بمناسبة اليوبيل البرونزي لابتكاري (القصة الومضة) ـ وعشرة أعوام على تأسيس الرابطة العربية للومضة القصصية ـ (القصة الومضة) بين الأصالة والمعاصرة بقلم/ مجدي شلبي

بمناسبة اليوبيل البرونزي لابتكاري (القصة الومضة)

وعشرة أعوام على تأسيس الرابطة العربية للومضة القصصية

 (القصة الومضة) بين الأصالة والمعاصرة

بقلم/ مجدي شلبي (*)

لقد انبنت فكرة هذا الجنس الأدبي الجديد على مفهوم المزاوجة بين الأجناس الأدبية التراثية والأجناس الأدبية الحداثية، على نحو ما حدث من مزاوجة:

بين الشعر والمسرح؛ أنجبت (المسرح الشعري)، ـ وبين الشعر والقص؛ أنجبت (القصة الشاعرة)، وبين الشعر والنثر؛ أنجبت (قصيدة النثر)؛ فزاوجت بين (المقامة/ فن تراثي) و(المقال/ فن حداثي)؛ منتجا (المقال المقامي)، وزاوجت بين (أدب التوقيعات/ فن تراثي) و(فن القص/ فن حداثي)؛ منتجا (القصة الومضة).

من هنا استطاعت (القصة الومضة/ الومضة القصصية) أن تحقق كينونتها كجنس أدبي؛ وأن تمد جسرا بين الأصالة والمعاصرة، وتشق لها طريقا متميزا ومستقلا ومواكبا لروح العصر، من خلال المعايير والضوابط التي وضعتها لها: (التكثيف ـ المفارقة ـ الإدهاش ـ الإيحاء ـ الخاتمة المباغتة)؛ وذلك بغية الالتزام بها، والبعد كل البعد عن العشوائية والارتجال.

وفي سعينا الحثيث لإرساء قواعد هذا الجنس الأدبي المبتكر؛ عمدت لإنشاء (الرابطة العربية للومضة القصصية) في 12 سبتمبر 2013 في محاولة لتعريف أكبر عدد ممكن من الكتاب والنقاد على مستوى وطننا العربي الكبير، وبعض أعضاء الجاليات العربية في دول أجنبية بماهية هذا الجنس الأدبي الجديد، تبع هذا تشجيع من انضم منهم إلى الرابطة لتجريب الكتابة فيه (مع ضرورة الالتزام بالضوابط  والمعايير الخاصة بهذا الجنس الأدبي، وبقواعد اللغة العربية، ووجوب أن يكون اسم المشارك مدونا في حسابه الشخصي بحروف عربية؛ احتراما للغتنا العربية)؛ وذلك من خلال مجموعة منبثقة عن الرابطة، وضعت لها عنوانا؛ هو (المسابقة اليومية في الومضة القصصية)، وهي أشبه بالورشة، في محاولة لتجويد المنتج الإبداعي، والوقوف على أفضل الومضات القصصية، ثم عرضها على النقاد المشاركين في التحكيم؛ لوضع الدرجات التقيمية لكل ومضة قصصية منها، ومن ثم ترتيب الفائزين تنازليا طبقا لتلك النتائج، ومنح الفائزين بالمراكز الأولى شهادات تقدير. 

وبعد أن أصبح لدينا عددا لا بأس به من (النصوص التطبيقية) التي تثبت حقيقة تميز وتفرد واستقلالية هذا الجنس الأدبي عن باقي الأجناس الأدبية، خصوصا (القصة القصيرة جدا)؛ انتقلنا من العالم الافتراضي إلى العالم الواقعي؛ فقمت بداية من عام 2015 بطباعة كتب ورقية بعنوان (كنوز القصة الومضة) يضم كل كتاب منها أفضل وأرقى الومضات القصصية التي أبدعها كتابنا، فضلا عن قراءات ودراسات ومقالات وشهادات بأقلام نقادنا الكبار أعضاء الرابطة، وأقيم سنويا ملتقى خاص برواد وعشاق الومضة القصصية في كبرى المواقع الثقافية المصرية، احتفاء بإصدار أجزاء موسوعة (كنوز القصة الومضة) واحدا بعد الآخر، وقد صدر من تلك الموسوعة أربعة أجزاء، ويجري العمل على طباعة الجزء الخامس بإذن الله.

ورغم مرور عشرة أعوام على هذا المنجز الأدبي غير المسبوق، ووجود آلاف الومضات القصصية التي تثبت حقيقة أن هذا الجنس الأدبي الوليد، قد شب عن الطوق، ولم يعد في حاجة للتأكيد على تميزه ببصمة إبداعية خاصة؛ إلا أن سوابق الابتكارات الأدبية تؤكد أن كل جديد يواجه في البداية بالرفض؛ إما لكونه يخالف سنة الاعتياد الحاكمة والمتحكمة في عقول البشر، وإما من باب حقد البعض وغيرتهم واستعلائهم ومكابرتهم!، وإما لحاجة البعض لمزيد من التوضيح ، وهو ما يدفعنا لعرض الأسئلة الشائعة، التي وردت في ملتقى الإبداع الذي كانت قد نظمته الهيئة المصرية العامة لقصور الثقافة بمعرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته 46 وإجابتي على كل منها:

* سؤال: لماذا اعتمدت (الومضة القصصية) على عنصر التكثيف؟.

ـ إجابة: لأن الومضة تعني "برقة" لمحة خاطفة سريعة، لا يستوعب زمنها سردا حكائيا مطولا، متسقة مع ما ورد عن محمد بن عبد الجبار النِفَّري في مقولته الشهيرة:

"كلما اتسعت الرؤية؛ ضاقت العبارة."، ويقول بيت الحكمة لأبو العتاهية: "وخير الكلام قليل الحروف *** كثير القطوف بليغ الأثر". ويقول الكاتب السعودي أ/ جبير المليحان: "لماذا الهدر في اللغة... ولم الحشو، أقصد الإسراف في صف طوابير من الأسطر لقول شيء ـستطيع أن أقوله بكلمات أقل، مع احتفاظي برشاقة الجمل وموسيقاها وطراوتها بحيث تكون بعيدة عن الجمل الرياضية الخالية من الروح". ويقول الناقد المغربي أ/ محمد تنفو: ان التكثيف دال يحيل على أكثر من مدلول يحول الكلمات إلى مجموعة من الشفرات اللغوية الدالة ركن أساسي للوصول إلى المدلول النهائي من أقصر الطرق".

* سؤال: ألا ترى أن التكثيف يؤدي إلى الإبهام و عدم الوضوح؟

ـ إجابة: التكثيف أو الاختزال في الومضة القصصية لا يعني حذفا عشوائيا للكلمات الأساسية الموصلة للمعنى، إنما يعني: التخلص فقط من الزوائد و الحواشي التي لا لزوم لها في النص الومضي... علما بأن الومضة القصصية يجب أن تكون موحية، فاتحة لباب التأويل دون إغراق في العمق والإبهام، وإلا تحول النص إلى مجرد لغز أو فزورة، ودون مكاشفة تقريرية مباشرة وإلا خرج النص من عباءة الأدب بشكل عام.

* سؤال: هل يعني هذا وجود ومضات قصصية ـ طبقا لما ذكرت ـ ليست بومضات قصصية؟.

ـ إجابة: بكل تأكيد؛ فرغم مرور عشرة أعوام على ابتكاري لهذا الفن الأدبي (12/9/2013)؛ إلا أنه ما زال في مرحلة التجريب، والتطور، و لأن رابطتنا العربية للومضة القصصية هي الرابطة الرائدة في هذا المجال؛ فقد استطعنا من خلال مسابقتنا اليومية على مدي السنوات الماضية؛ أن نحصل على آلاف النصوص التطبيقية المعبرة عن هذا الفن الأدبي بأقلام بعض كتابنا، إلا أن البعض الآخر؛ ما زال في حاجة لإدراك كنه هذا الفن على نحو دقيق، وهو ما يدفعني دوما للتواصل معهم على الخاص للتعديل والتصويب وصولا بنصوصهم إلى أفضل صياغة تتسق مع ما أرسيته من أسس وقواعد لهذا الفن، الذي ابتكرته وأرعاه وأدعمه وأدافع عنه ضد العشوائية والارتجال... وإذا كنا نتحرى الدقة فيما ننشره في مجموعتنا الرائدة ـ إلى حد كبيرـ فإن ما يتم نشره في المجموعات الأخرى التي تحمل اسم القصة الومضة أو (الومضة القصصية) زورا وبهتانا؛ لا يمت لهذا الفن الأدبي بصلة...

* سؤال: تقول أنك وضعت شروطا ومعايير وقواعد للومضة القصصية؛ كيف يستقيم هذا مع حرية الإبداع، وحق المبدع في التحليق دون قيود و محددات؟.

ـ إجابة: لا يوجد فن في الدنيا يمارس بشكل عشوائي، فأرقى الفنون الحركية (الباليه) يحتم على المبدع أن يرقص وهو يتحرك على أطراف أصابعه ـ وهو الأمر الذي يقيد حرية الإنسان في السير الطبيعي على قدميه... فإذا ما تحدثنا عن الفنون الأدبية، وجدنا أن كل فن من تلك الفنون له قواعده ومحدداته التي تميزه عن غيره أيضا؛ فالشعر يُعرف أنه شعر من خلال التزامه بقواعد وضوابط ومحددات، كذلك الرواية و القصة... إلخ، ومن هنا جاءت ضرورة وضع تلك القواعد التي تميز (الومضة القصصية) عن باقي الفنون الأدبية الأخرى، ذلك لأن حرية المبدع ليست حرية مطلقة، لكنها حرية إبداع داخل الإطار المحدد للفن الذي يبدع فيه، ويمنع الاعتباطية والعشوائية والارتجال.

* سؤال: أليست (الومضة القصصية) متداخلة مع القصة القصيرة جدا، و مع الهايكو، رغم ما أشرت إليه وتصر عليه من وجود ضوابط و قواعد تميزها عن غيرها من الفنون الأدبية الأخرى؟. 

ـ إجابة: إن الباحث المنصف يستطيع من خلال المرتكزات البنيوية، والنماذج التطبيقية لكل فن أدبي من الفنون الثلاثة، أن يدرك الفارق الكبير بينها و بين بعضها، من خلال مقاربات نصية تعتمد الصدق في التعاطي بعيدا عن الحكم المسبق، وقبل أن أعرض لبعض النماذج الموضحة لهذا الأمر، دعونا نعرض تعريفا موجزا لكل منها:

ـ القصة القصيرة جدا (ق. ق. ج): "هو نوع حديث من الأدب انتشر في الفترة المعاصرة بشكل واسع وأصبح نوعاً سردياً قائماً بذاته، ويعتبر بالحجم أصغر من القصة القصيرة؛ قد لا تتجاوز بضعة أسطر وأحياناً قد لا تكون أكثر من سطر واحد".

ومن هذا يتضح أن القصة القصيرة جدا: هي (قصة قصيرة) بكل ما تحمله من خصائص، لكن بشكل أصغر حجما ـ كما ورد في التعريف الوارد عاليه ـ وكما توضحه النصوص التطبيقية لهذا الفن الأدبي، وهذا نموذج من كتاباتي في القصة القصيرة جدا:

ملاحقة: في الصباح لملم همومه وألقاها في البحر؛ تلقفتها سمكة. في المساء انتظرته على مائدة عشائه كي يأكلها.

ـ أما الهايكو: "فهو نوع من الشعر الياباني، يحاول شاعر الهايكو، من خلال ألفاظ بسيطة التعبير عن مشاعر جياشة أو أحاسيس عميقة. تتألف أشعار الهايكو من بيت واحد فقط، مكون من سبعة عشر مقطعا صوتيا (باليابانية)، وتكتب عادة في ثلاثة أسطر". ومن هذا يتضح أن الهايكو: هو لون من ألوان الشعر الياباني، وله خصوصية تتمثل في كونه يتكون من ثلاثة أسطر؛ وهذا نموذج للكاتب/ عبد الرءوف هيكل:

أهازيج الصباح

على أغصان الحديقة

تتبارى البلابل.

ـ أما الومضة القصصية: فهي فن أدبي ابتكرته من خلال المزاوجة بين أدب التوقيعات (أدب الحكمة) وفن القص، والنص فيه يتكون من شطرين فقط بينهما مفارقة، فضلا عن الإيحاء والإدهاش والخاتمة المباغتة، والتكثيف (الحد الأدنى لعدد الكلمات 2 والحد الأقصى لعدد الكلمات 8 كلمات)، ومن هذا يتضح أن (الومضة القصصية) تتميز بكون والدها التوقيع الأدبي (الحكمة) ووالدتها القص؛ لهذا فهي تتميز عن الـ(ق. ق. ج) بالحكمة، فإذا انتفت الحكمة؛ انتفت الومضة القصصية؛ مثال:

ـ وسطية: عاش بين بين؛ لم يبن. (مجدي شلبي)

ـ جبن: خاف الردى؛ أرداه الخوف. (حنان نصري)

* سؤال: أليست (الومضة القصصية) على هذا النحو تشبه الأمثال والحكم؟. ثم وهذا هو السؤال الأهم كيف تكون الومضة (قصصية) دون وجود كامل لعناصر القصة؟.

ـ إجابة: لقد ذكرت من قبل أن (الومضة القصصية) وليدة المزاوجة التي أجريتها بين أدب التوقيعات (أدب الحكمة) وفن القص، والوليد هنا قد يتشابه مع أبويه، لكنه تشابه لا يصل إلى حد التطابق، فعلى سبيل المثال:

هب أن شخصا اسمه سعيد تزوج من فتاة؛ فأنجبا طفلا أسموه أكرم؛ هذا الوليد رغم أنه يحمل بعض الجينات الوراثية من والده وبعض الجينات الوراثية من والدته، ويطلق عليه (أكرم سعيد) إلا أنه خلق جديد له كيانه المستقل وبصمته الخاصة، ولا يمكن بحال من الأحوال توقع مطابقته شكلا وموضوعا، فكرا وسلوكا مع والديه... فإذا ما أسقطنا هذا المثال على (الومضة القصصية) نستطيع القول أن هذا الوليد الذي نتج عن المزاوجة التي أجريتها بين فن تراثي (أدب التوقيعات "الحكمة") وفن حداثي (فن القص)؛ هو (وليد) له شخصيته المستقلة، وبصمته الخاصة المتفردة والمتميزة عن والديه، وعن باقي الفنون الأدبية الأخرى.

* سؤال: كيف تدعي ابتكارك للومضة القصصية وقد سبق أن كتبها طه حسين ومصطفى صادق الرافعي ومحمود مدكور... وغيرهم؟

ـ إجابة: إذا صح الزعم بوجود نصوص ـ كتلك التي نعرضها في رابطتنا ـ لكتاب سابقين؛ فلا يمكن اعتبارها (ومضات قصصية) ـ بالمعنى الدقيق ـ إلا إذا اتسقت مع ما وضعته معايير وضوابط؛ فليس كل نص مكثف هو (ومضة قصصية) ومن الأمثلة التي تظهر فيها المقاربة الشكلية، دون وجود المرتكزات البنيوية للومضة القصصية النص التالي للكاتب الأمريكي (إرنست همنجواي): للبيع: حذاء طفل، لم يُلبس قط.

* سؤال: لماذا تصر على أنك (مبتكر) الومضة القصصية؟

ـ إجابة: لأني بالفعل مبتكر هذا الفن الأدبي بلا منازع، ذلك من خلال مشروعي الأدبي (محاولة إحياء وتجديد التراث الأدبي بمزجه بما هو معاصر) فـ (الومضة القصصية: إحياء و تجديد أدب التوقيعات "تراثي" بمزجه بفن القص "حداثي")، ولم تكن (الومضة القصصية) هي منجزي الابتكاري الوحيد، بل سبقه عام 1998 ابتكاري (المقال المقامي: إحياء و تجديد أدب المقامة "تراثي" بمزجه بفن المقال "حداثي")، وقد كتبت عديد من المقالات المقامية في صحف ومجلات مصرية وعربية ثم جمعت بعصها في كتب أربعة: (لهذا وجب التنبيه ـ كلام و السلام ـ الرقص على سلم الصحافة ـ زواج على صفيح ساخن)...

وعندما انتقلت عام 2013 إلى ابتكاري للومضة القصصية؛ لم أشأ أن أكتب فيها وحدي، بل سعيت إلى إنشاء مجموعة أدبية على موقع التواصل الاجتماعي، نظمت من خلالها مسابقة يومية لتحفيز وتشجيع الكتاب على تجريب الكتابة في هذا الفن الأدبي طبقا لما أرسيته من أسس وما وضعته من معايير وضوابط، وهو ما أفرز ذلك الكم الكبير من الومضات القصصية، التي انتقي منها الأفضل والأكثر إبداعا للنشر في سلسلة (كنوز القصة الومضة).

* سؤال: هل تعتقد أن تلك الفنون الأدبية (المبتكرة) بديلا عن الفنون الأدبية التقليدية؟

ـ إجابة: لا يمكن اعتبار هذا انقلابا على الأجناس الأدبية التقليدية، لكنه محاولة لفتح مجال جديد ومبتكر أمام المبدع، ومن ثم إطلاق حرية القارئ أيضا للتحليق في فضاءات أكثر رحابة، ولا يمكن بحال أن يحل جنس أدبي محل آخر، فلكل فن أدبي كتابه الذين يبدعون فيه، وقراؤه الذين يستمتعون به.

* سؤال: ألا ترى أن سهولة كتابة الومضة القصصية؛ قد فتحت الباب لكل عابر سبيل أن يمتهن الأدب؟

ـ قد تبدو كتابة الومضة القصصية للوهلة الأولى أمرا سهلا، لكنها في واقع الأمر (السهل الممتنع والممتع معا)، وهو ما شجع البعض بالفعل على تجريب الكتابة من خلال مسابقتنا اليومية؛ منهم من صادف هذا الفن الأدبي ملكات و موهبة وقدرات لديه فأبدع فيه، ومنهم من آثر السلامة بعد أن اكتشف صعوبة ما بدا له في البداية سهلا يسيرا... المدهش أن الصنف الأخير، ينسحب ليس لاكتشافه عدم قدرته على الإبداع في هذا الفن الأدبي، وصعوبة الالتزام بضوابطه ومعايره فقط، لكنه ينسحب لينشئ مجموعات (أدبية) أخرى تتناسب مع قدراته، سعيا وراء (ومضات قصصية) بلا قيود، مجتذبا إليه أمثاله ممن استصعبوا الكتابة في هذا الفن الأدبي المبتكر، و هو الأمر الذي نتبرأ منه، ونعلن أنه لا علاقة له بالومضة القصصية، ولا علاقة للومضة القصصية به.

* سؤال: هل ترى أن (الومضة القصصية) قادرة على التأثير، و البقاء (الخلود) كجنس أدبي شأنها شأن الأجناس الأدبية التقليدية؟

ـ إجابة: لقد جاء هذا الفن الأدبي الميكرو سردي (بحسب وصف الناقد المغربي أ. عبدالمجيد بطالي) مواكبا لسرعة العصر، وهذا ما ساعد على انتشاره خلال فترة وجيزة نسبيا، فعشرة أعوام من عمر فن أدبي وليد؛ ليست بالمدة الطويلة، ومن هنا أتوقع أن يحقق في القادم من أعوام المزيد من الانتشار، فضلا عن ضرورة الاستمرار في الغربلة والتمحيص فيما يتم عرضه، وصولا إلى أفضل النصوص المعبرة عن هذا الفن الأدبي، موقنا أن الومضات القصصية الأكثر إبداعا وتميزا ستبقى ـ على مر الزمن ـ وستتداولها الأجيال لما فيها من حكمة وسلاسة وعمق، وبلاغة أيضا؛ فمعلوم أن علم البديع يُعنى بصياغة الكلام وتحسين الجمل وتزيينها باستخدام المحسنات البديعية، ومن ثم فهي مجرد حلية في جميع الفنون الأدبية، إلا أن ما يميز (الومضة القصصية) عن باقي الأجناس الأدبية؛ هو أن تلك المحسنات البديعية ليست مجرد حلية، بل هي جزء لا يتجزأ من النص، وللتدليل على ذلك نسوق بعض الشواهد للطباق، المقابلة، الجناس، السجع والاقتباس أو التناص:

(1) الطباق:

أ ـ طباق السلب: ـ مزمار: نفخوه؛ لم ينتفخ. (أحمد طه/ مصر)

ب ـ طباق الايجاب: ـ رُهَابٌ: درست الطِب؛ نهشتها السِقام. (غريبي بوعلام/ الجزائر)

ـ شفاء: افترى بعافيته؛ عالجه المرض. (حمدي عليوة/ السعودية)

(2) المقابلة: ـ يقين: ظلمه الواقع؛ أنصفه الحلم. (نورة عيساوي/ الأردن)

(3) الجناس:

أ ـ جناس تام: ـ جزاء: غارت؛ غارت. (منى سعد/ مصر)

ب ـ جناس ناقص: ـ هجر: تزوجها لجغرافيتها، طلقها لتاريخها. (علي العكشي/ ليبيا)

 (4) السجع: ـ حقارة: وجد البديل؛ أنكر الجميل. (علي العقابي/ العراق)

(5) الاقتباس أو (التناص) ـ مُعاصرة: عاد الهدهد؛ لم يجد سُليمان. (لقمان محمد ـ السعودية).

أعود إلى الإجابة على السؤال المطروح ؛ فأقول: لا ينبغي الحكم المسبق على مستقبل هذا الوليد، والتاريخ هو خير حكم، اتساقا مع قول الحق في محكم التنزيل: (فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض) الآية 17 من سورة الرعد.

* سؤال: ما الجديد الذي ستقدمه للومضة القصصية هذا العام 2023؟ 

إجابة: هذا العام و بالتحديد يوم 12/9/2023 سنحتفل باليوبيل البرونزي (مرور عشرة أعوام على ميلاد الومضة القصصية، وذلك بإقامة الملتقى السادس لرواد وعشاق الومضة القصصية الذي سأعلن عن الموعد والمكان الذي ستقيمه فيه قريبا بإذن الله؛ ونأمل خلال الفترة القادمة الانطلاق بالومضة القصصية إلى آفاق أرحب، من خلال سعينا لترجمة موسوعة (كنوز القصة الومضة) إلى لغات أخرى (الفرنسية والانجليزية).

وكل عام وكل كاتب وناقد من أعضاء رابطتنا العربية بخير وصحة وسعادة وتألق وتميز وإبداع.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(*) عضو النقابة العامة لاتحاد كتاب مصر ــ ومبتكر القصة الومضة

نُشر هذا المقال في صحيفة النهار العراقية بتاريخ 18 يونيو 2023