أمواج الحياة وبوح الأشرعة قراءة الأديب مجدي شلبي في كتاب (مرفأ الروح) للكاتب أ/ ثابت عبدالنبي

 أمواج الحياة وبوح الأشرعة

قراءة الأديب مجدي شلبي في كتاب (مرفأ الروح) للكاتب أ/ ثابت عبدالنبي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بقلم/ مجدي شلبي (*)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مقدمة

ــــــــــــــــ

عنوان الكتاب "مرفأ الروح" يعبر عن ملاذ أو مكان استقرار روحي وسط الضجيج والتحديات الحياتية، وهو ينسجم تماما مع الفكرة الرئيسية للكتاب، وهي البحث عن السلام الداخلي والتوازن الروحي، ويسهم في جذب القارئ المهتم بالبحث عن وسيلة للتخفف من أعباء الضغوط النفسية، ويوفر له تصوراً واضحاً عن محتوى هذا الكتاب والغرض منه، وهو استعراض تجارب وتأملات فلسفية ونصائح عملية؛ تسهم في تحقيق هذا الهدف، وذلك من خلال فن أدبي لا يقل شأنا عن الفنوان الأدبية الأخرى؛ ألا وهو (المقال الأدبي).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المقال: شكل من أشكال التعبير الأدبي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قبل ولوج متن الكتاب لعرض رؤيتي النقدية والتحليلية فيه؛ أرى ضرورة الإشارة إلى القلة من النقاد والأدباء، الذين ما زالوا يتجاهلون ــ أو بالأحرى يجهلون ــ حقيقة أن المقال: شكل من أشكال التعبير الأدبي، الذي يحمل قيمة جمالية وفكرية، حيث يمكن للكاتب أن يعبر عن أفكاره وتأملاته العميقة بطريقة تجمع بين اللغة الأدبية والفلسفية، وبأسلوب  بلاغي راق، يتيح للقارئ فرصة للتأمل والتفكير بشكل فوري في الموضوعات المطروحة، والاستفادة منها في حياته اليومية، حيث يقدم المقال رؤى وأفكاراً قابلة للتطبيق والتأمل، دون الحاجة إلى الغوص في حبكة روائية طويلة أو تحليل قصائد معقدة؛ مما يثبت أهمية المقال كنوع أدبي مستقل، ومختلف عن الرواية أو الشعر، لكنه لا يقل أهمية عنهما في الأدب.

أخيرا وليس آخرا: إن الأدب ليس فقط في الروايات والقصص والقصائد، بل في كل شكل من أشكال التعبير، الذي يمكنه أن يوصل رسالة، ويحفز التفكير، ويثري الروح، وسوف أثبت من خلال قراءتي التالية: كيف تحقق لـ(مقالات) هذا الكتاب الصفة الأدبية عن جدارة واستحقاق.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عناصر البناء الفني لأدب المقال

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

يمكن تلخيص عناصر البناء الفني لأدب المقال في: العنوان الجذاب المعبر عن محتوى المقال، ثم المقدمة المشوقة التي تقدم فكرة عامة عن الموضوع، والترابط والتنظيم بحيث تكون الأفكار مرتبة ومنسجمة مع بعضها البعض، والانتقال السلس بين الفقرات، واستخدام لغة واضحة وسهلة الفهم مع الحفاظ على جمال الأسلوب الأدبي، باستخدام الاستعارات والتشبيهات لإثراء النص، وأن يكون المحتوى ذا قيمة ومفيداً للقارئ، ودعمه بالأدلة والحجج المناسبة؛ فالمحتوى القوي يعزز مصداقية المقال، وأخيرا لابد أن تأتي الخاتمة ملخصة النقاط الرئيسية للمقال وتقدم نظرة شاملة أو توصيات أو أفكار نهائية، ومن ثم يجب أن تترك الخاتمة انطباعاً قوياً لدى القارئ.

وهو ما تم الالتزام به في جميع مقالات هذا الكتاب؛ فجاءت عناوينها متسمة بالجاذبية ومؤثرة وملهمة، مما يجذب انتباه القارئ للموضوعات الروحية والإنسانية التي يتناولها الكتاب، والمقدمات جاءت على نحو مشوق، مانحة القارئ فكرة واضحة عن الموضوع ومثيرة فضوله للاستمرار في القراءة، والترابط وتنظيم الأفكار جاء على نحو منطقي وسلس، مما يسهل على القارئ متابعة الفكرة الرئيسية لكل مقال، ولغة الكتاب أدبية بليغة، مما يعكس عمق الفكرة وروحانية الموضوعات، والأسلوب يعكس خبرة الكاتب في التعبير عن الأفكار بشكل مؤثر وجذاب، من خلال دعمه للمقالات بالشواهد الدينية والشعرية المناسبة التي تعزز الفكرة، وتقدم للقارئ حكمة أو فكرة تلهمه في حياته الروحية.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

العلاقة العضوية بين العنوان والمتن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

إن رمزية (المرفأ) في العنوان تدل على مكان الأمان والاستقرار بعد رحلة طويلة وشاقة، والمتن يعكس رحلة البحث عن هذا المرفأ، وتسليط الضوء على كيفية تحقيق هذا الاستقرار وسط التحديات اليومية.

وتشير كلمة (الروح) إلى الجانب الروحي والنفسي للإنسان، وهو ما يركز عليه الكتاب من خلال استعراض تجارب الكاتب وتأملاته الفلسفية، التي تهدف إلى تقديم رؤى تساعد القارئ على تعزيز الجانب الروحي والنفسي في حياته.

فتناولت المقالات بشكل رئيسي الفلسفة الحياتية والبحث عن الصفاء النفسي والسلام الداخلي والتوازن الروحي، منها ــ على سبيل المثال ــ المقال الذي حمل عنوان الكتاب (مرفأ الروح): "إن عملية تحقيق هذا الصفاء النفسي؛ هي رحلة ذاتية تتطلب منا مواجهة أنفسنا بصدق، والتعامل مع مشاعرنا وأفكارنا بوعيٍ وتفهم... ونحن في سعينا جاهدين للوصول إلى مرفأ الروح، حيث تكمن حقيقة الهدوء والسلام الداخلي" (الصفحة رقم 8)

كما عكس الكتاب تجارب شخصية وتأملات فلسفية عميقة حول جوهر الحياة والإنسانية؛، فعلى سبيل المثال؛ جاء في مقال (معيار الإنسانية): "تظهر الأخلاق الحقيقية في أوقات المحن والضغوط، وليس في لحظات الراحة والرفاهية؛ فهي ليست مجرد سلوك نبيل نمارسه عندما تكون الأمور على ما يرام، بل هي جوهر الإنسانية، الذي يتجلى في أصعب الظروف التي نمر بها " (الصفحة رقم 123).

ومن رمزية (المرفأ) ودلالته، إلى رمزية الشعر وأبياته الحكيمة؛ حيث تضمن الكتاب مئات الشواهد الشعرية، التي عزز بها الكاتب مضامين مقالاته، ومن رمزية (الروح) وأبعادها الفلسفية والنفسية والدينية إلى النصوص الدينية؛ حيث تضمن الكتاب عشرات الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة، التي عمق بها البعد الديني والسمو الروحي لرسائله الهادفة لمساعدة القراء على التعامل مع تحديات الحياة بشكل إيجابي.

ومن ثم اتسقت مقالات هذا الكتاب مع محاولة الوصول إلى (مرفأ الروح)، حيث يسعى كل مقال لتحقيق الهدوء والتسامح، والإضاءات النفسية، التي تشير إلى طريق السلام الداخلي.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تحليل نقدي ثلاثي الأبعاد

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

سوف أحاول هنا ــ وبإيجاز شديد ــ استكشاف الفلسفة الحياتية والروحية في هذه المقالات الأدبية؛ باستخدام منهجية التحليل الأدبي، وتطبيق ثلاث نظريات نقدية في هذا التحليل المقتضب:

فلو طبقنا (النظرية البنيوية): لوجدنا أن مقالات هذا الكتاب من ناحية الشكل والأسلوب: قد اعتمدت على الأسلوب البلاغي واللغة الأدبية الرفيعة، وتميزت باستخدام الأبيات الشعرية المعززة لموضوعاتها، مثلما جاء في مقال (قوة الصمت) الذي استشهد فيه بقول الشاعر/ صالح بن عبد القدوس:

"وَلَلصَّمتِ خير مِن كَلام بِمَأثَم *** فَكُن صامِتاً تَسلَم وَإِن قُلتَ فَاِعدل." (الصفحة رقم 58).

ومن ناحية البنية الموضوعية: تناولت المقالات مواضيع متنوعة من الفلسفة الروحية إلى النجاح والتفاؤل، مما يعكس تداخلاً متوازناً بين الموضوعات المختلفة لتحقيق غاية توجيهية وإرشادية للقارئ؛ مثلما جاء في مقال (فلسفة النجاح): "إن الإصرار والمثابرة هما مفتاحا النجاح" (الصفحة رقم 23)، ومقال (أبواب الرحمة): "في كل صعوبة تواجهنا، هناك دائمًا باب مفتوح من أبواب الرحمة، يفتح لنا طريق الأمل والتفاؤل" (الصفحة رقم 36).

وإذا طبقنا (النظرية التأويلية): وجدنا الكاتب قد استخدم الرموز والدلالات؛ مثلما جاء في مقالات: "حوار غير مسموع" (الصفحة رقم 88)، و"مكر الأفعى" (الصفحة رقم 97)، و"سباق الفهود والكلاب" (الصفحة رقم 111)، حيث استخدم الكاتب رموزاً من سلوك بعض الحيوانات ودلالاتها؛ لتوصيل رسالته، كما اعتمد الكاتب على تجاربه الشخصية وتأملاته في الحياة، مما جعل النصوص غنية بالتجارب الحياتية والمعاني العميقة؛ مثلما جاء في (قيم الحياة): "فعندما نرحل، لن يتذكرنا الناس بمقدار ما جمعنا من الثروات، بل بآثارنا الطيبة في قلوبهم." (الصفحة رقم 67)

فإذا طبقنا (النظرية النقدية): وجدنا التفاعل النصي متمثلا في: التفاعل المستمر بين المقالات الأدبية والشعرية والنصوص الدينية؛ مما يخلق تواصلاً ثقافياً وفكرياً عميقاً مع القارئ؛ مثلما ورد ــ على سبيل المثال ــ في مقال (اليأس في ظل النعم) الذي استشهد فيه بآية من القرآن الكريم: "إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ." (الصفحة رقم 76)، ومثلما ورد في مقال (فن التسامح) الذي استشهد فيه بحديث شريف: "الكلمة الطيبة صدقة." (الصفحة رقم 86)، ومثلما ورد في مقال (سر الرحمة) الذي استشهد فيه بببت حكمة: "نحن في الرحمة والود جسد *** يُسهر الأعضاءَ عضوٌ ما رقد." (الصفحة رقم 11).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

القضايا المحورية وتعدد الموضوعات

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

يركز الكاتب على فلسفة الحياة من خلال مقالاته التي تتناول موضوعات متعددة وتجارب حياتية، وتأملات عميقة في سلوك الإنسان، خلال محاولاته تحقيق ذاته في مواجهة سلوكيات الآخرين، الذين يقفون حجر عثرة في طريق تقدمه، مؤكدا على أهمية التسامح الذي يعتبر من المحاور الأساسية، مشيرًا إلى دوره الحيوي في بناء علاقات إنسانية صحية ومستدامة، ويعكس شجاعةً نابعةً من عمق الروح، في سعيها لتحقيق التوازن والصفاء النفسي، وقد تكرر الحديث عن السلام الداخلي في العديد من مقالات الكتاب؛ منها على سبيل المثال ماجاء في: مقال (أصداء الروح): "التوبة تحقق السلام الداخلي للفرد، وتوازن الأصداء الروحية التي كانت مضطربة، وتصبح أكثر تناغماً مع النية الصافية والتطلعات الطاهرة، هذا السلام الداخلي يعزز من قدرة الإنسان على العيش بطمأنينة ويحقق توازنًا بين القلب والعقل." (الصفحة رقم 33).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الغلاف: أيقونة تعبيرية عن جوهر الكتاب

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

غلاف الكتاب يعبر بشكل رمزي بديع عن مضمونه، ويمثل مرآة فنية له، فالباب المفتوح الذي يؤدي إلى البحر والسفينة؛ يعكس فكرة الرحلة الروحية والبحث عن السلام الداخلي، وهي فكرة تتكرر في مقالات الكتاب، والصورة تبعث رسالة عن الانفتاح والاستعداد لمواجهة التحديات في رحلة البحث عن الذات والروح.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

خاتمة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

كتاب "مرفأ الروح" للكاتب ثابت عبدالنبي هو عمل أدبي مميز يجمع بين الفلسفة الروحية والحياة اليومية، مستخدماً لغة أدبية راقية وشواهد من الأدب والشعر والدين لتعزيز رسائله، مما يجعله عملا غنيا ومؤثرا، وإضافة مهمة لمكتبة الأدب العربي، في فن أدبي يمكن وصفه بالسهل الممتنع والممتع معا، وقد أتقنه الكاتب وأصدر فيه من قبل ثلاثة كتب، وهذا هو الكتاب الرابع؛ فإلى مزيد من الإبداع والتميز.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(*) عضو النقابة العامة لاتحاد كتاب مصر

ــ نُشرت هذه الدراسة في كتاب (مرفأ الروح) للكاتب أ/ ثابت عبدالنبي، الصادر عن مؤسسة النيل والفرات للطباعة والنشر أغسطس 2024

ــ ونُشرت في صحيفة النهار العراقية بتاريخ 16 سبتمبر 2024

تعليق الكاتب أ/ ثالت عبدالنبي: 

اديبنا الكبير صاحب الخلق الرفيع كل الشكر والتقدير لتواضعكم بكتابه هذه الكلمات في كتابي المتواضع لكن حضرتك دائما تأخذ بيد الجميع وداعم للجميع وهذا إن دل علي شيئ فأنما يدل علي طيب اصلك وحبك للأدب والأدباء حفظكم الله لنا بصحه وعافيه وعمر طويل وكل الشكر لثقافيه جريده النهار العراقيه ومجلس ادارتها