
وتتجلى قوة هذا الفصل
في تصويره للصراع بين العقلانية والخرافة، وكيف يطغى الخوف من المجهول على التفكير
المنطقي، مما يؤدي إلى ارتكاب أفعال تعزز من قوى الظلام والجهل.
وفي الفصل الثاني (بطولة من ورق):
تتصاعد وتيرة الأحداث تدريجيًا، حيث يزداد
التوتر وتظهر تحديات جديدة أمام البطل (الابن الثاني "عبد القادر")، نتيجة
تعرضه لمزيد من التحديات النفسية والاجتماعية، منذ لحظة دخوله
المدرسة لأول مرّة ويده بيد إخوته، والشاهد أنهم: "شعروا جميعا بمرارة غياب الأب، بعد
أن رأوا صور الأطفال مع أوليائهم، وقد تعدّدت أطياف صوّرهم، فهذا يأخذ بيده أبٌ،
وذاك جدٌ، وآخر عمٌ أو خال"، "كان يشعر
بغربته وسط عالم لا ينتمي إليه، فلا النّاس كالنّاس ولا الأخلاق كالأخلاق... لدرجة كاد يفقد معها الثّقة في ولوج عالمه
الجديد، الذي يفرض عليه حتما القطيعة بينه وبين ماضيه."، تبعه تطور في شخصية البطل حين شعر بالعزلة، التي "شحذت همّته
ليبرهن للجميع ما يستطيع ابن الرّاعي فعله." (ص 42).
وهو ما ساهم في متابعته لدروس التّاريخ وعبره التي لا تكاد
تنتهي، "ولأنّ صاحبنا متأثر بأبطال دروس الأستاذ، كان يتمنّى أن يكون بطلا
يذكره التّاريخ عبر أيامه الخالدة" (ص 44)، "صارح يوما أباه بأنّه يريد
أن يكون ضابطا في الجيش، يومها طار الأب من فرحته، التي لم تعدلها أي فرحة."
(ص 45). إلى أن وفقه الله في أن تحقق حلمه؛ غير أن الإرهاب: "الذي كان يعيث
فسادا، كانت رائحة الدّم تفوح من كل صورة تُعرض أو لقطة تنتشر"(ص 60)، "فلم
أكن أتوقع يوما أن أحارب وحوشا آدمية تظهر ليلا لتفتك بالعزّل، ولا تفرق في ذلك
بين شيخ كبير أو امرأة طاعنة في السّن أو حتى
طفل رضيع، بينما تختفي نهارا، كانوا كالأشباح التي تعيش على مصّ الدّماء
البشرية، وتعشق إزهاق الأرواح دون أدنى اعتبار لحرمة الرّوح البشرية وكرامة بني
آدم" (ص 61)
ومن الرموز العديدة التي استخدمها الكاتب في بداية هذا الفصل: "كانت صورة أبيه
وهو يوصيه بأن يكون رجلاً نبراسا ينير له ظلمة الطّريق، ووحشته" (ص 41: 42) صورة الأب كالنبراس ترمز إلى القيادة والإرشاد والتوجيه،
والنموذج المثالي الذي يسعى البطل لتحقيقه، وتأثير التربية والوصايا الأبوية على
تشكيل هوية الفرد وقدرته على مواجهة التحديات.
وقد استخدم الكاتب في مطلع هذا الفصل لغة مكثفة، ذات طابع شعري لنقل مشاعر
البطل وتأملاته، وهذه اللغة تساعد في بناء عالم روائي عميق ومؤثر، الشاهد على هذا:
"كان لا يهمّه من كل هذه الضوضاء سوى ذلك الفضاء الذي يسرح فيه ويمرح
بكل حرية، وهو بين أهله وإخوانه الذين يحبّهم ويحبّونه." (ص 43)، ويعتبر هذا الفصل حلقة مهمة في تطور السرد، ويضع القارئ في حالة من الترقب
لما سيحدث لاحقًا.
وفي الفصل الثالث (الخطأ القاتل):
يبدأ البطل (الابن الثالث "محاد") في مواجهة واقع جديد ومفاجئ؛
مما يعكس النمو الداخلي الذي بدأ يتشكل منذ بداية الرواية، حيث يواجه صراعا حادا
بين قيم المجتمع المتوارثة والتيارات الدينية المتشددة، مما يدفعه إلى رحلة بحثٍ
مضنية عن الحقيقة والهوية: "كان من الصعب
تصديق ما أرى، هل حقيقة ما أرى؟ أم خيال وساوسي التي لا تكاد تفارقني؟" (ص 72).
كاشفا عن الظلم الواقع على المرأة في المجتمع التقليدي: "إنّه مجتمع
الرّجال الذي ما زالت تراوده عقدة الذّكورة المهيمنة، حينها لم يكن للمرأة بينهم
صوت أو رأي أو حتى مجرّد مشورة، وكأنّ المرأة جزء من متاع الرّجل يتصرّف فيها كما
يشاء." (ص 70).
والمدهش أن رحلة بحثه عن
الهوية، أوصلته إلى الانضمام إلى المتشددين: "دون أن
أشعر صرت واحدا منهم، أحضر دروسهم وأرتاد مجامعهم." (ص 73)، "ولأنّني
تشبّعت بالفكرة، صرت مصدرا للإزعاج" (ص 74)، "لدرجة تخيّلت معها نفسي
فارسا يحمل راية الدّفاع عن الحق والذود عن حمى العقيدة الصّحيحة الصافية" (ص
73)، "إلا أنّني كنت أشعر بنوع من التّناقض، فطريق بحثي عن الحقيقة لا يخلو
من التّعصب الذي قد يصل في بعض درجاته إلى المغالاة المؤدية إلى التّهلكة، فحين
تدّعي بأنّك تمثل الحقيقة المجرّدة فإنّك تكشف سوءتك الفكرية والتي قد تكون تابعة
لأفكار من مات أو من يسكن وراء البحار، أو حتى بعض من تظنّهم علماء وهم يسكنون
بقربك وقد يورطونك في ولاءات لا علاقة لها بالحقيقة سوى ما كان من سمّ السّياسة
المدسوس بين كتب الدّين التي كانت تأتينا مجانا من وراء البحار!" (ص 86).
ـــــــــــ
وفي الفصل الرابع (اللعنة):
يتسم هذا الفصل بعمق التعقيد والصراع الداخلي للبطل (الابن الرابع
"علي") من خلال وصفه لأحداث مؤلمة وتجارب صعبة، ويتناول سردًا مكثفًا
لمأساة شخصية واجتماعية، حيث تتداخل جوانب الحرية والكرامة مع صراعات الهوية
والشعور بالذنب، والبطل هنا يعاني من أفعاله الطائشة والعواقب الوخيمة التي خلفتها،
مما يعكس مشاعر الندم والخزي بشكل عميق، رغم عدم قدرته على تجاوز مشاعره السلبية
تجاه نفسه، بالإضافة إلى الصراع مع الحرية وفقدانها، "لم أكن أعرف قيمة
الحرية حتى فقدتها، وفقدت معها نفسي التي صرت أكرهها ودائما ما أخاصمها وفي بعض
المرّات ألعنها لأنّها ألقت بي إلى التّهلكة" (ص 89).
تلك المغامرات العاطفية
التي انتهت بمشهد إلقاء القبض عليه: "حلّت بديارنا سيارة الأمن بعد شكوى
الجار، ومعها أمر القبض عليّ، شعرت بالخزي والعار وأنا أرى بعيني أبي نظرة الخذلان
حين طأطأ رأسه يحبس دمعته التي كانت تريد التّحرّر من قيد الجبروت وأسر العُرف
الذي يجعل من بكاء الرجل عيبا يجب ستره" (ص 90).، ورغم هذا وجدناه يعترف:
"لم يعد بالي مشغولا إلاّ بتأمّين لحظات النّشوة بأيّ ثمن؛ بعد أن انقضت نقود
الأب عدت من جديد أبحث عن المال، لم أجد، حملت مجوهرات أمّي كلّها وقصدت بها
السّوق أبيعها" (ص 97).
"وبعد أن خرجت من
السّجن مستنشقا هواء الحرية، شعرت بقيمة العائلة" (ص 99).
تلك العائلة التي
اجتمعت مرة أخرى وأخيرة في بيتٍ فقد فيه الأب صحته: "يحاول أن يمشي على أرجله
دون مساعدة، يسقط أرضا وتسقط دمعاته الحزينة على خدّه، يتحسّر بمرارة وهو يتذكّر
أيام الصّحة والعافية قبل أن تحلّ عليه المصيبة التي أقعدته"، وكذلك الأم:
تلك "المسكينة التي أصابتها بعض شظايا القدر، فقد كان مكتوبا عليها أن تعيش
حياتها صدمة بعد صدمة، وهي ترى بأم عينيها أبناءها الذين شقيت من أجلهم؛ كيف رمت
بهم الأقدار إلى التّهلكة" (ص 100).
ـــــــــــــــ
وفي الفصل الخامس (أضغاث أحلام):
وهو الفصل الأخير ــ من هذه الرواية ــ نجد أنفسنا في قلب صراع عميق بين
الأجيال والقيم المختلفة، ويتجلى الصراع الرئيسي بين الأب وأبنائه، خاصة مع محاد
الذي تبنى أفكارًا متطرفة، أثرت على العلاقة الأسرية وأدت إلى تصاعد التوتر بينه
وبين باقي أفراد الأسرة، وأظهرت الصراع بين الدين والتقاليد والحداثة، والتحولات الدرامية
في حياة العائلة، وتأثير الأيديولوجيات المتباينة على الروابط الأسرية والمجتمعية.
"أتريد
أن تخرجنا من الملّة أيها الولد العاق، يرفع صوته في حضرتي، لأرفع يدي في وجهه
وأضربه بكف تردد صداها بأذن أمّه التي خرجت مهرولة تحاول استدراك الموقف: لماذا
تضرب ابني؟" (ص 101)
وذروة التطرف تتمثل في الضرب
الذي يتعرض له الأب من ابنه، وهو ما يشكل رمزًا قويًا لانهيار السلطة الأبوية،
وضياع القيم الأسرية التقليدية: "أُصعق من هول المشهد بعد أن تولى جلدي ابني
العاق!" (ص 103).
"كان رأسي مركبا على جسم تيس تائهٌ، وسط أبنائي الذين تشكّلت رؤوسهم
على أجسام الحيوانات." (ص 105)
التيس هنا يرمز إلى الضعف والوهن، حيث تعكس هذه الصورة فقدان الشخصية
لسلطتها وهويتها، وتشتتها وسط عائلتها، التي لا تستجيب لقيمه وأخلاقياته.
ويتبع هذا التصاعد في الأحداث أزمة أكثر تعقيدًا، حيث يصل الابن الآخر، عبد
القادر، إلى حالة من الغضب الشديد تستدعي تدخل الأب لمنعه من استخدام مسدسه ضد أخيه،
وهذه المواقف تؤكد على قوة الصراع الدرامي الذي يهدد بتدمير العلاقات بين
الشخصيات، مما يعكس أزمة الهوية والاختلاف الأيديولوجي الحاد.
وهكذا يعكس الفصل الأخير في الرواية التوترات العميقة بين الأجيال، والصراع
الداخلي للشخصيات، واستخدام اللغة كأداة قوية للتعبير عن هذه الصراعات، مما يجعل
هذا الفصل ذروة درامية قوية، تترك القارئ في حالة من التأمل في مصير الشخصيات، وما
يرمز إليه من قضايا أعمق في المجتمع.
وفي نهاية هذا الفصل والرواية نرى
لحظة من التأمل والألم والندم الذي يعاني منه الأب، ويتجلى الختام في لحظة الموت،
التي تترك مجالاً للتساؤلات غير المحسومة حول قيمة الحياة والندم الذي يصاحب حسرة اللحظات
الأخيرة: "حينما تبقى الكلمات الأخيرة التي يجب أن تقولها عالقة، ولا تستطيع
قولها لتحملها معك إلى عالمك الآخر، تنتظر فرصة أخرى لقولها، ربّما سيكون في ذلك
بعض العزاء، لأنّك ستقف بين يدي الرّحمة المطلقة والعدل الذي لا يَظلِمُ أحدا."
(ص 106).
يُختم الفصل بصورة قاتمة تتعانق فيها النهايات المؤلمة، والروح الطيبة في
محاولة للتوصل إلى حالة من السلام.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
دعوة تحرر من الجهل والتجهيل
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الرسالة الأساسية في هذه الرواية هي النقد والتحذير ــ الضمني ــ من الإيمان
بالخرافات، والتفسيرات الدينية
المتطرفة، المؤدية إلى تدمير الأفراد والمجتمعات، والتأثير السلبي على العلاقات
الإنسانية.
وفي طياتها تتجلى دعوة نبيلة للعودة إلى الفطرة السليمة، والتفكير العقلاني
النقي، مُستنهضةً همم القراء لرفض الجهل والتجهيل والتشدد والتعصب،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بين الدعاء
والدماء: تجسيد بصري لصورة الغلاف
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"لعنة الدراويش" ــ في صورة الغلاف ــ مكتوبة بخط كبير وبارز،
مما يجذب الانتباه إلى فكرة اللعنة كمفهوم مركزي في الرواية، وكلمة
"لعنة" باللون الأخضر المتدرج، وهي تتداخل مع بقع حمراء تشبه الدماء،
مما يرمز إلى التوتر والصراع، وربما العنف أو الألم، والعلاقة بين القداسة ــ التي
عادة ما يُرمز لها باللون الأخضر ــ وبين الآثار المدمرة للدروشة أو التشدد.
وصورة الأيدي المرفوعة في الغلاف تتخذ وضعية الدعاء أو الاستغاثة، وهي
محاطة بدائرة تحتوي على رؤوس حيوانات متعددة تعكس رموزًا للغدر، المكر، والخداع
(ذئب، ثعلب، حية،...) بالإضافة إلى قبة خضراء، وهذه الرموز تشير إلى فكرة أن
اللعنة تطال الإنسان في لحظات ضعف أو جهل أو استعانه، وأن هناك قوى خفية أو شريرة
تلاحقه في أوقات السعي للخلاص.
أما تساقط البقع الحمراء (الدماء) من أعلى العنوان؛ فيعزز فكرة اللعنة
وربطها بالعنف أو الموت، والدماء ترمز إلى الضحايا الذين أوقعهم الجهل في شرك
الخرافات، والضحايا الذين أوقع بهم التشدد والتطرف المتسم بالعنف.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كلمة النهاية في قراءتي للرواية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في الختام أسجل أن هذه الرواية "لعنة الدراويش" قد أثبتت بجدارة
قدرتها على تفكيك خيوط التشدد الديني والخرافات، التي تقيد العقول والقلوب، ونجحت
في تصوير الصراع الدائم بين قوى الجهل والتطرف وأصوات العقل والحكمة، من خلال تتبع
الأحداث الجارية في عالم مليء بالتحديات الثقافية والدينية.
إن "لعنة الدراويش" ليست مجرد سرد لتجربة إجتماعية، بل هي تجسيد
لمقاومة إنسانية شجاعة، ضد القيود التي تحاول قهر الفكر وطمس الهوية، وفي هذا
السياق، تبرز الرواية كمنارة تنير دروب التحرر من قيود الظلام، مقدمةً لنا رؤية
متعمقة لالتقاء الأمل بالقوة، في مواجهة أسطورة الخرافة وعنف التطرف.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) عضو النقابة العامة لاتحاد كتاب مصر
ــ نُشر الجزء الأول من هذه الدراسة في مجلة النيل والفرات بتاريخ 15
سبتمبر 2024
ــ ونُشر الجزء الثاني في مجلة النيل والفرات بتاريخ 1 من أكتوبر 2024
تعليق الكاتب/ ربيحاوي مخلوف: بارك الله فيك أستاذنا الكريم على هذه القراءة المميزة التي
أضاءت الكثير من زوايا الظل للرواية... كل الشكر والتقدير والاحترام لما تبذولونه
من جهود من أجل الارتقاء بالادب وتشجيع أهله و دعمهم. مسرور جدا أن الرّواية نالت
إعجابكم واستحقّت تنويهكم خصوصا وأنّكم بمثابة الأستاذ الذي يدعم طلابه ويشجعهم...
لا أدري ما اقول فعبارات الشكر لا تسعُ الموقف.