رحلة البحث عن
الهوية واكتشاف الذات
قراءة الأديب
مجدي شلبي في رواية (البحث عن امرأة) للكاتب المصري أ/ طارق عبد الفضيل
بقلم/ مجدي شلبي (*)
مقدمة
تُعتبر رواية "البحث عن امرأة"
للكاتب طارق عبد الفضيل من الأعمال الأدبية التي تغوص في أعماق النفس البشرية،
متتبعةً رحلة الشخصية الرئيسية في سعيها نحو اكتشاف الذات وتحقيق الهوية، وهي رحلة
فريدة تتخللها مشاهد متنوعة من الحياة اليومية، المليئة بالصراعات العاطفية
والفكرية، وتطرح تساؤلات جوهرية حول مفهوم الهوية ومعنى الوجود.
وسوف أتناول ــ في
قراءتي هذه ــ كيف استطاع الكاتب ــ باستخدام الرمزية ــ نسج خيوط الرحلة النفسية
والوجدانية للشخصية الرئيسية، من خلال بناء معقد للشخصيات والأحداث، وجعل هذه
الرحلة تتقاطع مع تجارب الحب والفقد، مما يعكس الصراع الدائم بين الذات والطموحات
الشخصية من جهة، والواقع والقيود الاجتماعية من جهة أخرى؛ وهو ما يمنحنا نظرة
عميقة على التحديات التي يواجهها البطل في محاولاته المستمرة لتحقيق ذاته ومعرفة
حقيقته، ليس فقط على مستوى الفرد، بل على مستوى الإنسان في مجمل تجربته الوجودية.
وسوف أبدا بعنوان
الرواية الغامض والمشوق والجاذب للانتباه (البحث عن امرأة) وعلاقته بالتعبير عن
الموضوع الرئيسي للرواية.
عنوان
(البحث عن امرأة): من التفسير السطحي إلى الفهم الأعمق
قد يبدو العنوان مضللًا، ويحمل نوعًا من
الغموض والتشويق، مما يدفع القارئ للتساؤل عن ماهية هذا البحث وأهميته، وما الذي
تمثله المرأة في حياة البطل، هذا الغموض يجذب الانتباه ويثير فضول البعض ممن
يعتقدون ــ من الوهلة الأولى ــ أن الرواية سوف تركز بشكل رئيسي على العلاقة
الرومانسية أو البحث عن الحب، أو التعبير عن تجربة شخصية تتعلق بالشعور بالفقد
والرغبة في التواصل الإنساني، وهذا يجعل الرواية أكثر قربًا من القارئ، وأكثر
تأثيرًا من الناحية العاطفية؛ بينما هي في الواقع تتناول موضوعات أعمق، من حيث
الرمز والدلالة، فالمرأة ليست مجرد شخصية أنثوية؛ بل يمكن أن تكون رمزًا للحرية،
الحب، الأمان، أو حتى الذات المفقودة، كما أنها تعتبر في عديد من الثقافات رمزًا
للخصوبة، الإبداع، والعلاقات الأكثر إنسانية وحميمية، ومن ثم فعنوان (البحث عن
امرأة)؛ يرمز للبحث عن تلك الجوانب في الحياة، بما في ذلك الإلهام، التحفيز،
والتجديد، وهذا يضفي عمقًا للعنوان، ويجعله أكثر غنى، ويوسع من أفق التفسير
والتأمل، ويتناغم مع السرد الداخلي للرواية ومضمونها الفلسفي، ومع الحوارات
الداخلية للبطل، في رحلة بحثه عن هذه الجوانب الحيوية والملهمة، والتي تشكل جزءًا
كبيرًا من هوية الفرد التي تتجلى في كل فصل من فصول الرواية، مما يجعل العنوان
متسمًا بالبساطة والعمق، وملائمًا ومتكاملاً مع المحتوى.
نبذة مختصرة
عن الرواية: رؤى متعددة في رواية واحدة
هذه الرواية تأخذ القارئ في رحلة داخل
أعماق النفس البشرية، من خلال حوار ذاتي بين الكاتب طارق عبد الفضيل ونفسه، الذي
استعار له اسما في الرواية هو "طاهر محمود عبد الكريم"، الذي كان يعيش
حالة من التناقضات والصراعات الداخلية، التي جعلته يبحث عن هويته الذاتية، وعن
إجابات لأسئلته الوجودية، وكأننا إزاء (رواية سيرية)، يمكن مقارنتها بروايات أخرى
مناظرة لها، كرواية "الأيام"، فإذا كانت رواية "البحث عن
امرأة" تركز على البحث عن الهوية والتحرر من قيود المجتمع؛ فإن "الأيام":
تعكس السيرة الذاتية لطه حسين، متناولةً التحديات التي واجهها في حياته، وخاصة
معاناته مع فقدان البصر، وسعيه للتعلم والمعرفة.
فإذا ما نظرنا إلى
رواية "البحث عن امرأة" من زاوية موضوعات الحرية الفردية واللغة الغنية
بالرمزية والشعرية، التي تضفي عمقًا على السرد وتعزز من الطابع الفلسفي للرواية؛
نشعر أننا إزاء (رواية فلسفية)، يمكن مقارنتها برواية "الغريب" لألبير
كامو التي تناقش الوجودية والعبثية وتصنف كأدب فلسفي.
وحيث أن رواية
"البحث عن امرأة" قد بدأت بتقديم الشخصية الرئيسية (طاهر) وهو يعيش حياة
مزدوجة بين واجباته العسكرية وحياته الشخصية، معبرا عن ذلك باستخدام الحوار
الداخلي، وهو حوار تتحدث فيه الشخصية الرئيسية مع نفسها بمفردها، وليس حوارًا
فعليًا بين شخصيات مختلفة، وهذا النوع من الحوارات ليس مونودراما ــ كما جاء وصفه
في الرواية ــ لأنه من الناحية الأدبية والنقدية، قد يكون استخدام "مونولوج
داخلي" أكثر دقة لوصف الحوار الذاتي عندما تتحدث الشخصية الرئيسية مع نفسها
بمفردها في حوارات داخلية تحدث داخل عقل الشخصية دون تبادل واضح للأدوار بين
شخصيات متعددة، وبشكل عام، الإفصاح عن الحوار الداخلي بالكتابة يعتبر جزءًا من
تقنيات السرد الداخلي التي تساعد في تطوير شخصيات متكاملة وفهم عميق لعوالمهم
الداخلية، حيث تتدفق أفكار الشخصية بدون تفاعل مباشر مع أشخاص آخرين، مما يعكس
الصراع الداخلي للبطل بين الرغبة في التمسك بمبادئه الشخصية، والضغوط التي يفرضها
عليه المجتمع، وكأننا إزاء (رواية مسرحية)؛ تذكرنا بمسرحية "هاملت"،
التي استخدم فيها ويليام شكسبير المونولوجات بشكل مكثف، حيث يعبر هاملت عن أفكاره
ومشاعره الداخلية للجمهور.
فضلا عن مشاهد عديدة
يمكن تخيلها بسهولة كجزء من مسرحية، منها المشهد التالي:
ــ طارق: "هل
تعلمين أن الناس يشكون قلة كلامي.. وهم لذلك يحترمونني. أفعل هذا ليس تعاليًا ولا
كبرًا، بل لأنني أحترم نفسي."
ــ شخصية أخرى:
"ولكن، ألا تعتقد أن التواضع هو الطريق الحقيقي لاحترام الذات؟"
ولا يتوقف الأمر عند
الأوصاف الثلاثة لرواية "البحث عن امرأة"؛ بل يضاف إليها البعد الملحمي
الذي يتجلى في عدة عناصر من الرواية منها التحديات الكبيرة التي تواجه الشخصية،
واستخدام الرموز التاريخية والطبيعية، والصراعات الداخلية الكبيرة، مثل محاولة
طاهر فهم ذاته ومواجهته للذكريات المؤلمة، وصراعه مع نفسه ومع الظروف المحيطة به
بشكل كبير وملهم، يتشابه إلى حد كبير مع قصيدة "الأوديسة" لهوميروس،
التي يمثل البعد الملحمي فيها الرحلة البطولية والصراعات الكبيرة، ومن ثم فإن
احتواء رواية "البحث عن امرأة" على رحلة بطولية في البحث عن الهوية
والصراعات النفسية من أجل تحقيق الذات؛ يجعلنا نشعر وكأننا إزاء (رواية ملحمية).
إن إطلاق تسمية (رواية
سيرية)، (رواية فلسفية)، (رواية مسرحية)، و(رواية ملحمية) على رواية "البحث
عن امرأة"؛ يمثل رؤى متعددة في رواية واحدة؛ ويعكس التزاوج بين عدة فنون
أدبية، حيث يستخدم الكاتب تقنيات من تلك الفنون لخلق تجربة سردية غنية ومعقدة،
وهذا الأسلوب يجعل العمل فريدًا ويضفي عليه طابعًا مميزًا، يساهم في جذب القراء
ويعمق من تأثيره الأدبي.
وفيما يلي أتناول
الإشارة إلى العناصر التي تساعد في تعميق السرد وتطوير الأحداث بشكل متسلسل ومشوق،
وأبدأ بالسياق الزمني والمكاني:
السياق
الزمني والمكاني: توظيف الزمكانية
إن التغيرات الزمنية والمكانية تساهم في
تطوير الشخصية وتعميق فهم القارئ لتحولاتها، وقد وفق الكاتب في توظيف الزمان
والمكان بشكل متكامل لتعزيز تجربة البطل وتحولاته الشخصية، ومواجهته لتحديات جديدة
في أماكن مختلفة وزمن مختلف، سعيا وراء تشكيل هويته وتحقيق ذاته.
وسوف أتناول (السياق الزمني) و(الإعداد المكاني) بشيء من التفصيل:
(أولا) السياق الزمني والسرد
غير الخطي
الإطار الزمني: تبدأ
الرواية في أكتوبر 1992 عندما حمل طاهر ورفاقه حقائبهم متجهين إلى كلية ضباط
الاحتياط، هذا التاريخ يعكس فترة معينة من حياة طاهر ويمهد لبداية تحولاته
الشخصية.
وتعتمد الرواية على
السرد غير الخطي الذي يعيد بناء الأحداث بشكل غير تقليدي، مما يعزز من التشويق
ويجذب القارئ لاستكشاف العلاقة بين الأحداث المختلفة؛ فنلاحظ أن الرواية تبدأ
بأحداث من منتصف القصة، ثم تعود لتقديم خلفية الأحداث، مما يساعد في خلق حبكة
معقدة ومثيرة للاهتمام، وقد أجاد الكاتب في استخدام هذا الأسلوب السردي، الذي يتم
فيه تقديم الأحداث بشكل غير متسلسل زمنياً، حيث لا تلتزم الأحداث بترتيب زمني
متتابع من البداية إلى النهاية، ولكن بدلاً من ذلك؛ تتنقل بين أزمنة مختلفة، تعود
إلى الماضي أو تتقدم إلى المستقبل، على الطريقة السينمائية: الفلاش باك (Flashback): حيث يعود السرد إلى الماضي
لتوضيح خلفية معينة، أو حدث مهم يؤثر على الحاضر، و فلاش فورورد (Flash Forward): حيث يتقدم السرد إلى
المستقبل لإعطاء لمحة عما سيحدث لاحقاً.
هذا التنقل المستمر بين
الأزمنة دون تتابع منطقي؛ يساعد على إثارة فضول القراء، حيث تتكشف الأحداث أمامهم
بطرق غير متوقعة، وتدفعهم إلى محاولة فهم كيفية ترابط الأحداث مع بعضها.
كما أن هذا التنقل
السردي غير الخطي؛ يعمل على تعميق الشخصيات بكشف الأبعاد المختلفة لهم، من خلال
عرض تجاربهم الماضية والحالية، مما يساهم في بناء شخصية معقدة وغنية بالتفاصيل.
ولا شك أن التلاعب
بالزمن يمكن الكاتب أو المخرج من استخدامه كأداة فنية للتعبير عن موضوعات معينة،
مثل الذاكرة، والحنين، أو التعقيدات النفسية للشخصيات، وهو ما يجعلنا نضيف وصفا
خامسا لهذه الرواية بأنها (رواية سينمائية) أيضا.
(ثانيا) الإعداد المكاني ودوره
في تقديم الأحداث
الرواية تتنقل بين
أماكن متعددة، مما يعكس تنوع البيئات التي يتعرض لها طاهر وتأثيرها على تجربته
الشخصية؛ فعلى سبيل المثال، "يصل طاهر إلى فايد ويشعر برهبة المكان
الجديد".
وقد عمد الكاتب إلى وصف
الأماكن بتفاصيل دقيقة؛ تجعل القارئ يشعر وكأنه يعيش التجربة مع الشخصية، وهذا
يتضح في أحد الحوارات التي عبر فيها طاهر عن عدم انتمائه للمكان: "أنا لا
أنتمي لهذا المكان".
ومن أمثلة التغيير
المكاني: الانتقال من الحياة الجامعية إلى الخدمة العسكرية؛ " كنا في الجامعة
كالطيور المحلقة، أما الآن ففي انتظارنا السلطة العسكرية بنظامها الصارم."،
وتغيير الموقع الاجتماعي من حالة عدم اليقين إلى الاستقرار النسبي؛ "لأني
قررت أن أعيد حساباتي فأغير موقعي من العالم."، والتأمل في الذات والشعور
بالتغير الشخصي؛ "أرى نفسي بؤرة أو قل نواة لذرة الكون على كل المدارات أن
تدور حولها."، والشعور بالفقدان والانتقال من الحماس إلى فقدان الاهتمام؛
"أن أتصل بمحمد الشبراويشي لكني لم أفعل، ولعل السبب في ذلك هو فقداني الحماس
لخطوبة أنوار.".
ولاشك أن التغيرات
المكانية قد ساعدت في تسليط الضوء على الرحلة الداخلية للشخصية، والتحولات النفسية
والاجتماعية، مما يضفي عمقًا على الرواية ويساهم في فهم القارئ للتجربة الإنسانية
المقدمة.
ومن التحليل الزمكاني
إلى تحليل الشخصيات الرئيسية والثانوية:
الشخصية
الرئيسية هي المحور الأساسي لهذه الرواية
على طريقة رواية "ساق البامبو"
للروائي الكويتي/ سعود السنعوسي، التي تركز بشكل رئيسي على حياة راشد الطاروف، في
حين تكون الشخصيات الثانوية غير متطورة بشكل كبير؛ جاءت رواية "البحث عن
امرأة" في تركيزها على تطوير شخصية طاهر بشكل جيد، في حين أن الشخصيات
الثانوية لم تحصل على نفس القدر من الاهتمام، بل تبدو أحيانًا مسطحة وتفتقر إلى
العمق، مما يجعل تأثيرها على القصة محدودًا، رغم تفاعل البطل مع الشخصيات
المختلفة، مما ساهم في تطوير الأحداث وكشف جوانب جديدة منها.
وأرى أن هذا الأمر كان
مقصودا ليسمح للكاتب بالتركيز على التطور الداخلي للبطل الرئيسي دون تشتيت انتباه
القارئ بتفاصيل زائدة، والحفاظ على تركيزه في الرسائل العميقة التي يرغب الكاتب في
إيصالها إليه من خلال الشخصية الرئيسية (طاهر) الذي هو المحور الأساسي للرواية،
وكل ما يحدث يدور حول تطوره الشخصي والنفسي، والشخصيات الثانوية تعمل كأدوات لدعم
قصته وإبراز تحوله الداخلي من الكبر إلى التواضع.
هذا التحول الداخلي
الذي يعيدنا إلى الآية القرآنية التي صدر بها الكاتب روايته "وَلا تَمْشِ فِي
الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ
طُولًا". (الإسراء: 37)
الآية القرآنية تحمل
معنى يتعلق بالتواضع وعدم التكبر والغطرسة، وقد أوردها الكاتب للإشارة إلى أن
الرواية تسلط الضوء على تجربة البطل الشخصية والنفسية، وعلى ضرورة إدراك أن
الكبرياء والغطرسة لم ولن تساعده في تحقيق أهدافه أو التغلب على العقبات التي
يواجهها، وبالتالي يمكن القول أن وضع الآية في مطلع الرواية يعمل كإطار أخلاقي
ونفسي يوجه البطل والقارئ نحو أهمية التواضع والاعتدال في السعي لتحقيق الأهداف،
وكذلك يعكس البعد الروحي للرواية.
ففي بدايتها؛ يظهر طاهر
كشخصية متعالية ومتكبرة، يعتقد أنه أسمى من الآخرين بسبب علمه ومكانته الاجتماعية،
"فكرة الذكر الإله التي يبدو أنكم توارثتموها كابرا عن كابر"، ومن ثم
كان تأثيره سلبياً في العلاقات التي يبنيها مع الآخرين، حيث يشعر الذين حوله
بالنفور منه بسبب غروره وتعاليه؛ مما جعله معزولاً عن المجتمع ويعاني من الوحدة؛
"أسير في سجن صنعته بنفسي لنفسي. اعتزلت الناس ولا أعرف كيف أعيش معهم
وكل من أقترب منه علي الفور يعاملني معاملة الطبيعي للشاذ".
وبعد رحلة من التأمل
والتجارب الصعبة، يتغير ليصبح أكثر تواضعاً وتفهماً لذاته وللآخرين، ويتقبل أخطاءه
ويدرك أهمية التواضع في بناء علاقات صحية، ومن ثم يصبح تأثيره إيجابياً على حياته
وحياة من حوله، ويصبح قادراً على بناء علاقات أقوى وأكثر صدقاً، مما ينعكس على
شعوره بالسعادة والرضا.
إن تحول طارق من الكبر
إلى التواضع ليس فقط مبرراً؛ بل هو جوهر التطور الذي تمر به الشخصية في الرواية،
ويعكس هذا التحول رحلة البحث عن الذات والتغيير الداخلي، مما يضفي على الرواية
عمقاً، ومعنى يتجاوز القصة السطحية، ويمهد لنا الطريق لاستكشاف الرموز التي وظفها
الكاتب في روايته وتفسير دلالاتها:
توظيف
الرموز ودورها في إثراء النص الروائي
من المعلوم أن (الرمزية) تُعد من أهم
العناصر الأدبية التي تُستخدم في العمل الأدبي لتوصيل الأفكار والمشاعر بصورة غير
مباشرة؛ فهي تمثل جسراً بين الواقع والمجرد، مما يتيح للكاتب التعبير عن معاني
عميقة ومعقدة من خلال صور ورموز قد تبدو بسيطة أو بديهية للوهلة الأولى، وتأتي
أهمية الرمزية في قدرتها على إضفاء طبقات متعددة من المعنى على النص، وتتيح للكاتب
خلق صور أدبية مبتكرة وجذابة، مما يوسع أفق القارئ ويمنحه تجربة غنية ومتنوعة.
وهو ما يدفعنا لاستكشاف
الموضوعات الرئيسية (الحب، الفقد، الهوية... إلخ)، التي تناولتها هذه الرواية من
خلال بعض الرموز الأساسية التي وظفها الكاتب طارق عبدالفضيل، لتعكس تلك الرموز
بدلالاتها الأفكار الفلسفية والنفسية العميقة، ومنها:
المرأة: وقد أوضحت فيما
سبق بعض دلالات تلك الرمزية، وأضيف إليها أن المرأة تُعتبر رمزًا للمعنى والمثالية
في الحياة، يبحث البطل عن امرأة مثالية تحتوي على الصفات الفكرية والروحية
والجسدية التي تكمل وجوده، مما يعكس بحثه عن الكمال والاتحاد الداخلي والخارجي.
أما المرآة: فهي ترمز
إلى الاستبطان والتأمل الذاتي؛ فمن خلال النظر فيها يحاول البطل فهم ذاته واكتشاف
أبعاد جديدة في شخصيته، وهو ما يعكس بحث الإنسان عن فهم أعمق لهويته ودوره في
الحياة.
أما الطريق: فهو يمثل
الرحلة الحياتية والبحث المستمر عن الحقيقة والمعنى، حيث يسلك البطل طريقًا طويلًا
ومعقدًا في سعيه للعثور على المرأة المثالية، وهو ما يرمز إلى رحلة الإنسان في
البحث عن غايته وهدفه في الحياة.
وكذلك يستخدم الكاتب
رمزي (الظلام والنور) للتعبير عن الجهل والمعرفة، والضياع والهداية، وانتقال البطل
بين حالات من الظلام (الضياع والارتباك) والنور (الفهم والتنوير) خلال رحلته، مما
يعكس الصراع الداخلي الذي يمر به الإنسان في سعيه للفهم والمعرفة.
وهناك عديد من الرموز
الأخرى؛ منها:
البيت الأصفر: ويمثل
الذكريات والماضي المؤلم.
وجبل الجلالة: يرمز إلى
الصمود والثبات في مواجهة التحديات.
والسراب: يعبر عن
الأوهام والأهداف غير القابلة للتحقيق.
والذكرى والأخطاء: ترمز
إلى الصراعات الداخلية والتأمل في الماضي.
والشرفة المفتوحة: تعبر
عن الانفتاح على المستقبل والإمكانيات الجديدة.
والمعابد والأماكن
المقدسة: تشير إلى البحث الروحي والديني عن الحقيقة والمعنى؛ فزيارة البطل لأماكن
ذات دلالات دينية وروحية في رحلته، يعزز فكرة أن البحث عن المرأة هو أيضًا بحث عن
البعد الروحي في الحياة.
ومن ثم فكل رمز من هذه
الرموز قد ساهم في تقديم أبعاد جديدة للشخصيات والأحداث، ورؤية عميقة ومعقدة للبحث
الإنساني عن المعنى والكمال، وسلط الضوء على التحديات والصراعات التي يواجهها
الإنسان في رحلته الذاتية والوجودية.
ومن تلك الرمزية التي
هي أحد الأركان الأساسية للسرد الشاعري؛ ننتقل إلى علاقة الرواية بالشعر باعتبار
أن كاتبها في الأصل شاعر كبير:
تجليات
الخلفية الشعرية في بناء وتطوير النص الروائي
لأن كاتب الرواية في الأصل شاعر؛ وجدناه
ينسج عالماً أدبياً يتسم بجمال التفاصيل وعمق المشاعر، لهذا جاءت روايته هذه كأنها
(قصيدة نثرية) تتغنى بالإنسانية، وتجسد تجارب الإنسان في سعيه الدائم للبحث عن
معنى، عن حب، عن كمال في عالم مليء بالتناقضات، بأسلوب فخم ولغة شعرية مبدعة،
ويبدو تأثير الشعر واضحا جليا في التعبيرات الشعرية، والوصف التفصيلي،
والمونولوجات الداخلية، فضلا عن الرمزية؛ مما يضفي على الرواية طابعًا أدبيًا
مميزًا يتسم بالجمالية والعمق العاطفي.
ويزداد الأمر وضوحا
وتجليا من خلال عرض بعض الأشعار الواردة في الرواية؛ مثلما جاء في مطلع المشهد
الثاني: (صوت طاهر يغني يتعالى رويدا رويدا) "سأظل أحبك حتى يطلبني الموت.
سأظل أحبك حتى يشتعل الماء وينطفيء الزيت. سأظل أحبك لا أعرف ما السر، لا أعرف
كيف. لكني سأظل أحبك دون رجوع أو خوف". (الصفحة رقم 41).
وفي مطلع المشهد
الثالث: (صوت طاهر يغني) "جبل الجلالة هل علمت بما أعاني؟ وسمعت نبض القلب في
حرم المعاني؟ ورأيت كيف لعاشق أن يستحل دم الأغاني؟". (الصفحة رقم 44).
فضلا عن بعض
الاستعارات؛ مثل: "بالروح التي تجول في فراغاتي فتملؤها" (الصفحة رقم
50)، "أراك تطارد سرابًا" (الصفحة رقم 57)، والتشبيهات؛ مثل:
"حانية كالنسيم" (الصفحة رقم 59)، "الحديث فاتر، وكل شيء يتحرك
ببطء" (الصفحة رقم 86).
وهكذا تظهر تأثيرات
الشعر بوضوح في رواية "البحث عن امرأة" من خلال استخدام الكاتب لطريقة
سردية تتميز بالشاعرية، المتمثلة في الأبيات الشعرية والاستعارات والتشبيهات،
واللغة الموسيقية، والأسلوب الرمزي، وهذه العناصر تساهم في إضفاء طابع شعري مميز
على النص الروائي، مما يعكس خلفية الكاتب كشاعر، ويجعله يجذب القارئ بأسلوبه
الفريد والمعبر.
هيكل
الرواية: رؤية بانورامية في الفصول والمشاهد
في رواية "البحث عن امرأة"
للكاتب طارق عبد الفضيل، تقسيم الفصول والمشاهد لعب دورًا كبيرًا في هيكلة
الرواية، وتقديم الأحداث بشكل منطقي ومنظم:
ــ الفصل الأول والمشهد
الأول: يبدأ بانتقال الشخصيات الرئيسية إلى مرحلة جديدة، حيث ينتقلون من الحياة
الجامعية إلى الخدمة العسكرية، وهذا يساعد القارئ على فهم السياق الجديد للشخصيات
وكيفية تأثيره على حياتهم.
الشاهد من الصفحة رقم 7
من الرواية: "كنا في الجامعة كالطيور المحلقة، أما الآن ففي انتظارنا السلطة
العسكرية بنظامها الصارم."
ــ الفصل الثاني
والمشهد الأول: يتم فيه تقديم الحياة الجديدة للشخصيات بعد الانتقال إلى الحياة
العسكرية، مما يعزز من فهم القارئ لتغيرات البيئة والمواقف التي يواجهونها، ويساهم
هذا بشكل فعال في إبراز التغيرات الكبيرة في حياة الشخصيات، مما يساعد في بناء
التوتر الدرامي.
الشاهد من الصفحة رقم
45 من الرواية: "وسألت النقيب محمود هل هذه الدفعة الأولى فأجاب بنعم.".
ــ الفصل الثالث:
يتناول هذا الفصل تفاعلات الشخصيات في بيئات جديدة وتحديات جديدة، مما يساعد على
تطوير القصة وتعميق فهم القارئ للشخصيات.
الشاهد من الصفحة رقم
61 من الرواية: "جلسنا ننتظر محمد كمال وقد علمنا أن انتهاء حصته الراهنة بعد
ربع ساعة."
وبشكل عام نجح الكاتب
في تقسيم الرواية لفصول ومشاهد بطريقة تدعم السرد الدرامي، والسياق العام للأحداث،
وتشير بذكاء إلى جوهر الرسالة.
جوهر
الرسالة وشغف التلقي: فهم الأبعاد الفلسفية للرواية
رواية "البحث عن امرأة" للكاتب
طارق عبد الفضل تحمل رسالة فلسفية عميقة تتمثل في البحث عن معنى الحياة من خلال
البحث عن المرأة؛ فالرواية تتناول رحلة البطل في محاولة العثور على امرأة تحمل
مواصفات خاصة، وهي رحلة تتجاوز البعد الجسدي لتشمل الأبعاد النفسية والفلسفية،
وكيف يعكس البحث عن المرأة؛ البحث عن معنى الحياة:
1ــ البحث عن الكمال والاتحاد:
يرمز البحث عن المرأة المثالية إلى السعي لتحقيق الكمال والاتحاد بين الجوانب
المختلفة للوجود الإنساني، ويعكس ذلك الحاجة الإنسانية للتكامل والتناغم الداخلي
والخارجي.
2ــ الاحتواء الفكري والروحي:
يُبرز النص مسألة الاحتواء الفكري والروحي، حيث يتساءل البطل عن قدرة المرأة على
فهم تركيباته الفلسفية والدخول إلى عوالمه النفسية والمجازية، وهذا يشير إلى البحث
عن شريك يمكنه المساهمة في تحقيق فهم أعمق للوجود ومعنى الحياة.
3ــ الهوية والتحرر: يناقش
البطل مسألة الهوية الشخصية والحرية، متسائلًا عن مدى تأثر تكوين الشخص بتجارب
الحياة وما إذا كان الإنسان مسيرًا أم مخيرًا في تكوين هويته، وهذا البحث يعكس
السعي لفهم الذات ودورها في الحياة.
4ــ الفكر مقابل الجسد: تبرز
الرواية صراعًا بين الجانب الفكري والجانب الجسدي للعلاقات الإنسانية، ويعكس ذلك
التوتر بين الرغبات الجسدية والاحتياجات الروحية والفكرية، مما يعزز فكرة أن البحث
عن المعنى يتطلب توازنًا بين هذه الجوانب.
5ــ الوعي والوجود: تسعى الرواية
إلى تقديم نظرة فلسفية حول الوعي والوجود، حيث يناقش البطل مدى وجود الحقائق
والأشياء وما إذا كانت مجرد أفكار أو موجودات في مستوى علوي من الفكر، وهذا يعكس
البحث الفلسفي عن الحقيقة والمعنى في الحياة.
ومن خلال هذه العناصر
يمكن القول إن الرواية تسلط الضوء على السعي الإنساني الدائم للبحث عن معنى الحياة
من خلال البحث عن الشريك المثالي الذي يحقق التكامل الفكري والروحي والجسدي،
والتحديات التي يواجهها الإنسان في تحقيق التوازن بين الجوانب المادية والمعنوية
في حياته.
ويمكن للقارئ أن يستخلص
عدة رسائل فلسفية ونفسية تعكس تجارب البطل ومفاهيمه حول الحياة والحب والوجود،
والحاجة الإنسانية العميقة لإيجاد هدف وغاية تتجاوز الأمور المادية والسطحية،
وتشجع الرواية القارئ على التأمل في ذاته ومراجعتها واستكشاف دوافعه وأفكاره،
واستكشاف أعماقها، من خلال التفكير بصوت عالٍ، وإدراك قيمة الحب الحقيقي الذي لا
يقتصر على العلاقات الرومانسية بل يمتد ليشمل الحب كقوة محركة في الحياة ووسيلة
لتحقيق الكمال الذاتي.
وتؤكد الرواية على أن
رحلة البحث الذاتي هي جزء لا يتجزأ من نمو الإنسان وتطوره، هذا البحث يمكن أن يكون
مليئًا بالتحديات والصعوبات؛ "ما أبشع أن نختار بين مستحيلين: أن أظل وحدي
على قارعة الطريق أو أن أندمج في ثنائية ترحمني من ظمأ الوحدة" (الصفحة رقم
46)، ويمثل الطريق الرحلة الحياتية والبحث المستمر عن الحقيقة والمعنى، والبطل
يسلك طريقًا طويلًا ومعقدًا في سعيه للعثور على المرأة المثالية، وهو ما يرمز إلى
رحلة الإنسان في البحث عن غايته وهدفه في الحياة.
وهكذا تقدم رسالة
الرواية نظرة عميقة ومعقدة حول التجربة الإنسانية، وتحث القراء على التفكير
والتأمل في حياتهم الخاصة ومعانيها المختلفة، ومحاولة تصويب ما يعتري مسيرتهم
الحياتية من أخطاء.
نقد بنّاء:
ملاحظات غير مؤثرة على جماليات الرواية الأثيرة
رغم أن "البحث عن امرأة" رواية
تمتاز بالعمق الفلسفي والنفسي وتقدم تجربة قراءة ثرية، إلا أن هناك بعض الملاحظات
البسيطة، التي أوجزها فيما يلي:
1ــ جاء في الصفحة رقم 11:
"كنت أحبها وكانت تحبني..." ثم صرح باسمها: " يوجين.. علمتك الحب
المرأة الخطأ" ثم يعود فيقول: "يوجين.. أنا الرجل الخطأ".
استخدام اسم
"يوجين" كاسم لأنثى في الرواية يمكن اعتباره غريبا وغير تقليدي أو أو في
الحقيقة (خطأ)، ذلك لأن اسم (يوجين) اسم مذكر شائع في الثقافات الغربية:
(بالإنجليزية: Eugene) وهو اسم مشتق من اليونانية εὐγενής ويعني النبيل أو كريم الأصل.
وكان من الممكن معالجة
هذا الخطأ؛ بتعديل الاسم إلى النسخة المؤنثة: "يوجينا" (Eugenia) لجعله أكثر توافقًا مع
الأسماء المؤنثة التقليدية.
أو بإضافة توضيح في
النص حول سبب اختيار هذا الاسم غير التقليدي، مما يمنح الشخصية طابعًا فريدًا
ويجعل الاسم منطقيًا في سياق القصة؛ مثل: "اختارت والدتها أن تسميها يوجين،
معبرة عن حبها للتقاليد القديمة وتقديرها للاسم، رغم كونه غير شائع للفتيات."
أو استخدام الاسم كجزء
من الشخصية مما يعكس جوانب معينة من حياتها أو شخصيتها؛ مثل: "كانت يوجين
دائمًا تشعر بأن اسمها يعكس تفردها وتميزها عن الآخرين، مما أعطاها شعورًا بالقوة
والاستقلالية."
ومن ثم يعزز تصحيح
الاسم أو التوضيح في النص من واقعية الشخصية وتوافقها مع السياقات الثقافية
المعروفة، ويضيف عمقًا لها.
2ــ الحوارات الذاتية المطولة:
الرواية تحتوي على عديد من الحوارات الداخلية بين الشخصية الرئيسية وذاته (طاهر
الأول وطاهر الثاني)، والتأملات الفلسقية، بشكل يجعلها تبدو مطولة ومملة في بعض
الأحيان، مما يقلل من تأثير الرسالة ويبطئ من إيقاع السرد، هذا البطء قد يسبب
فقدان اهتمام بعض القراء، الذين يفضلون الأحداث السريعة والتطور الدرامي المتلاحق.
3ــ القضايا الاجتماعية
والسياسية: بينما تتناول الرواية قضايا هامة مثل الهوية والحرية الفردية، إلا أن
معالجة بعض القضايا الاجتماعية والسياسية قد تكون سطحية وغير معمقة بشكل كافٍ،
وكان من الممكن للكاتب أن يستغل الفرصة لتقديم تحليل أعمق لهذه القضايا.
4ــ جاء في الصفحة رقم 32 خطأ
كتابي: " بدأ حواره المونودراني"، وصحتها: المونودرامي أو المونولوجي
(طبقا لما ذكرت سابقا).
5ــ رغم أن النهاية التقليدية
للرواية كانت مناسبة لأنها أغلقت قصة البطل بشكل مرضٍ وأكدت على الموضوعات
الرئيسية للرواية؛ إلا أنه من الممكن تخيل نهايات بديلة من خلال تقديم مسار جديد
للبطل يعزز من عمق الرواية ويترك انطباعًا قويًا لدى القراء، فبعد رحلة طويلة من
البحث والتجارب المختلفة، يصل طاهر إلى مرحلة من التأمل العميق في حياته
واختياراته، وبدلاً من الوصول إلى خاتمة محددة ومريحة، أقترح أن يواجه طاهر حقيقة
أن البحث عن الشريك المثالي أو الحب الحقيقي هو جزء من رحلة أكبر نحو فهم الذات،
وذلك من خلال مشهد أخير بديل؛ خلاصته:
أن يعود طاهر إلى مكان
هادئ، ربما إلى مقهى حقيقي صغير، وهو الذي قضى جزءًا من رحلته في مقهى استعاري
"البوح مقهى لقائنا"؛ فيجلس بهدوء ويبدأ في كتابة يومياته، معبرًا عن
الأفكار والمشاعر التي مر بها، وبينما يكتب؛ يتذكر الأشخاص الذين قابلهم والمواقف
التي مر بها، ويدرك أن كل تجربة كانت جزءًا من تعلمه ونموه الشخصي، وتكون النهاية
المقترحة:
طاهر في المقهى
الحقيقي، وهو يكتب في دفتر يومياته:
"اليوم أدركت أن البحث لم
يكن عن امرأة فقط، بل كان عن نفسي، عن تلك الأجزاء الضائعة من روحي التي كنت أحاول
العثور عليها في الآخرين، الحياة ليست وجهة نظر أحادية، بل هي رحلة مستمرة نحو
اكتشاف الذات، سأواصل البحث، ليس فقط عن الحب، ولكن عن كل ما يجعلني إنسانًا أفضل،
وهذه المرة سأكون مستعدًا للتعلم من كل خطوة، ومن كل لقاء."
ينهض طاهر من كرسيه،
يترك دفتر يومياته مفتوحًا على الطاولة، ويلقي نظرة أخيرة على المكان قبل أن
يغادر، يخرج من المقهى، يتنفس عميقًا ويبدأ في السير، مستعدًا لمواجهة مستقبل غير
محدد، لكنه مليء بالأمل والتوقعات الجديدة.
بهذه النهاية، نضيف
بعدًا فلسفيًا وتأمليًا للرواية، مما يعزز من عمق التجربة الأدبية ويترك القراء مع
إحساس بالتفكير المستمر والتأمل في حياتهم الشخصية.
ومع ذلك تبقى هذه
الرواية عملاً أدبيًا قيمًا يعكس موهبة الكاتب وقدرته على تناول موضوعات معقدة
بطريقة أدبية راقية.
غلاف
الرواية ومدى التعبير عن الثيمات الرئيسية فيها
معلوم أن أول وأهم وظيفة لغلاف أي كتاب هي
جذب الانتباه إليه، ودفع القارئ لاقتنائه والاطلاع عليه، ويلعب التصميم المعبر عن المحتوى
دورا كبيرا في هذا الشأن، وهو ما دفعني للنظر مليا في واجهة غلاف هذه الرواية،
الذي أرى أن جاذبيته ليست بذات الدرجة الرائعة التي عبر بها عن المحتوى، فالغلاف
عبارة عن صورة امرأة بتصميم فني، حيث يبدو جزءًا من وجهها غير واضح أو مشوش،
ويتداخل مع خلفية تتضمن عناصر طبيعية مثل الأشجار والماء، والألوان الوردية
والبنفسجية تسيطر على التصميم.
وأرى أن الوجه المشوش
أو غير المكتمل؛ يعكس فكرة البحث عن الهوية والذات، وهي إحدى الثيمات الرئيسية في
الرواية، كما يرمز إلى الشعور بعدم الاكتمال أو الفراغ الداخلي الذي يسعى طاهر
لملئه من خلال رحلته، وتكتمل عناصر الصورة بوجود صور من الطبيعة التي يمكن أن تشير
إلى رحلة البحث التي غالبًا ما تكون مملوءة بالتحديات الطبيعية والنفسية، كما أن
الطبيعة أيضًا قد تعكس الحالة العاطفية والنفسية للشخصيات في الرواية.
والألوان الوردية
والبنفسجية تخلق جواً من الرومانسية والغموض؛ فاللون الوردي قد يرمز إلى الحب،
بينما البنفسجي يشير إلى الغموض والأمور غير المعلنة.
وهكذا أرى ــ من خلال
التحليل البصري لعناصر الغلاف ــ أن تصميمه كان موفقًا في التعبير عن الثيمات
الرئيسية في الرواية، وأسهم بشكل فعال في إثارة فضول القارئ وتحفيزه على استكشاف
المحتوى.
كلمة أخيرة
"البحث عن امرأة"
رواية تمتاز بالعمق الفلسفي والنفسي، وتقدم تجربة قراءة ثرية وممتعة، تثير التفكير
والتأمل في قضايا إنسانية واجتماعية هامة، مما يجعلها إضافة قيمة للأدب العربي
المعاصر.
ولاشك أنني استمتعت
بقراءة هذه الرواية الفريدة، التي استطاع الكاتب أن يصطحبنا خلالها في رحلة
استكشافية؛ غصنا خلالها في أعماق النفس البشرية، وعايشنا الشخصيات، وخصوصا الشخصية
الرئيسية، وصراعاته وآماله وطموحاته في رحلة إنسانية وفلسفية مشوقة، وهو ما يجعل
من "البحث عن امرأة" رواية خالدٍة في ذاكرة الأدب.
متمنيا أن يتحفنا
كاتبها بمزيد من الأعمال الروائية، بالتوازي مع ما يبدعه في مجالي الشعر والنقد،
ليستمتع القارئ بما يقدمه من إبداع يعكس عمق فكره، ورهافة شعوره، وتفرد أسلوب
سرده.
أخيرا وليس آخرا: دمت
كاتبنا المبدع أ/ طارق عبدالفضيل منارةً مضيئةً في سماء الأدب العربي روائيا
وشاعرا وناقدا يشار له بالبنان، وإلى مزيد من التألق والتميز.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) عضو النقابة العامة لاتحاد كتاب مصر
ــ ونُشرت في العدد 53 من مجلة مدارات الثقافية الصادر أول أكتوبر 2024
ــ نُشرت هذه الدراسة في مجلة (أوراق ثقافية) بتاريخ أكتوبر 2024
تعليق الكاتب والشاعر
أ/ طارق عبدالفضيل على هذه الدراسة:
"أنت أحد أهم
أدباء الدقهلية ومصر أستاذنا الغالي ودراستك لا يجاريك فيها احد؛ بارك الله فيكم ومتعكم بالصحة".