قراءات الأديب مجدي شلبي في الومضات القصصية الواردة في كتاب (رونق الوميض) للكاتب أ/ إبراهيم الشابوري

 قراءات الأديب مجدي شلبي في الومضات القصصية 

الواردة في كتاب (رونق الوميض) للكاتب أ/ إبراهيم الشابوري

وهن

تعلق بحبال الحياة؛ داهمته الوفاة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

العنوان (وهن): مفردة تعني حالة من حالات: الضعف، العجز، التعب... مما يدفع القارئ (بقوة) لاستشراف المتن الذي عبر عنه هذا العنوان:

ـ (تعلق بحبال الحياة) و هو تعبير مجازي أراد به الكاتب وصف حالة شخص داهمه المرض فأعياه، و خارت بسببه قواه، إلا أنه مستمسك بالحياة (الدنيا) (و بحبالها الواهية)، دون إدراك لحقيقة أن حبل الله المتين هو الأجدر بأن يستمسك به كل كيس فطن؛ يقول الشاعر (أحمد محرم):

من معشر غير أنكاس و لا وهن *** مستمسكين بحبل الله أكياس.

فماذا حدث لهذا الذي ركن إلى الدنيا الفانية، و لم يكن كيسا فطنا:

(داهمته الوفاة) فلا نفعه الاستمساك بالحياة لأنها زائلة، و لا قوَّاه ما ركن إليها و هي هلوك؛ يقول الشاعر (إيليا أبو ماضي):

لا تركننّ إلى الحياة فإنّها *** دنيا هلوك للرّجال قتول.

تلك هي الحكمة التي أراد الكاتب أن يوصلها من خلال ومضته القصصية، ببلاغة تكثيف، و بديع عبارة؛ محدثا مفارقة بين شطري النص، و طباقا بين كلمتي (الحياة/ الوفاة) و بين (التعلق/ المداهمة)، فضلا عن الاستعارة المكنية في (حبال الحياة) و (داهمته الوفاة)، و ما أحدثه من نغم موسيقي يثير النفس و تطرب إليه الأذن بالسجع بين (الحياة/ الوفاة).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تَقَاعُس

حلَّق بأحلامه؛ استيقظ في مكانه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

العنوان (تقاعس): تثاقل، تكاسل، تقاعد... يقول الشاعر (أحمد محرم):

أنرى الممالك كل يومٍ حولنا *** تسعى و نحن على الرجاء قعود.

و يقول الشاعر (معروف الرصافي):

له الله من واد تكاسل أهله *** فباتوا عِطاشا حوله و جياعا.

فعن أي شيء تكاسل و تقاعد (بطل) هذه الومضة القصصية المعروضة؟:

ـ (حلق بأحلامه): أي اكتفى بالتحليق بأحلامه الخيالية متقاعسا عن السعي لتحقيقها على أرض الواقع؛ غير عابئ بما يقوله الشاعر (أحمد شوقي):

و ما نيل المطالب بالتمني *** و لكن تؤخـذ الدنيا غلابا.

و ما استعصى على قومِ منالٌ *** إذا الإقدام كان لهم ركابا.

فماذا حدث لمن اتخذ من (التقاعس) عنوانا، و (التكاسل) سلوكا و (التقاعد) منهاجا؟:

ـ (استيقظ في مكانه): أي صحا و استفاق و انتبه على حقيقة قول الشاعر (جبران خليل جبران):

العيش فيما يراه يقظة شغلت *** بالسعي و الجد لا رؤيا و لا حلم.

 فكاد لسانه ينطق بقول الشاعر (بدر شاكر السياب):

و في غمرة أوهامي *** و في يقظة آلامي

سدى قضيت أعوامي *** على شطآن أوهامي.

و الكاتب في ومضته القصصية هنا يعرض تلك الصورة السلبية؛ لتكون عظة و عِبرة؛ (إنّ فيها عبرة للمستفيد) كما قال الشاعر (إيليا أبو ماضي)، أو ـ ما دمنا بصدد ومضة (برقة) ـ فلنقل (عَبرة من الإيماض) كما قال الشاعر (أبو تمام) و هي أيضا عَبرات ندم و دموع ألم، على ما آل إليه حاله، من ضياع لعمره في الأوهام، دون أن يتقدم خطوة إلى الأمام؛ (فلنأخذ مما ورد عبرة، و مما مضى خبرة).

هذه هي الحكمة التي أراد الكاتب أن يوصلها لقارئه من خلال ومضته القصصية، التي زاد من عظمة حكمتها؛ ذلك الحسن و البهاء، المتمثل في المقابلة بين شطري النص، و السجع في (أحلامه/ مكانه).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

نصيب

أسرع خطوه؛ أبطأه قدره.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

العنوان (نصيب): تلك المفردة قد تعني: حصة، سهم، قسط... و قد تعني: بخت، حظ، (قدر)... و المعنى الأخير هو المقصود طبقا لما ورد في خاتمة المتن: (أبطأه قدره)

و السؤال هنا: ما الذي جعل القدر يبطئه؟، هل السبب يكمن في أنه (أسرع الخطى)؟:

ـ الومضة القصصية هنا تفتح باب التأويل على دلالتين:

الأولى: أن تسرعه و استعجاله كان في الخير التزاما بالحكمة البليغة: (في الشر أجل، و في الخير عجل)؛ يقول الشاعر (إيليا أبو ماضي):

(لا خير في الشّيء انقضى وقته)

إلا أن (نصيب) هذا المبادر لفعل الخير لم يمهله قدره؛ فأعاقه عما عزم عليه، و هو هنا قد نال جزاء ما نوى فعله، و سعى إليه؛ مصداقا لقول رسولنا الكريم صلى الله عليه و سلم: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى).

الثانية: أن تسرعه و استعجاله لم يكن سعيا لخير، بل نهما و نهشا و سعرانا؛ على نحو وصف الشاعر (الشريف الرضي):

ما كان إقداماً و لكنه *** تسرع العير على الضيغم.

و لأن (في التأني السلامة و في العجلة الندامة)؛ كانت النتيجة أن كبح (القدر) جماح تسرعه، بوسيلة ما؛ أقصاها و أقساها (الوفاة).

و أعتقد أن القراءة الثانية هي المقصودة لكونها تحمل حكمة مبتغاة من الومضة القصصية؛ تحذر من التسرع، و تصور عواقبه، من خلال نص مكثف، طابق فيه الكاتب بين (أسرع/ أبطأه) في صورة مشهدية اتسمت ببلاغة الوصف و التعبير، باستخدامه الاستعارة المكنية و الجناس، كجزء لا يتجزأ من المتن ذاته، و تلك لعمري سمة من سمات فن (الومضة القصصية) التي تميزها عن غيرها من الفنون الأدبية الأخرى.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

اعْتِنَاء

أهمل الطبيب؛ اهتم الحانوتي.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

رغم أن عنوان (اعتناء) يعني: رعاية، اكتراث، اهتمام... إلا أن الكاتب بدأ الشطر الأول بأضداد تلك الكلمة؛ من خلال عبارة تحمل معنى (التخلي)، (الترك) و (عدم الاهتمام):

ـ (أهمل الطبيب): هذا الطبيب المهمل الذي وصفه الشاعر (معز عمر بخيت):

 طبيب يفقد الحس *** فيا حزني على وطني

فماذا كانت نتيجة إهمال هذا الطبيب لعمله، الذي يتلخص في معالجة المرضى و السعي لإشفائهم؟:

ـ (اهتم الحانوتي): كناية عن الوفاة، و هي عبارة ساخرة؛ حيث جاء (الاهتمام) بعد فوات الأوان، و كأن هناك تبادل أدوار بين (الطبيب و الحانوتي)، بين (الإهمال و الاهتمام) على نحو ما أوردت في توقيعي الأدبي: (الطبيب إما أن يريحك من الألم باهتمامه، و إما أن يريحك من الدنيا بإهماله!)؛ فمن لم يعالجه الطبيب؛ عاجله الموت.

و ما أورده الكاتب من نتيجة إهمال الطبيب؛ أراد به الإشارة إلى كل إهمال في أي مجال و مكان؛ و هو هنا يؤكد على حقيقة قول الشاعر (ابن مشرف):

والعلم إن كان أقوالا بلا عمل *** فليت صاحبه بالجهل منغمر

إن الدعوة للإخلاص في العمل هي الحكمة المنشودة من وراء هذه الومضة القصصية؛ يقول رسولنا الكريم صلى الله عليه و سلم: (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كآبة

وزع ابتساماته؛ اتهموه بالتفريط.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

العنوان (كآبة): أسى، أسف، حزن، غم، هم... يقول الشاعر (أبو الأسود الدؤلي):

وَ يلُ الخَلِيِّ مِنَ الشَجِيِّ فَإِنَّهُ *** نَصِبُ الفُؤادِ بِشَجوِهِ مَغمومُ

وَ تَرى الخَليَّ قَريرَ عَينٍ لاهياً *** وَ عَلى الشَجيِّ كَآبَةٌ وَ هُمومُ

و قد جاءت الومضة القصصية هنا معبرة عن تلك الحالة ببليغ عبارة، و دقة وصف:

(وزع ابتساماته؛ اتهموه بالتفريط).

و المتأمل في عبارة (وزع ابتساماته) يجدها تحمل من معاني الخير الكثير، اتساقا مع ما أمرنا به رسولنا الكريم صلى الله عليه و سلم: (تبسمك في وجه أخيك صدقة).

و (وزع ابتساماته) تعني: انفرجت شفتاه عن ثناياه ضاحكًا دون صوت؛ تلك البشاشة لا يستأثر بها لنفسه فقط، بل يوزعها بحب؛ فيبادله الناس ودا بود؛ يقول الشاعر (أبو الطيب المتنبي):

ولما صارَ ودُّ الناسِ خِبّاً *** جزيتُ على ابتسامٍ بابتسامِ

فهل أدرك أصحاب الكآبة فضل هذه الصفة الحميدة؟:

ـ يجيبنا الشطر الثاني من المتن: من أسف أنهم (اتهموه بالتفريط)، رغم أنه (إفراط) شرف و سيادة، يستحق المدح و الإشادة؛ اتساقا مع قول الشاعر (ابن نباتة المصري):

و لا عيبَ فيه غير إفراط سؤددٍ *** يشقّ على جهد المدائح حصره

غير أن التعساء لا يدركون تلك الحقيقة، بل يتبنون (إفراطا) من نوع آخر؛ فـ(يوزعون نكدهم) بكل بُغض، رغم ما حذر منه الشاعر محمد سليمان الأحمد (بدوي الجبل) في قوله:

تنزّه الحبّ عن منّ و عن نكد *** و قد ينغّص حسن النعمة النكد

تلك هي الحكمة البليغة التي عبرت عنها الومضة القصصية المعروضة، داعية للفرح دون فجور، و السعادة دون تهتك، و الابتسام دون ابتذال؛ على نحو ما ورد في قول الشاعر (جبران خليل جبران):

العدل في تصريفه شامل *** و الفضل مبذول بغير ابتذال.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

جزاء

اتخذهم زينة؛ اتخذوه رهينة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(جزاء): يا له من عنوان حمال أوجه؛ هل هو بمعنى: مكافأة، ثواب؛ على نحو ما ورد في الآية 60 من سورة الرحمن: (هل جزاء الإحسان إلا الإحسان)...

أم بمعنى: مؤاخذة و عقاب؟؛ على نحو ما ورد في الآية 17 من سورة الحشر (فكان عاقبتهما أنهما في النار خالدين فيها وذلك جزاء الظالمين).؟:

نطالع المتن بحثا عن إجابة؛ فنجد الشطر الأول يبلغنا بأن بطل النص: ( اتخذهم زينة )؛ من هم؟:

ـ إنهم الأبناء، بحسب ما ورد في نص الآية 46 من سورة الكهف (المال والبنون زينة الحياة الدنيا)؛ فماذا حدث نتيجة اتخاذه الأبناء زينة؟:

يجيبنا الشطر الثاني من المتن: (اتخذوه رهينة) و لفظ رهينة له معنى متداول: حجز إنسان دون إرادته لأجل تنفيذ طلب معين، أو الحصول على مال، و طبقا لهذا المعنى؛ يكون (إيداعه في دار مسنين، أو اتهامه بفقدان قواه العقلية و الحجر على ماله)؛ (جزاء) تدليله المفرط لهم، و الاعتزاز الشديد بهم... و هذا هو المعنى القريب؛ اتساقا مع المثل القائل: (إذا زاد الشيء عن حده؛ انقلب إلى ضده).

و هناك المعنى الآخر للفظ (رهينة): مرهون بعمله، ضامن له، و مأخوذ به، على نحو ما ورد في الآية 38 من سورة المدثر (كل نفس بما كسبت رهينة). و هو المعنى المتسق مع التناص الوارد في كلمتي: (زينة/ رهينة) فضلا عن جماليات الطباق بينهما و السجع فيهما...

و لا يفوتني هنا أن أشير إلى معنى قد لا يقصده الكاتب، لكنه وارد أيضا:

(اتخذهم زينة) فأغفل تربيتهم، و سعى إلى زينة المال لتكتمل وجاهته الاجتماعية، فما لبث أن أضحى عبدا (لزينتيه) رهينهما؛ فلا المال جمَّلَ أخلاقهم، و لا هم بأخلاقهم الفاسدة حافظوا عليه.

ـ يقول سقراط: "التربية الخلقية أهم للإنسان من خبزه و ثوبه".

ـ يقول أرسطو: "جذور التربية مُرة، لكن ثمارها حلوة."

ـ يقول المثل الألماني: "من يحب كثيرا يعاقب كثيرا."

ـ يقول الشاعر/ صالح عبد القدوس:

و إِن من أدَّبته في الصبا *** كالعودِ يُسْقي الماءَ في غرسِه

حتى تَراهُ مُورِقاً ناضراً *** بعد الذي أبصْرتَ من يُبْسهِ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ائْتِمَان

وهبها الثقة؛ كافأته بالخيانة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

العنوان (ائتمان): ثقة، أمانة و الأصل فيها: هو أن تعدَّ المرء أمينًا؛ (ائتمنَ يأتمن، ائتمانًا، فهو مؤتمِن، و المفعول مؤتمَن).

يطالعنا الشطر الأول من المتن بكلمتين (وهبها الثقة) و هي عبارة ضمنية مفادها: زوجٌ وثق في زوجته، و ائتمنها على شرف بيته و عرضه... فتُرى هل قدرت الثقة، و حافظت على الأمانة؟:

ـ يجيبنا الشطر الثاني بأنها (كافأته بالخيانة)!، و معلوم أن (المكافأة) في اللغة: قد تكون ثوابا على نحو ما أورد الشاعر (بهاء الدين زهير):

فالنّاسُ بالنّاسِ وَالدّنيا مكافأة ٌ *** و الخيرُ يذكرُ و الأخبارُ تنتقلُ

و قد تكون عقابا؛ على نحو ما ورد في المثل: (كافأَنِي مُكافأَةَ التِّمْسَاحِ)

و من ثم تكون للومضة القصصية المعروضة أكثر من قراءة:

الأولى: أن خيانتها جاءت نتيجة ما جُبلت عليه من فسق و فجور، و هنا لا فرق بين ثقته أو شكه؛ فـ(الطبع يغلب التطبع)؛ يقول الشاعر (ابن شهاب الأندلسي):

فميلهن حاصل من النظر *** ضرورة إذ ذاك من طبع البشر

و في قراءة ثانية: أنه رجل مفرط في مشاعر (الثقة) و مشاعر (الشك) أيضا؛ و من ثم فهو لا يعرف التوسط و الاعتدال، الذي من المفترض أن يكون عليه (حازما بغير قسوة)، (لينا بغير رخاوة)؛ يقول الشاعر (ضَابِئُ بن الحارِث):

وَ فِي الشَّكِّ تَفْريطٌ وَ فِي الحزْمِ قُوَّةٌ *** و يُخْطِئُ فِي الحَدْسِ الفَتى و يُصِيبُ

و في قراءة ثالثة: أن هذا الزوج (وثق في زوجته) ثقة صورية بمعنى: غض الطرف عن أفعالها، و ترك الحبل على الغارب لها، لقاء أن تمنحه (ثقتها) ليفعل ما يحلو له؛على طريقة (كما فعلت؛ افعلي)؛ و هو ما حذر منه الشاعر (أحمد محرم) في قوله:

إذا غوت الهداة فلا رشيدٌ *** وإن خان الرعاة فلا أمين.

و تلك هي الحكمة التي أرى أن الكاتب أراد أن يوصلها للقارئ من خلال ومضته القصصية، المتسقة مع نصيحة الإمام (علي بن أبي طالب):

أدِّ الأمانةَ و الخيانةَ فاجتنبْ *** و اعدلْ و لا تظلمْ يطيبُ المكسبُ

و تجدر الإشارة إلى أن الكاتب ـ كما عودنا ـ قد اختار ألفاظ ومضته القصصية بعناية فائقة، مفرقا بين (الهبة) و (المكافأة) فضلا عما أحدثه من مفارقة مدهشة بين (الثقة) و مقابلها (الخيانة).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ثمار

رواها بعرقه؛ مَلُحَت.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

إذا كان جمع كلمة (ثمرة): ثمار، ثَمَرات، أثمار، ثُمُر، فقد اختار الكاتب الجمع (ثمار) ليكون عنوانا لومضته القصصية؛ فعن أي (ثمار) أو ثمرات أو أثمار أو ثمر يحدثنا المتن؟:

ـ يجيبنا الشطر الأول منه (رواها بعرقة)؛ فندرك أن المقصود هنا هو (الأرض) التي تُزرع فتنتج الثمار؛ و ما ريها إلا تعبير عن فلاحته لها، و اهتمامه بها؛ فكلمة (ري) لها معانٍ عديدة منها:

ـ (يعيش في ري: في حسن حالٍ و نعمة)، (ريان الوجه: كثير اللحم)؛ يقول الشاعر حسن بن علي بن جابر الهبل اليمني (الهبل):

حتى ينسون من ري ومن شبع *** قوما لهم أكبد للجوع حراء

ـ كما أن (ريان الأغصان: الأخضر الناعم) فضلا عن المعنى المتداول: روِي من الماء و نحوِه: شرِب و شبِع حتى ذهب عطشُه... و هكذا كانت الأرض عطشى، لسان حالها يصدح بما ورد من وصف نقله (أبو علي محمد بن الحسين الجازري):

اسقِني قَبلَ تَبارِيحِ العَطَشْ *** إنّ يَوْمي يوْمُ طشٍّ بَعدَ رَشْ

فاستجاب العاشق (الفلاح) لمعشوقته (الأرض)؛ فـ(رواها بعرقه)؛ فماذا حدث لها؟:

ـ (ملحت)؛ يقول الشاعر (ابن نباتة المصري):

أيا ملكاً لولا حماهُ وجودهُ *** لما ملح المرعى ولا عذبَ الوردٌ

لقد استخدم الكاتب بذكاء و حرفية كلمة (ملحت) لكون العرض مالح، طبقا لمعنى (مَلُحَ الْمَاءُ): صَارَ مِلْحاً غَيْرَ عَذْبٍ، ثم أسقطه على معنى (مَلُحَ مَنْظَرُهُ): حَسُنَ وَ رَاقَ؛ و من ثم فإن ملح عرقه، الذي روى به أرضه؛ جعلها (مليحة: خصبت و أثمرت) و هو جناس معنوي أضفى للنص جمالا، فضلا عن اتساقه مع المثل الشهير:(من جد وجد و من زرع حصد) و تلك هي الحكمة البليغة التي أراد الكاتب أن يوصلها إلى قارئه في صياغة تتسم بالبلاغة و العمق من خلال ثلاث كلمات فقط.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وهم

عاشرته في الخيال؛ اشترت سرير أطفال.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

العنوان (وهم): و (الوهم) في علم النفس: اعتقاد خاطئ يؤمن به المرء بقوة، بالرغم من عدم وجوده في الواقع، ويدل (وسواس الوهم) على مرض عقلي، ذلك لأن ارتباط الوهم بالخيال (المريض) أكثر من ارتباطه بالواقع؛ يقول الشاعر (عمر الخيام):

إِنَّ هَذِي الدُّنْيَا أَسَاطِيرُ وَهْمٍ *** وَ خَيَالٍ وَ الْعُمْرُ كَالرِّيحِ سَارِي

و تتعدد الأوهام التي منها ما ورد في متن الومضة القصصية المعروضة:

ـ (عاشرته في الخيال؛ اشترت سرير أطفال)

تقول الشاعرة (غادة السمان):

مطلقة السراح من وهم أسطورتك *** كأية فراشة جشعة

و يقول الشاعر (عبدالله الفيصل):

منهم على وهم و لمع سراب ***وسمعت قلبي في الضلوع معاتبي

فماذا فعلت تلك الواهمة التي حلقت بخيالها، لدرجة توهمها أنها عاشرت حبيبها؟:

ـ (اشترت سرير أطفال)!؛ أي ساقها الخيال إلى فعل واقعي، مترتب على ذلك الوهم!؛ اتساقا مع قول الشاعر حافظ بن سفيان البغدادي (ابن أبي الدنيا):

أخُوضُ مِنَ الدُّنْيَا غُرُورًا كَأَنَّهُ *** سَرَابٌ مِنَ الْآمَالِ وَ اللَّهْوِ وَ الْمُنَى

يقول الشاعر (ابو البقاء الرندي):

دعِ الأوهامَ إِن حاولتَ أمراً *** فإِن مغبةَ الوهمِ الهوانُ

تلك هي الحكمة البليغة التي أراد الكاتب أن يوصلها لقارئه من خلال ومضته القصصية المعبرة، و التي جاءت في إطار صورة مشهدية ساخرة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

رَوْنَق

تشوهت خِلقته؛ جمله خُلقه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

نحن إزاء ومضة قصصية بدأت بعنوان (رونق): جمال، حُسن، ملاحة، وضاءة، بهاء... و انتهت بـ(جمال خُلق)، و ما بين البداية و النهاية؛ أمر شكلي لتشوه خِلقي لا ذنب فيه للمتصف به...

فالذين يهتمون بالمظهر و يهملون الجوهر؛ عليهم مراجعة موقفهم، فكم من هيئة خدعت الناظرين؛ على نحو ما أشار إليه المثل الشعبي الحكيم: (من بره هالا هالا، و من جوه يعلم الله)، و هو تعبير عن تلك المسافة الشاسعة بين الشكل و المضمون، المظهر و الجوهر، الأفعال و الأقوال، الوزن و القيمة، المتن و الثيمة، الظاهر و الباطن، الشكلانية و العمق، العبادات و المعاملات، السر و العلن، القلوب و الأبصار، الروح و الجسد، القشور و المقاصد، و (الخِلقة و الخُلق)...

هنا لنا وقفة مع عظمة و جمال اللغة العربية؛ حيث تجد للكلمة الواحدة أكثر من معنى طبقا لضبط و تشكيل الحروف:

الخِلْقَةُ: الهيئة و الشكل و البنية

الخُلُق: السلوك

الخَلَقُ: البالِي من الثِّياب

الخلق: مخلوقات الله و عباده

و قد استطاع الكاتب أن يوظف الكلمة الواحدة بمعنيين من تلك المعاني الواردة بالجناس البديع بين (خِلقته/ خُلقه) فضلا عن روعة الطباق بين (تشوهت/ جمله)...

و لا يتبقى لنا في تلك العجالة إلا أن نشيد بمثل هذه الومضات القصصية، التي تلتزم بكون هذا الفن الأدبي الذي ابتكرته و أرعاه و أدعمه؛ ناتج عن تزاوج بين (أدب الحكمة) و (فن القص) و هو الأمر الذي استطاع الكاتب هنا أن يبرزه في نصه بشكل واضح جلي و نموذجي أيضا...

لقد أعلت هذه الومضة القصصية قيمة و مكانة و قدر الأخلاق، التي هي أصل الدين؛ يقول الرسول الكريم صلى الله عليه و سلم: (إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق)

و يقول عنه رب العزة سبحانه و تعالى في محكم التنزيل: (وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ) الآية 4 من سورة القلم

و ها هو الشاعر أحمد شوقي يشير إلى قيمة الأخلاق في نهضة الأمم و الشعوب فيقول:

إنما الأمم الأخلاق ما بقيت *** فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا

صلاح أمرك للأخلاق مرجعه *** فقوّم النفس بالأخلاق تستقم

و من قصيدته التي مطلعها ( قم للمعلم وفه التبجيلَ ) يقول:

وإذا أصيب القوم في أخلاقهم *** فاقم عليهم مأتماً و عويلا.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ترقب

لاح حلمه؛ توَارى نومه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

العنوان (ترقب): توقع، انتظار، ترصد...

و ها هو المتن يحدثنا عن (ترقب الحلم) الذي (لاح: ظهر)

يقول الشاعر (علي محمود طه):

رنا حيث ترقب أحلامه *** خيالك في الموعد المنتظر!

و يطيب لي هنا أن أشير إلى ما في لغتنا العربية من قدرة على تغيير معنى الكلمة الواحدة إذا ما تغير ضبط حروفها؛ فـ(الحِلْمُ "بكسر الحاء و سكون اللام": العقل، الأَناةُ و ضبطُ النَّفْس)؛ يقول (ضَمْرَةَ بْنِ حَبِيبٍ):

الْحِلْمُ زَيْنٌ وَ التُّقَى كَرَمٌ *** وَ الصَّبْرُ خَيْرُ مَرَاكِبِ الصَّعْبِ

أما (الْحُلُمَ "بضم الحاء و اللام": بلوغ سن الرشد و هو سن خروج المني)؛ يقول الحق ـ سبحانه و تعالى ـ في محكم التنزيل: (وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ۚ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ) الآية 59 من سورة النور.

أما (الحُلْمُ "بضم الحاء و سكون اللام": فهو ما يراه النائم في نومه و الجمع: أحْلامٌ)؛ يقول (الحسن البصري):

أحلامُ نومٍ أو كظلٍ زائلٍ *** إِن اللبيبَ بمثلِها لا يُخدعُ

و بالعودة لمتن الومضة القصصية المعروضة؛ نجد أن (بطلها)؛ حدث له ما عبر عنه الشاعر (بدر شاكر السياب):

على درب من الهمسات في حلم *** بلا نوم يرف على جفوني

لقد (لاح حلمه)؛ فلم يستكمل نومه، بل (توارى نومه) ليكون في استقبال هذا الحلم، ساعيا نحوه بهمة و نشاط؛ لحيازته، و إنجازه، و تحقيقه؛ و من ثم يخاطبه (حلمه الذي لاح) بشطر بيت للشاعرة (نازك الملائكة):

لك تحقيق كلّ حلم جميل *** ...

و الكاتب هنا في ومضته القصصية يحث القارئ على عدم تفويت الفرص المتاحة، و عدم الاستسلام للأحلام؛ بل عليه الانتباه لها، و الاستفادة منها، و السعي لتحقيق ما قد يبدو حلما على أرض واقعه، متسلحا بيقظة وعي، و رباطة جأش، و قوة إرادة؛ يقول الشاعر و الفقيه (الشريف المرتضى):

ريانُ من ظفرٍ ونيلِ إرادة *** ملآنَ بالإسعافِ والإسعادِ.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مَلاَمَة

زُرته بعد لأي؛ نأى.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

العنوان (ملامة): عتاب، تأنيب، تقريع، توبيخ...

تُرى عن أي فعل استحق (بطل) الومضة القصصية المعروضة: العتاب، التأنيب، التقريع، التوبيخ؟:

ـ يجيبنا الشطر الأول من المتن (زُرته بعد لأي): أي زرته بعد مشقة، صعوبة و إبطاء... فهل فرح المزور بزيارة زائره على نحو وصف الشاعر (عبد الغني النابلسي):

وعادة النور في الظلماء يذهبها *** هذا القياس الذي ما فيه إبطاء؟:

ـ يجيبنا الشطر الثاني بأن المزور قد (نأى): ابتعد؛ يقول الشاعر (ابن الرومي):

فإذا دنا أنأى أخا كَلفٍ *** و إذا نأى أدناه مضجعهُ

ـ تلك الصورة المشهدية التي جسدتها الومضة القصصية المعروضة (دنو قابله بنأي)، غير مقدر لتلك الظروف القاهرة التي أخرته عن زيارته من قبل؛ يقول الشاعر (ابن عبد ربه):

أرهقتْنا ملامة ً *** بعدَ إيضاحِ عُذْرِنا

و الكاتب هنا يدعو القارئ من خلال ومضته القصصية ـ التي جاءت على نحو مكثف، مفارق و مدهش ـ إلى:

1ـ أن نلتمس الأعذار لبعضنا البعض، في ظل ما نحن عليه من حاجة إلى عفو الله، و رجاء قبول توبتنا عما بدر منا؛ يقول الشاعر (عمر الخيام):

كُنْ قَابِلاً عُذْرِي إِلَيكَ وَ تَوْبَتِي *** يَا قَابِلَ الأَعْذَارِ وَ التَّوْبَاتِ

2ـ من ناحية أخرى ترسل الومضة القصصية المعروضة تحذيرا ـ ضمنيا ـ إلى (الزائر) و غيره ممن يفعلون أفعالا قد يلامون عليها؛ يقول (عمر بن الوردي‏):

أطلِ افتكاركَ في العواقبِ و اجتنبْ *** أشياءَ محوجةً إِلى الأعذارِ

و إن ابتليت بزلة و خطيئة **** فاندم و بادرها بالاستغفار.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بعث

رمقتهُ؛ سَدَّت رَمَقَه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

العنوان (بعث): انبعاث، قيامة، إحياء...

و ما أن ندلف إلى المتن حتى يفاجئنا الشطر الأول بكلمة (رمقته)، و معلوم أن: رمَق الشَّيءَ: أدام النظر إليه؛  (رمَقَ يَرمُق، رَمْقًا، فهو رامِق، و المفعول مَرموق).

فإذا كانت قد (رمقته)؛ فقد أضحى هو (مرموقا): و هي صفة ذات دلالة معنوية عظيمة (شخصيّة مرموقة: ذات مكانة بارزة في المجتمع، منزلة عالية).

و يبدو أن تلك (الرمقة) كانت استجابة للسان حاله الذي عبر عنه الشاعر (عبد السلام العجيلي) بقوله:

أنا المعذّب ظمآنٌ، و ما ظمأي *** إلا إليكِ، فهل أبقى على رمق؟!

و هنا يتضح المعنى الآخر لمفردة (الرمق): بقيَّة الروح (بقية حياة)، و منه (الرمَق الأَخير: أَي اللحظةُ الأَخيرَة قَبلَ الوَفاةِ)

فترى ما الذي أحدثته رمقتها التي جاءت استجابة (عاطفية) لاستغاثته؟:

ـ يجيبنا الشطر الثاني من المتن (سدت رمقه)، أي أن (رمقتها: إدامة نظرها إليه)؛ (سدت رمقه: أي أنقذته من الموت)؛ اتساقا مع قول الشاعر:

 

كأنها الشمس في جفانها حورٌ *** تميتنا نظرةٌ منها وتحيينا

ترنو إلينا بعينيها فتجرحنا *** عينٌ وعينٌ من الأخرى تداوينا.

ومضة قصصية استطاع الكاتب بمهارة و حذق أن يستخدم الجناس في كلمة (رمق) كمحسن بلاغي في متن مكثف (يتكون من ثلاث كلمات فقط) مجسدا صورة رومانسية؛ عبر من خلالها عن حقيقة ما للعاطفة من تأثير على الإنسان، و أهمية أن يحل الحب محل الكراهية و البغض؛ يقول الشاعر (نزار قباني):

أسائل دائما نفسي: *** لماذا لا يكون الحب في الدنيا؟

مثل أشعة الفجر

مثل الماء في النهر

و مثل الغيم و الأمطار

و الأعشاب و الزهر

أليس الحب للإنسان *** عمراً داخل العمر؟...

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

رُقِيٌّ

حاربوا الجسد؛ تسامت الروح.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

العنوان (رقي): ازدهار، مجد، رفعة، سمو...

تقول الشاعرة (وردة اليازجي):

رقي أوجَ العلآءِ و ليسَ بدعٌ *** فإنَّ البدرَ في أَعلى مقامِ

فإذا ما طالعنا الشطر الأول من المتن: (حاربوا الجسد)؛ استوقفتنا تلك العبارة التي أضمرت الفاعل و المفعول به، و اكتفت بذكر الفعل المتمثل في شن حرب على جسد إنسان، و هي إما أن تكون حربا مادية أو معنوية، الهدف منها إما القضاء عليه قضاء مبرما، أو تشويه سمعته و محاولة النيل من مكانته، و هي في الحالتين حرب شرسة يتسق وصفها مع وصف الشاعر (علي محمود طه):

حرب إذا ذكرت وقائع يومها *** شاب الحديد، لهولها، و النّار

تلك الحرب على الجسد؛ مبعثها ـ في الأغلب الأعم ـ الغل و الحقد و الحسد.

فماذا كان رد الفعل على تلك الحرب الضروس؟:

ـ يجيبنا الشطر الثاني: (تسامت الروح)؛ فياله من رد فعل راق، ينم عن علم حقيق، و إيمان عميق؛ يقول الشاعر (أمين تقي الدين):

و ما الدنيا سوى حرب ضروس *** وجدت سلاحها علما ودينا

و يقول الشاعر (بشرُ بنُ أَبي خازِم):

إذا ما شمرتْ حربٌ سمونا *** سموَّ البزلِ في العطنِ الرحيبِ.

تلك هي الحكمة التي أراد الكاتب أن يوصلها إلى قارئه، من خلال نص مكثف، و مقابلة بين الشطرين (حاربوا الجسد/ تسامت الروح) على نحو مفارق، مدهش، موح و بخاتمة غير متوقعة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

حسد

اتسعت الفرحة؛ ضاق الخاتم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

العنوان (حسد): النَظَر بغل و حقد إلى نِعمة عند الغير؛ طمعا بها وتمنَّى زَوالها والاشْتهاء لها.

و لا يحدث الحسد إلا على نعمة مسداة، و فرحة مهداة، و فضائل ممدودة، و مآثر محمودة، يقول الشاعر (الشريف الرضي):

و أبي الذي حسد الرجال قديمه *** إنّ المَنَاقِبَ آيَة ُ المَحْسُودِ

ـ و قد ورد المتن في شطره الأول بعبارة (اتسعت الفرحة)؛ فإذا ما ربطنا بينها و بين العنوان؛ توقعنا حدوث نتيجة غير سعيدة.

فالفرحة يقابلها الحاسد بحزن، و البهجة يقابلها بكآبة، و السعادة يقابلها بهم و غم... و من ثم لا فرح في ظل وجود الحساد؛ يقول الشاعر (فاروق جويدة):

لا فرح يا ولدي هناك ***  و لا أمان... و لا سكن!.

و من عجب أن أضحى الحسد يأتي من جانب بعض الأقارب؛ اتساقا مع المثل القائل: (بعض الأقارب؛ عقارب)، و من بعض الأصدقاء الذين يخفون غيرتهم و حسدهم خلف قناع المودة الزائفة؛ يقول الشاعر (عامر محمد بحيري):

حسدٌ تموتُ به النفوسُ وغيرةٌ *** تخفى وراءَ تَبَسُّمٍ وعِناقِ

ويَدٌ تصافحُ و هي لو حققتها *** أفعى تصولُ رهيبة الأشداقِ.

ـ فماذا حدث نتيجة ذلك الحسد في تلك الفرحة التي اتسعت؟:

ـ يجيبنا الشطر الثاني بعبارة (ضاق الخاتم)؛ كناية عن حالة الضيق التي أعقبت السعة، حتى أن (الخاتم) الرمز المعبر عن حالة خطبة؛ تحولت إلى خطب.

فإذا ما خلت النفوس من الضغينة، الحقد، الحسد؛ صفت الحياة، و عم الفرح و شمل الجميع؛ يقول الشاعر (أحمد محرم):

صفت الحياة فلا بلاء شامل *** يؤذي النفوس و لا عذاب واصب.

تلك هي الحكمة البليغة التي أراد الكاتب أن يوصلها إلى قارئه من خلال نص مكثف، مطابقا بين (اتسعت/ ضاق)، مستخدما الاستعارة المكنية كوسيلة للتعبير البلاغي.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

إغواء

أغراها بحره؛ أغرقها وحله.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

العنوان (إغواء): تضليل، إمالة عن الطريق المستقيم، و استمالة إلى الأهواء...

فها هي الفتاة التي (أغراها بحره): كناية عن ميلها إليه، و تعلقها به، تسبح في بحر حبه؛ اتساقا مع قول (نزار قباني):

كما الأسماك في البحر *** كما الأقمار في أفلاكها تجري

و هو حب يصوره (بدر شاكر السياب) في قوله:

حب يشد حولي ذراعيك و يدني من الشفاة الشفاها *** و اشتياق كأنما يسرق الروح فما في العيون إلا صداها!

و لأن (مرآة الحب عمياء) كما يقول المثل؛ فقد أعمتها عن رؤية الثقوب التي في سفينته التي أعجبت بها، و أبحرت فيها، ثم ما لبثت أن دفعتها الأمواج إلى الهاوية، و هكذا بعد أن (أغراها بحره)؛ (أغرقها وحله): كناية عن ظهوره على حقيقته الدنيئة؛ يقول الشاعر (أحمد شوقي):

و ربَّ حقيقة ٍ لا بدَّ منها *** خدعْنا النَّشْءَ عنها و السَّوادا

و من ثم تتضح الحكمة التي أراد الكاتب أن يوصلها إلى قارئه؛ وهي التريث و إعمال العقل في الحكم على الآخرين، و عدم الانسياق نحو العاطفة الجامحة، فبين الإغراء و الإغواء علاقة تنحو نحو الضلال.

ومضة قصصية اتسمت بالبلاغة اللفظية من جناس ناقص بين (إغراء/ إغراق) و سجع في (بحره/ وحله).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

اقْتِرَان

صعب الحلال؛ سهل الحرام.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

العنوان (اقتران): علاقة، ارتباط...

و (العلاقة) بين شطري المتن (صعب الحلال)؛ (سهل الحرام) يلخصها قول الشاعر (عبد الغني النابلسي):

علاقة و هي السبب *** و ذاك سرّ مكتمن.

فـ(صعب الحلال): عبارة مقصود بها صعوبة تكاليف الزواج، بما لا يتناسب مع الظروف المادية المحدودة للشباب، فضلا عن انتشار ظاهرة البطالة.

و من ثم (سهل الحرام): تحقيقا لنظرية البدائل (السهولة بديلا عن الصعوبة)، غير أنها سهولة الفحش بديلا عن عفاف الحلال؛ يقول الشاعر (الشريف الرضي):    

إن تستعضك المعالي بعد ذاك فقد *** أفحشن في بدل منه و في خلف.

و من ثم تأتي الومضة القصصية المعروضة ـ ببلاغتها اللفظية و محسناتها البديعية ـ محذرة من المغالاة في المهور، و داعية لما أمرنا به رسول الله صلى الله عليه و سلم: (إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مآل

ركب الموجة؛ أغرقه الإعصار.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

العنوان (مآل): حصيلة، عاقبة، نتيجة...

يقول الشاعر (عبد الغفار الأخرس):

و مهذب سبق المقال بفعله *** حيث الفعال نتيجة الأقوال

فهل كان (بطل) الومضة القصصية المعروضة مهذبا في فعله، حكيما في تصرفه؟:

ـ يجيبنا الشطر الأول (ركب الموجة): كناية عن مسايرته لما هو سائد ـ رغم عدم صوابه ـ سعيا وراء الحصول على مغانم، أو تحقيق مصالح، أو إحراز شهرة؛ اتساقا مع قول الشاعر (غازي القصيبي):

هام في مرافئ الجنون *** كسندباد أحمق مأفون

و هو (بركوبه الموجة) السائدة، و مسايرته التيارَ، و اتباعه للآخرين لم يدرك حقيقة ما تمثله (الموجة) من صفات الاضطراب، التذبذب، التردد و عدم الثبات: (موجة صوتية: تتصف بالتردد و التذبذب) و (موجة مائية: قمة متحركة تتصف بعدم الثبات).

فماذا حدث لمن (ركب الموجة) و أصبح جزءا لا يتجزأ منها (يموج حيث تموج)؟:

ـ يجيبنا الشطر الثاني (أغرقه الإعصار): كناية عن مصيره المحتوم اتساقا مع المثل: (موج النفاق زهوق)، و هو مصير كل منافق أو (إمعه)؛ يأمرنا رسولنا الكريم صلى الله عليه و سلم: (لا تكونوا إمعة تقولون إن أحسن الناس أحسنا وإن ظلموا ظلمنا ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساءوا فلا تظلموا).

تلك هي الحكمة البليغة التي أراد الكاتب أن يوصلها لقارئه من خلال ما جسده من مصير مهلك لكل اتكالي متطفل.

و رغم أن (ركوب الموجة) هي عبارة رمزية، إلا أن العالم المجنون قد حولها إلى ممارسة رياضية، (رياضة ركوب الموج) و يطلق عليها (الرَكْمَجَة) من (ركوب + موج)، و تتمثل في ركوب متن الأمواج المتكسرة على الشاطئ بواسطة ألواح خاصة)!. و (لله في خلقه شؤون).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

إسقاط

اهتزت ذكورته؛ شوه رجولتهم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

العنوان (إسقاط): للإسقاط في لغتنا العربية معان عديدة، منها:

ـ في الحرب: (إسقاط جوي: إنزال وتوصيل الموادّ أو الجنود بالمظلات)، (إسقاط طائرة: تحطيمها).

ـ في السياسة: (إسقاط الحكومة: سحب الثقة منها)

ـ في الطب: (إسقاط الجنين: إلقاء المرأة جنينها في شهوره الأولى)

ـ كلمة (إسقاط) في الآداب تعني: خلع الشّاعر مشاعره على الحيوانات و الأشياء الطبيعية و غيرها.

ـ و كلمة (إسقاط) في علم النفس تعني: نسبة الإنسان لا شعوريًّا حوافزه و أفكاره إلى الآخرين، كأن ينسب الكذَّاب الكذبَ إلى غيره... و هو المعنى المقصود في الومضة القصصية المعروضة؛ حيث بدأت بشطرها الأول (اهتزت ذكورته): كناية عن عدم قدرته على أداء دوره الذكوري في علاقته الزوجية على نحو جيد؛ فالاهتزاز في اللغة له معان عديدة منها: الاضطراب، السرعة، عدم القدرة على الإيلاج.

يقول الشاعر حسن بن علي بن جابر الهبل اليمني (الهبل):

و استجلها عذراء شاب لحسنها *** فود الوليد و بان نقص زياد.

فماذا فعل هذا (الذكر) الذي خانته ذكورته؟:

ـ (شوه رجولتهم): و هو هنا لم يُسقط ما به من عله (ذكورية) على غيره فقط، بل بالغ في الإسقاط على (رجولتهم) ذاتها. و معلوم أن (الرجولة) هي الأشمل و الأعم؛ حيث أن (كل رجل ذكر، لكن ليس كل ذكر رجل).

و الومضة القصصية هنا تسخر من هؤلاء الذين يُسقطون ما بهم، على غيرهم، و يتوهمون أنهم بفعلهم هذا سيحققون عمومية النقص، أو العيب الذي فيهم على طريقة المثل الغريب: (كلنا في الهواء سواء)!

و لا شك أن ما يدفع الفاشل لمحاولة عرقلة الناجحين، و الضعيف للتشكيك في قدرة الأقوياء، و الغبي للهجوم على الأذكياء؛ يكمن في (غيرته) منهم؛ فاللهم قنا شر كل غيور، حاقد، ناقم و حاسد؛ يقول الحق ـ سبحانه و تعالى ـ في سورة الفلق: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ  وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مُلاءَمَة

أظلم الطريق؛ بدأوا السير.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

العنوان (ملاءمة): تناسب، تكيف، ائتلاف، اتساق، توافق...

يقول الشاعر (ابن شيخان السالمي):

و لا يزال سديداً أمرُ طائفة *** إذا توافق أعمالٌ و نِيَّاتُ.

فهل (التوافق) المقصود في الومضة القصصية المعروضة (توافق خير) أم غير ذلك؟:

ـ يبدأ الشطر الأول من المتن بعبارة (أظلم الطريق)، و هو وصف يفتح باب التأويل على عديد من الدلالات منها:

ـ (أظلم الطريق عليهم)؛ اتساقا مع قول الشاعر (فاروق جويدة):

يعيشون فيها حياة العبيد *** و ألقي بهم في ظلام كئيب.

ـ و إما (أظلم الطريق بهم)؛ اتساقا مع قول الشاعر (إيليا أبو ماضي):

ضعفاء محقّرون كأنا *** من ظلام و النّاس من لألاء.

ـ و إما أن تكون كلمة (أظلم) من الظلم؛ يقول الشاعر (عبدالرحمن العشماوي):

أرأيت أظلم يا أبي من صاحب *** تختال في أعماقه الأحقاد.

و في محاولتنا كشف كنه ذلك التوافق (الملاءمة)؛ ندلف إلى الشطر الثاني (بدأوا السير)؛ فندرك على الفور أن  (أظلم الطريق) بكل ما تعنية العبارة من معاني الظلم أو الظلام أو الإظلام؛ هي الأجواء الملائمة لنشاطهم المشبوه، و المتوافقة مع طبيعتهم الخسيسة، و المحققة لأغراضهم الدنيئة؛ يقول الشاعر (نجيب سرور) بتصرف:

(اللص) يأتي في المسا كأنه الخفاش...

إن الكاتب في ومضته القصصية يتهكم على هؤلاء الذين استبدلوا الظلام بالنور، و الليل بالنهار.

و في قراءة أخرى؛ يمكن أن تدخل هذه الومضة القصصية من باب (الإشادة) بمن حتمت عليهم ظروف أعمالهم، ضرورة المناوبة الليلية و السهر (يسهرون و نحن نيام)، فهم عندما (أظلم الطريق)؛ (بدأوا السير) نحو مصانعهم أو مستشفياتهم أو دورياتهم...

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

حُمْق

أورثهم كؤوس عرقه؛ أسكرتهم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

العنوان (حمق): بلاهة، جهل، رعونة، طيش...

ـ يبدأ الشطر الأول من المتن بعبارة (أورثهم كؤوس عرقه): كناية عن التركة التي بذل لتحقيقها جهده، و أفنى فيها عمره، و  خلفها لهم بعد أن لقي ربه؛ يقول الشاعر (أبو العتاهية):

كُلُّ امرئٍ فله رزقُ سيبلغُهُ *** و اللهُ يرزقُ لا كيسٌ ولا حمقُ.

و واضح أن استخدام الكاتب لتلك الصورة البلاغية (كؤوس عرقه) تتسق مع قول الشاعر (عمر الخيام):

ذُ الْلُّبِّ لاَ يُصْبِحُ فِي هَمٍّ عَدِيمِ الْمَنْفَعَةْ *** وَ يَشْرَبُ الرَّاحَ تِبَاعاً فِي كُؤُوْسٍ مُتْرَعَةْ.

و أيضا مع المعنى الوارد في معجم الرائد لكلمة كأس: بمعنى: خمر، و مالها من نتائج وصفها العنوان، و عبر عنها الشطر الثاني من المتن: (أسكرتهم)؛ ذلك (لأن الخمرة جامحة) كما يقول الشاعر (قاسم حداد)، و من ثم أضاعوا ما ورثوه على نحو وصف الشاعر (جميل صدقي الزهاوي) بتصرف:

رب (أموال) أحرزَتْ في عصورٍ *** فأضَيَعَتْ بالطيشِ في (لحظات)!.

و الحكمة التي أراد الكاتب أن يوصلها إلى قارئه؛ تكمن في ضرورة الاهتمام بالنشئ تربية و تعليما و تهذيبا، بالتوازي مع الاهتمام المادي بهم و لهم؛ يقول الشاعر (معروف الرصافي):

و إن تربية الإنسان يرجعه *** إكسيرها و هو من تُربْ إلى الذهب.

و يقول الشاعر (جبران خليل جبران): 

خير المآثر للبرية *** حسن تربية السليل.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عشق

أهداها قلبه؛ هدته.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

العنوان (عشق): تعلق، شغف، غرام...

و يبدو أن (بطل) الومضة القصصية المعروضة استجاب لنصح الشاعر (عمر الخيام) في قوله:

لاَ يَوْمَ أَضْيَعُ قَطُّ مِنْ يَوْمِ امْرِئٍ *** يَقْضِيهِ دُوْنَ غَرَامِ ظَبْيٍ فَاتِنِ.

فقام من فورة، و (أهداها قلبه): كناية عن عشقه لها و شغفه بها)؛ فماذا فعلت محبوبته؟:

ـ (هدته)!؛ فياله من رد فعل غير متوقع، و نهاية مباغته، و جناسا ناقصا بين (الهدية) و (الهد).

ـ الومضة القصصية المعروضة هنا تشير إلى أنه (أهداها قلبه) و منحها حبه: حبا ساميا على نحو ما أورده الشاعر (إبراهيم اليازجي) في قوله:

عقدت فيها بنود الحب سامية *** على صبابة عشق لا أعاصيها.

في الوقت الذي تتمتع فيه محبوبته بنظرة مادية للحب، شعارها يتوافق مع قول الشاعر (قاسم حداد): (أنا شهوة الهدم)، و من ثم بخلت أن تبادله حبا بحب، و هو البخل الذي وصفه الشاعر (جبران خليل جبران) بالخسران و شبه الجحود:

فإذا حباك الله فضلا واسعا *** فالبخل خسران و شبه جحود.

ذلك البخل العاطفي و الجحود و النكران ـ الواضح للعيان ـ من جانب محبوبته، مقابل ما منحها من عشق و وله، على نحو ما صورته الومضة القصصية؛ يجعل القارئ ينتبه إلى حقيقة ما للأهواء من مخاطر؛ و هكذا تأتي الومضة القصصية المعروضة محذرة من الوقوع في شرك الهوى؛ اتساقا مع  قول الشاعر (إيليا أبو ماضي):

هوى مثلما يهوي إلى الأرض كوكب *** كذاك اللّيالي بالأنام تدول.

و التحذير يشمل نون النسوة أيضا؛ فقد تهديه هي قلبها؛ فيهدها، أو (تهواه؛ فيهوي بها).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عِرَاك

قذفت الألسن طوبا؛ علا بناء الفضائح.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

العنوان (عراك): خصومة، نزاع، شجار...

ينبني (العراك) على حالة من حالات الاندفاع، الذي يمكن وصفه بالجنون؛ تقول الشاعرة (فدوى طوقان):

رويدك، أي جنون عراك *** و أي اصطخاب و أي اندفاع.

و يأتي الشطر الأول من متن الومضة القصصية المعروضة بعبارة (قذفت الألسن طوبا): كناية عن (الملاسنة) بين أطراف متناحرة، متشاجرة، و اتساقا مع توقيعي الأدبي (شجرة العراك؛ تنمو بالسباب)؛ و بطوب الألسن (يعلو بناء الفضائح) طبقا لما ورد في الشطر الثاني من المتن.

و المتأمل في النص المعروض يكتشف أن الكاتب قد انتقى ألفاظه بعناية فائقة:

ـ (قذفت) الألسن طوبا: لم يقل (أطلقت الألسن طوبا)؛ و ذلك لارتباط (السب) و الشتم و اللعن بـ(القذف)؛ يقول الشاعر (عبد الغني النابلسي):

كم سمعنا منهم قبيحة قذف *** أوصلوها بالعار و التعييب.

و يقول الشاعر (مظفر النواب):

أنا حجر قذف البركان به ... فأفلت ملتهبا.

و غني عن القول ما للاستعارة المكنية الواردة في شطري المتن، من جماليات أضافت له قيمة إبداعية جسدت الصورة؛ لتكون أقوى تأثيرا في نفس القارئ، و أدعى لتجنب الوقوع في شرك الخزي و العار، بسبب الفضائح الناتجة عن تهور انفعال، و حمق تصرف؛ يقول الشاعر (بديع الزمان الهمذاني) بتصرف:

يا أحمقاً و كفاك تلك فضيحة *** (يعلو بناء العار أنت مشيده)!.

و يقول الشاعر (أبو تمام): (رأيت حروب الناس هزلا...).

و منها تلك الحروب (الفضائحية) التي يستخدم فيها (المتحاربون) أسلحة البذاءات اللسانية، غير مدركين حقيقة ما ذكرة و حذر منه رسولنا الكريم صلى الله عليه و سلم: (وهل يُكب الناس في النار على وجوههم، إلا حصائد ألسنتهم).

و هكذا تلحق بهم الفضائح في الدنيا، و العذاب الشديد في الآخرة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

إيمان

صدق؛ تصدق.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

العنوان (إيمان)؛ تصديق؛ يقول الشاعر (جبران خليل جبران):

تزداد صدق عزيمة بمراسه *** و رسوخ إيمان بالاستمرار.

و (الإيمان) طبقا للمصطلح الفقهي: "الاعتقاد بالله بالقلب، و النطق باللسان، و العمل بما لا يناقض ذلك".

يقول (الحسن البصري):

(ليس الإيمان بالتمنِّي، و لكن ما وقَر في القلب و صدّقه العمل...)، و يتسق مع هذا قول الشاعر (أحمد شوقي):

و المرءُ ليس بصادقٍ في قولهِ *** حتى يؤيدَ قولهُ بفعالهِ.

فإذا ما دلفنا إلى متن الومضة القصصية المعروضة؛ وجدناها تتكون من كلمتين فقط بينهما جناس؛ ‏الأولى (صدق) و الثانية (تصدق):

(الصدق): الوفاء، الإخلاص، الأمانة، الطاعة... و كلها صفات إيمانية؛ يقول الشاعر (أبو الهدى الصيادي):

عاهدوا الله عهد صدق على الحق *** فهم دائما له أنصار.

فإذا ما كان المتصف بصفة (الصدق) لا يملك دليلا على صدقه؛ فينطبق عليه قول الشاعر (ابن الرومي):

يا باطلاً أوهمْتنيه مَخايلُه *** بلا دليل و لا تثبيتِ بُرهانِ.

لهذا بادر الكاتب بإظهار (الدليل) بكلمة واحدة معبرة:

ـ (تصدق): أي أن (تصدقه) كان برهانا على (صدقه).

و لا يفوتنا ـ في هذا المقام ـ أن نشير إلى اعتيادنا في كتابة الومضة القصصية أن تأتي على نحو: (سبب؛ نتيجة) أو (فعل؛ رد فعل)، لكن الكاتب هنا استحدث (تكنيكا) جديدا في كتابة هذا النص؛ حيث جاء بشكل مختلف عما أعلناه و اعتدنا عليه؛ مما يؤكد حقيقة تمكنه من هذا الفن الأدبي المبتكر، و تجديده فيه، بشكل أزعم أنه غير مسبوق.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عقوق

أسكنهم الدور؛ ألقوه في الدار.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

العنوان (عقوق): عصيان الوالدَين و نكران جَميلهما أَو عَدَم البِرّ بهما.

يقول الشاعر (أحمد محرم):

يا سعد إن عقوق النفس مهلكة ٌ *** فاستبق نفسك و احذر بطش باريها.

فإذا كان مصدر كلمة (عقوق): عق؛ فما معناه في اللغة؟:

ـ مَاءٌ عَقٌّ: مُرٌّ

ـ عَقَّ ثوبَهُ: شقَّهُ

ـ عَقَّ الطعام: لفظه، طرده

ـ (العُقُقُ): البُعَدَاءُ من الأَعداءِ، أو قاطعوا الأَرحام.

ـ عَاقَهُ عن الشيءِ: منعه و صرفه عن القيام به (شغله عنه)؛ يقول الشاعر (ابن نباتة المصري):

و من زمن بعد ذاك الزمان *** عقوق كمثل اسمه عائق.

ـ و من عجب أن يكون معنى (عَقَّ عَن ولَدهِ): ذبح ذبيحة يوم سبوعه (العقيقة)؛ فيأتي مقابلها أن: (يعق والده): على نحو ما ورد في المتن؛ إنه الجحود في أبشع صوره و معانيه...

يبدأ الشطر الأول من الومضة القصصية المعروضة بعبارة (أسكنهم الدور): و معلوم أن السكن يحمل معاني الدفء، الطمأنينة، الراحة، الهدوء، الاستقرار، هكذا وفر لهم والدهم تلك الحياة الكريمة؛ فتُرى أي صورة من صور العقوق قابلوه بها بعد أن بلغ به الكبر عتيا:

ـ (ألقوه في الدار) كناية عن تخلصهم منه، بالدفع به إلى دار المسنين!؛ حيث لا طمأنينة، و لا أهل و لا سكن؛ يقول الشاعر (علي محمود طه):

و الأرض ضاق فضاؤها الرّحب *** و خلت فلا أهل و لا سكن.

و المتأمل في متن الومضة القصصية المعروضة يلاحظ تلك المقابلة بين شطري النص؛ كما يلاحظ دقة الوصف المفارق و المحزن معا: طباقا بين (أسكنهم/ ألقوه)، و جناسا بين (الدور/ الدار).

يقول الشاعر (ابن شهاب) موجها قوله لكل عاق:

ستجزون في الأخرى نكالاً مؤبداً *** على ما اقترفتم من عقوق ومأثم.

ويرثي الشاعر (أَبو الفتح البستي) ما آلت إليه أمور الحياة من عقوق و ضياع حقوق، و انتشار غلظة، و انتفاء صدق:

عفاء على هذا الزمان فإنه *** زمان عقوق لا زمان حقوق

و كل رقيق فيه غير موافق *** و كل صديق فيه غير صدوق.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

نفاق

توضأ بالخيانة؛ بطلت صلاته.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

العنوان (نفاق): إظهار خِلاف ما في الباطِن (خداع، مداهنة، دجل، غش، كذب)... يقول الشاعر (أحمد فارس الشدياق):

و زاد الخطب شرا ما شجاني *** و أضنى القلب من أهل النفاق.

و يقول رسولنا الكريم صلى الله عليه و سلم: (آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ).

فما الفعل الذي ارتكبه (بطل) الومضة القصصية؛ كي يتصف بالـ(نفاق)؟:

ـ (توضأ بالخيانة)!؛ فإذا كان (الوضوء) يعني التطهر، وأصله من الوضاءة (الحسن و النظافة)؛ فماذا لو توضأ (بالخيانة: الغش، الخداع، المكيدة، المداهنة، الغدر)؟.

ـ (بطلت صلاته)، و هو أمر طبيعي يتسق مع قول الشاعر بتصرف في الشطر الأول:

(توضأ بالخيانة يبغي ربحا) *** ألا رُبّ باغي الرِّبْحِ ليْسَ برَابِحِ.

فهل يدرك المنافق أنه مخادع؟:

يقول الكاتب الفرنسي (أندريه جيد): "المنافق الحقيقي هو الذي لا يُدرَك خِداعُه لأنه يكذب بصدق".

و يقول الشاعر (جميل صدقي الزهاوي):

قد يحوزُ الإِنسانُ علماً و فَهْماً *** و هو في الوقتِ ذو نِفاقٍ مرائي.

يقول الإمام (علي بن أبي طالب):

لا خير في ود امرئٍ متملقٍ *** حلو اللسانِ و قلبهُ يتلهبُ

 يلقاك يحلف أنهُ بكَ واثقٌ *** و إذا توارى منك فهو العقربُ

يعطيك من طرف اللسان حلاوةٍ *** و يروغ منك كما يروغ الثعلبُ.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

لجوء

عشقوا أوطانهم؛ تخيمت آمالهم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

العنوان (لجوء): لفظ يحمل معانٍ و دلالات كثيرة منها (احتماء، اختباء، ملاذ، اعتماد...):

ـ (لجوء) المظلومُ إلى القضاء

ـ (لجوء) الشخص إلى والديه

ـ (لجوء) المحتل إلى العنف

فضلا عن المعنى المتداول لكلمة (لجوء) و هو (اللجوء السياسي) و معناه: حق كل إنسان في الالتجاء و الاحتماء ببلد آخر، بعد أن غادر بلده مكرها و مضطرا خوفا من الاضطهاد أو الحروب و الكوارث.

و ها هو الشطر الأول من المتن يعبر عن حالة ارتباط بالوطن: (عشقوا أوطانهم)؛ يقول الشاعر (أحمد شوقي):

وطني لو شغلت بالخلد عنه *** نازعتني إليه في الخلد نفسي.

فالوطن هو: المأوى و المثوى و المسكن و المستقر؛ فهل بادلهم الوطن حبا بحب؟:

ـ يجيب الشطر الثاني بعبارة صادمة (تخيمت آمالهم): كناية عما لحق بهم من أذى، جعلهم يضطرون إلى استبدال خيام اللجوء بالوطن العزيز؛ يقول الشاعر (عبدالرحمن العشماوي):

و هم فوق الجليد و لا قريب *** يناصرهم و لا أمل متاح.

و يقول الشاعر (قاسم حداد):

تدخل في تيه الخيمة *** و الخيمة تكبر تحضن كل لجوء الناس.

غير أنهم و إن تغربوا بأجسادهم؛ فأرواحهم في أوطانهم باقية؛ يقول الشاعر (المهلّب بن أبي صفرة):

جِسمي معي غَيرَ أنّ الرّوحَ عندَكمُ *** فالجسمُ في غُرْبَةٍ وَ الرّوحُ في وَطَنِ.

يقول الفيلسوف الألماني (تيودور أدورنو): "بالنسبة للذي لم يعد لديه وطن؛ تصبح الكتابة بديلا ليعيش فيه".

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

خُبْث

تسلل المرض؛ تجسد الألم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

العنوان (خُبْث): (خُبْث و خُبْثًا و خَباثَةً؛ فَهو خبيث)، و رغم أن (الخَبيث) مقصود به: كل محرَّم كالزنى و الخمر و غيرهما، إلا أنه يُعد أيضا صفة من صفات المخادع، الماكر، سواء كان شخصا؛ اتساقا مع قول الشاعر (جرير بن عطية الكلبي):

إِذا تَيْمٌ ثَوَتْ بِصَعِيد أَرْضٍ *** بَكَت مِنْ خُبْثِ لُؤْمِهِم الصَّعيدُ.

أو مرضا خبيثا (السرطان) و المدهش هنا أن الحروف الثلاثة الأولى من ذلك المرض الماكر المتوحش (سرط) الصحة تعني: التهمها, ابتلعها... كما أن (ابن الخبيثة) تعني: ابن حرام، دنيء، خسيس...

و على ما يبدو أن الومضة القصصية المعروضة تحدثنا عن ذلك المرض اللعين؛ فقد بدأ الشطر الأول منها بعبارة:

ـ (تسلل المرض) و هي صورة تعبيرية تصف ببلاغة ما يفعله ذلك المرض من انتشار سري و تغلغل خفي.

و ما أن تمكن (الخبيث) من الجسد كله حتى؛ (تجسد الألم)، و أضحى غير محتمل، و لسان حال المريض في تلك الحالة يخاطب ذلك المرض اللعين؛ مستعيرا قول الشاعر (فاروق جويدة):

فلقد نزفت رحيق عمري في يديك *** و شعرت بالألم العميق يهزني في راحتيك.

و الكاتب في ومضته القصصية المعروضة ينصح القارئ ـ ضمنيا ـ بضرورة الاهتمام بالكشف الدوري (حتى لو بدا الإنسان سليما)، فإمكانية علاج المرض الخبيث في مراحله الأولى واردة، أما إذا تمكن من التسلل و الانتشار فقل على الدنيا السلام. فضلا عن أن الوقاية خير من العلاج.

و في قراءة موازية؛ يمكن إسقاط الومضة القصصية على أصدقاء السوء من الخبثاء، الذين يتسللون إلى القلوب فيمرضونها، و لا يشعر المصاب بما أحدثوه إلا مع هول الصدمة و شدة الحزن و الألم... و هنا تجدر الإشارة إلى ضرورة الوقاية الإيمانية، إذ بدونها يضيع الإنسان؛ يقول الشاعر (ابن شيخان السالمي):

و كل امرئ لم تكتنفه وقاية *** تلاطفه من ربه فهو ضَائعُ.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

اخْتِلاق

خَطب؛ تضاعف الخَطْب.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

العنوان (اختلاق): ابتداع، افتئات، افتراء، تزييف، تزوير، كذب...

ـ (اختلق القولَ): ادّعاه و افتراه، (هذا خبر مختلَق): لا أساس له من الصحة، (إنه يختلق الرواية): يبتدعها كذبا و و زورا و بهتانا؛ يقول الحق ـ سبحانه و تعالى ـ في محكم التنزيل: (مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الآخِرَةِ إِنْ هَذَا إلاَّ اخْتِلاَقٌ) الآية 7 من سورة ص.

و هكذا يتضح الفارق الكبير بين (الخلق) و (الاختلاق)، بين الإبداع و الابتداع، بين الصدق و الكذب، بين الحقيقة و الافتراء... فماذا فعل (بطل) الومضة القصصية المعروضة؟:

ـ يجيبنا الشطر الأول من المتن بكلمة واحدة (خطب)، و هي إما أن يُقصد بها (خطب يدها): طلبها للزواج، أو رغب في الجنة فسعى إليها و عمل لأجلها؛ يقول الشاعر (ابن القيسراني):

فتى خطب الزلفى فأجزل مهرها *** تقى و رأى الدنيا نعيا فطلقا.

و إما أن يُقصد بها (خطب في الجمهور): ألقى حديثا أو كلاما أي (خُطْبَةً)، و بالعودة للعنوان (اختلاق) يتضح أن هذا هو المقصود بالفعل، بل و يكشف العنوان نتيجة تلك الخطبة التي خطبها، بما تحتويه من تلفيق و تزييف و كذب و ادعاء؛ فيأتي الشطر الثاني بعبارة من كلمتين (تضاعف الخطب) اتساقا مع قول الشاعر (إبراهيم اليازجي): (خطب أسال دموع مقلته دما)، و يضيف الشاعر (إيليا أبو ماضي): (فذلك خطب يهول النفوس)، و يكمل الشاعر (أحمد محرم): (خطب تذوب لذكره الأكباد)...

لقد أراد الكاتب بومضته القصصية المعروضة أن يفطن (الخطباء) لمدى تأثير خطبهم؛ فيحرصون على أمانة الكلمة، و صدق الرواية؛ ليستحق (الخطيب) وصف الشاعر (جبران خليل جبران):

بك يستديم المجد ذخر أمانة *** هي في يديك أمانة الأجيال.

فينطق حينئذ لسان حال (الخطيب) الأريب الذي يعي دوره؛ بقول الشاعر (أحمد محرم):

و ما ملكت يدي في الدهر إلا *** يراع أمانة ٍ و لسان صدق.

لقد أجاد الكاتب في توصيل تحذيره الضمني، من خلال تصوير معبر، و مفارقة مدهشة، و جناس تام، و تكثيف بليغ.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

إلحاد

وحدوهم؛ وحدوه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

العنوان (إلحاد): شِرك، زندقة، ضلال، كُفر...

و (ألحد) لها معان عديدة منها:

ـ (ألحد الميِّتَ لحدَه)؛ دفَنه في اللَّحْد، واراه التراب؛ يقول الشاعر (محمد حسن أبو المحاسن):

حتى دهت أخرى استطار ضرامها *** بالأمس ألحد في الثرى مهديها.

ـ (ألحد إليه): مال؛ يقول الحق ـ سبحانه و تعالى ـ في محكم التنزيل: (لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ) الآية 103 من سورة النحل.

ـ (أَلْحَدَ في الحرَمِ): استحلَّ حُرمتَه و انتهكَها؛ يقول رسولنا الكريم صلى الله عليه و سلم (احْتِكَارُ الطَّعَامِ فِي الْحَرَمِ إِلْحَادٌ فِيهِ).

ـ (ألحد الشَّخْصُ عن الحَقّ): عدَل عنه و أدخل فيه ما ليس منه؛ يقول الحق ـ سبحانه و تعالى ـ في محكم التنزيل (إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي ءَايَاتِنَا لاَ يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا) الآية 40 من سورة فصلت.

و (الإلحاد): أحد المذاهب الفلسفية للذين يُنكرون الألوهيّة، و يرفضون أدلّة المفكّرين على وجود الله!؛ يقول الشاعر (عبد الغني النابلسي):

و الذي وحده ألحد في *** زعمهم ما إن له منهم نصير.

و الومضة القصصية المعروضة تتكون ـ بتكثيف بليغ ـ من كلمتين فقط:

ـ الأولى (وحدوهم): أي جمعوا الفرادى و صيروهم واحدا؛ يقول الشاعر (قاسم حداد):

و أقنعنا ضحايانا ببعض المستحيل *** و هل لنا في مقبل الأيام ليل واحد.

ـ و الثانية (وحدوه): و المقصود هنا أنهم وحدوا الله: أي آمنوا بأنه واحد في ملكه، متفرد في صفاته، جل عن كل شبيه، و تنزه عن كل نقص و عيب، سبحانه و تعالى.

و المغزى من النص المعروض خلاصته (لا مفر منه إلا إليه)؛ فصيغة الجمع (وحدوهم) انتهت حتما بصيغة التوحيد (وحدوه) في جناس رائع؛ يقول الشاعر (عبدالرحمن العشماوي):

مساء الخير يا وطني *** مساء زمان ميلادي

مساء عقيدة الإسلام *** تمحو كل إلحاد.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تَخَلُّف

علمهم درسا؛ زادهم جهلا.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

العنوان (تخلف): كلمة تحمل معاني التقصير، بل النكوص، الانكفاء، و التراجع؛ الذي تصفه الشاعرة (فدوى طوقان):

تراجع المدّ *** و أغلقت نوافذ السماء.

و يصفه الشاعر (فاروق جويدة):

حلم تراجع! توبة فسدت! ضمير مات! *** ليل في دروب اليأس يلتهم الشعاع.

فيدفعنا هذا و ذاك لاستجلاء السبب الذي دفع الكاتب لاختيار هذا العنوان المحبط:

ـ الشطر الأول يخبرنا أنه (علمهم درسا)؛ فنستبشر خيرا بذلك المعلم، الذي اجتهد في توصيل علمه إلى متعلميه...

لكن الشطر الثاني يباغتنا بأنه (بعلمه)؛ قد (زادهم جهلا)؛ فإما أنهم ركنوا إلى جهلهم، و (استحبوا العمى على الهدى) الآية 17 من سورة فصلت.

و اتساقا مع قول الشاعر (إيليا أبو ماضر):

و لكم جنى علم على أربابه *** و جنى الهناء جماعة الجهلاء.

و إما أن يكون ما اعتبره (علما) و تقدما و حضارة و رقيا، هو المخالف لعاداتنا و تقاليدنا و عقيدتنا و أخلاقنا؛ و من ثم اعتبروا من يخالف منهجهم الإباحي (جاهلا و متخلفا)؛ يقول الشاعر (صالح بن سعيد الزهراني):

يصيحون في وجهي بلا أي حرمةٍ *** هوانا حضاريٌّ و هذا تخلف.

و في قراءة ثالثة: يأتي الشطر الثاني (زادهم جهلا) متسقا مع قول الإمام الشافعي:

(إذا ما ازددت علمًا؛ زادني علمًا بجهلي).

و خلاصة الحكمة التي أراد الكاتب أن يوصلها إلى قارئه تتوافق مع قول الشاعر (جذيمة الأبرش):

تعلَّمْ فليس المرءُ يولدُ عالماً *** و ليس أخو علمٍ كمن هو جاهلُ.

مع ضرورة الوضع في الاعتبار عمن ستأخذ العلم منه، أو من ستعطيه إليه.

ينصحنا رسولنا الكريم صلى الله عليه و سلم: (اغْدُ عَالِمًا، أَوْ مُتَعَلِّمًا، وَلَا خَيْرَ فِيمَا سِوَاهُمَا).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ازدِواجيَّة

علموه الغش، طالبوه بالأمانة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

للوهلة الأولى يشي العنوان (ازدواجية) بدلالة سياسية، فقد عُرفت مطلع القرن الماضي بـ (ازدواجية المعايير "سياسة الكيل بمكيالين"): و غني عن القول ما تعنيه تلك الازدواجية من ظلم فادح، في ظل السعي نحو تحقيق المصالح الخاصة للدول، بغض النظر عن الالتزام بالعدالة، و إحقاق الحقوق، و نصرة المظلوم، و لتذهب الأخلاق و القيم و المبادئ إلى الجحيم!...

و لم تكن تلك السمعة السيئة لهذا اللفظ (ازدواجية) مقصورة على الدلالة السياسية وحدها، بل امتدت إلى دلالة اقتصادية: (الازدواج الضريبي: دفع قيمة الضريبة مرتين في مكانين أو بلدين مختلفين)، و دلالة بصرية: (الرؤية المزدوجة "ازدواجية الرؤية": رؤية صورتين لشيء واحد)، و دلالة عضوية: (ازدواج الرحم: تشوه خِلْقِي)، و دلالة نفسية: (ازدواجية الشخصية "الفصام": اضطراب نفسي يُظهر الفرد بأكثر من شخصية )...

غير أن الملفت للنظر هو وجود دلالات إيجابية لهذا المصطلح؛ منها: (ازدوج الشخصان: اقترنا، تزوجا، و ازدوج القومُ: تزوّج بعضهم من بعض)، (ازدوجت الكلمة: كان لها معنيان "جناس")، و (ازدواج التعبير: أشبه أحدُهما الآخر في السَّجع أو الوزن "بلاغة")، و (الازدواج اللغوي: التمكن من لغتين في آن واحد )...

فما الذي يقصده الكاتب ـ تحديدا ـ بهذا العنوان (ازدواجية) الذي فتح باب التأويل واسعا أمام عديد من الدلالات؟:

ـ (علموه الغش): بداية غير مبشرة بخير؛ فالإنسان الذي ولد على الفطرة السوية، أرادوا أن يضيفوا إليه (علما) ينتقص من أمانته، إخلاصه، استقامته، صدقه و نزاهته؛ ليصبح بعد ذلك: محتالا، مدلسا، خائنا، كاذبا، غادرا...

لكن المدهش هنا أنهم، بعد أن غرسوا بذور الغش في نفسه، و أولوها رعايتهم و اهتمامهم، حتى ترعرعت و أثمرت؛ (طالبوه بالأمانة)!، طالبوا بثمرة تفاح من شجرة حنظل!...

تلك الازدواجية في التربية و التنشئة و التعليم، تتخذ صورا و أشكالا عديدة، منها ما درج البعض عليه من ممارسة سلوكيات مشينة، و منع أولادهم من تقليدهم: (الأب يدخن و يمنع أولاده من التدخين)، أو (يوجد في المنزل، و يطلب من أولاده أن يبلغوا الطارق أو المتصل؛ بأن والدهم غير موجود)، أو (يتكاسل عن عمله، و يطلب من أولاده الاهتمام بالمذاكرة و التحصيل)؛ يقول المثل الانجليزي: (كما يكون الوالد يكون الولد). فأولادنا بحاجة إلى نماذج للاقتداء بسلوكيات إيجابية، نجني ثمارها المرجوة؛ (فما زرعناه؛ نحصد ثماره)؛ يقول بيت حكمة لأبو العلاء المعري:

)رَبَّيْتَ شِبْلاً فلما أن غدا أسداً *** عدا عليكَ فلولا ربُّه أَكَلَكْ(
لقد استطاع الكاتب أن يعرض فكرته، و يوصل رسالته بإيجاز بليغ (في أربع كلمات فقط) محدثا مقابلة بين شطري النص، فضلا عن السجع بين (علموه/ طالبوه) مما أضاف بعدا جماليا للومضة القصصية التي حازت التقدير و الإعجاب.
من العبارات الحكيمة ذات الصلة: 

ـ "التربية الخُلقية أهم للإنسان من خبزه و ثوبه." (سقراط) ـ "جذور التربية مرة، و لكن ثمارها حلوة." (أرسطو)

ـ "يمكن للأبناء أن يولدوا مؤدبين لو كان آباءهم كذلك." (غوته)
ـ "إذا أرادت الأم أنْ تُصلحَ بنتها؛ فلتصلح أولاً نفسها." (علي الطنطاوي(

ـ "الدين لا يمحو الغرائز و لكن يروضها، و التربية لا تغير الطباع و لكن تهذبها." (مصطفى السباعي).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بِرٌّ

أسعد والديه؛ عاتبه شيطانه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

العنوان (بِرٌّ): إخلاص، وفاء، عطاء... و للبِرِّ معانٍ منها:

ـ بَرَّ اللهُ حجَّه: قَبِلَه، (حج مبرور: لا يخالطه شيءٌ من المآثم).

ـ بَرَّ بيمينه/ برَّ في يمينه: وفّى بها، صدق فيها، أو برَّ بوعده.

ـ (بَرَّتِ) السِّلعةُ: راجتْ، و ضدها (بارت) السلعة: كسدت.

ـ بَرّ والديه: توسَّع في الإحسان إليهما ووصلَهما، و رفق بهما و أحسن معاملتهما، عكس (عق والديه).

ـ برّ خالقَه: أطاعه، يقول رسولنا الكريم صلى الله عليه و سلم (الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ).

يخبرنا الشطر الأول من متن الومضة القصصية المعروضة بأن (بطلها)؛ (أسعد والديه)؛ فحق أن نهديه قول الشاعر (أحمد محرم):

و اجز خيرا كل حر *** صادق الإيمان بر.

إلا أن الشطر الثاني يفاجئنا بأن هناك من أغضبه هذا (البر)، و عاتب فاعله عليه؛ فترى من هذا الذي يصفح و يفرح في الشر، و يعاتب و يحزن في الخير؟:

ـ يجيبنا الشطر الثاني (عاتبه شيطانه)؛ يقول الشاعر (أبو الهدى الصيادي) بتصرف:

فاض من بحره جداول بر *** زمجر من هديرها (الشيطان).

و يطيب لنا أن نبحث في كل مفردة من مفردات المتن، التي اختارها الكاتب بعناية فائقة: (أسعد والديه؛ عاتبه شيطانه):

ـ (أسعد والديه): أجزل لهما، و أبهجهما؛ يقول الشاعر (عبد الغفار الأخرس) بتصرف:

السعيد السيّد الشهم الذي *** (هو) من أسعد (والديه) جدا.

ـ (عاتبه شيطانه): لقد عبرت الومضة القصصية المعروضة عن حال فاعل خير ينازعه فيه شر، و فعل حق يعاتبه عليه باطل، يقول الحق ـ سبحانه و تعالي ـ في محكم التنزيل (قُلْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ ۚ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ ۗ أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لَّا يَهِدِّي إِلَّا أَن يُهْدَىٰ ۖ فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) الآية 35 من سورة يونس.

و يقول الشاعر (أحمد محرم):

أدعوة الحق أولى أن يصاخ لها *** أم دعوة ٌ خرجت من جوف شيطان؟!.

هذا السؤال الاستنكاري، يحرك في نفس القارئ مشاعر التعاطف مع (بطل) الومضة القصصية، و يجعله يسقط السؤال على نفسه؛ فتتحرك فيه مشاعر البر؛ و ذلك هو الهدف المنشود من هذا النص الحكيم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

خشوع

تمسك؛ تنسك.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

العنوان (خشوع): تبتل، تزهد، تعبد (خشوع الزاهدين)؛ يقول الشاعر (محمد إقبال):

قصدت بابك روحي في خشوع *** في هدايا من لهيب و دموع.

و يقول الشاعر (بدوي الجبل):

و صلاتي تأمّل و مناجاتي *** خشوع...

لقد مهد العنوان لأجواء إيمانية؛ فجاء الشطر الأول من المتن بكلمة واحدة:

ـ (تمسك): تعلق، تشبث... و منها (تمسك بالطيب): تطيب به و تعطر.

و يدعونا الشاعر (جبران خليل جبران) بألا تلهينا الدنيا فنتعلق بها، و ننسى الآخرة و ما يجب أن نعده لها:

لا تمسك الزمن الذي *** يجري و لا تنسى معادك.

و يبدو أن (بطل) الومضة القصصية المعروضة، قد وعى الدرس فـ(تمسك) بحبل الله المتين؛ اتساقا مع قول الكاتب (محسن العبيدي الصفار): "تمسك بكتاب الله فانه انيسك في وحدتك و عضيدك في شدتك و مشيرك في حيرتك ومغنيك في فقرك و شفيعك يوم القيامة".

و يكمل الشاعر (ابن مشرف)؛ فيقول:

و بالسنة الغرا تمسك فإنها *** هي الذخر عند الله يوم لقائه.

فماذا كانت نتيجة التزامه بكتاب الله و سنته؟:

ـ (تنسك): اتقى، عف، زهد... يقول الشاعر (ابن نباتة المصري):

و عاش ذا زمانٍ كله من تنسك *** و من كرمٍ مستقبل الصوم و الفطر.

ومضة قصصية بليغة في دلالتها، و تكثيفها، و الجناس بين شطري متنها، الذي جاء متوافقا مع عنوانها.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

غفلة

هجر الفروض؛ كرهته النوافل.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

العنوان (غفلة): بلادة، بلاهة، حمق، طيش... يقول الشاعر (قاسم حداد):

مثل زئبقٍ يمنح الصدر شهوة الأوسمة: *** غفلة اليقين/ غدارة البوصلة.

و يقول الشاعر (إيليا أبو ماضي):

فتنّهبوا إن كنتم في غفلة *** فالدّهر بالمرصاد للغفلان.

فهل انتبه (بطل) الومضة القصصية المعروضة لهذه النصيحة؟:

ـ جاء الشطر الأول من المتن بعبارة نافية (هجر الفروض): أي غفل عن أداء (الفروض أو الفرائض: جمع فريضة "ما أوْجَبَها اللّهُ تعالى") عامدا متعمدا؛ يقول الشاعر (البحتري):

طاعته فرض، فإن عصيته *** كنت بعصيانك للنار حطب.

و من ثم كانت نتيجة (هجره للفرائض) أن: (كرهته النوافل) أي عاقبته بالحرمان من المكافأة، الإحسان، المكرمة؛ اتساقا مع قول الشاعر أبو الفتح محمد بن شاهاك الرملي (كُشاجم):

فكيفَ تُطيقُ نافلة المَعالِي *** و نفسُكَ ليسَ تنهضُ بالفُروضِ!.

و تلك هي الحكمة البليغة التي أراد الكاتب أن يوصلها إلى قارئه، تحفيزا و استنهاضا للقاعدين، و تنبيها و إيقاظا للغافلين؛ من خلال نص يمكن تأويله على نحو له علاقة بالمتكاسلين عن أداء أعمالهم (المفروض) عليهم القيام بها، في الوقت الذي يطالبون فيه بـ(النوافل: العطايا) التي ليس لهم حق فيها؛ يقول الشاعر (أحمد محرم) بتصرف:

فلا تك إلا محسناً تؤثر التي *** أوائلها (عمل) و أعقابها أجر.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

طيف

أطربه الخيال، أفزعه الواقع.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

العنوان (طيف): و هو ما طاف بالإنسان من خيال يخيل في نفسه، أو يراه في نومه؛ تقول الشاعرة (نازك الملائكة):

خياليّة تمقت الكائنات *** و تخلق عالمها في الغيوم.

و يقول الشاعر (بدر شاكر السياب):

 و الأعين التعبى تفتش عن خيال في سواها *** و تعد آنية تلألأ في حوانيت الخمور.

ـ و (بطل) الومضة القصصية المعروضة (أطربه الخيال): أبهجه و انشرح به صدره، اتساقا مع وصف الشاعر (ابن القيسراني):

طرب الغدير *** إلى النسيم إذا تحرك.

و يقول الشاعر (ابن الرومي):

تخالُ طائرَها نشوانَ من طرب *** والغُصنَ مِن هَزّة ِ عِطْفَيْهِ نَشوانا.

فماذا حدث له نتيجة تلك النشوة الخيالية؟:

ـ يجيبنا الشطر الثاني من المتن (أفزعه الواقع): خيال أفضى إلى واقع و (طرب انتهى لفزع)؛ يقول الشاعر (إبراهيم ناجي):

يا فؤادي، رحم الله الهوى *** كان صرحا من خيال فهوى.

و يقول الشاعر (صباح الحكيم):

و أحيانا ً يغيبُ مع العناء *** و يعود من فزع ٍ ليبكي حزنه القاسي لأحلام المساء.

و قد برزت في الومضة القصصية المعروضة المحسنات البديعية المتمثلة في المقابلة بين شطري المتن، و الاستعارة المكنية في كلا الشطرين، فضلا عن بلاغة التكثيف، الذي من خلاله أوصل الكاتب رسالته إلى قارئه، بأسلوب غير مباشر، متمثلا في التحذير من الوقوع في شرك الأحلام و التخيلات دون سند من واقع يعترينا؛ يسأل الشاعر (وحيد خيون) مستنكرا:

أ أخرجُ مِن واقع ٍ يعتريني *** و أدخلُ في حاضر من غيابي؟!.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تَتَابُع

باغته الموت؛ أهداه فسيلة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

العنوان (تتابع): توالٍ، تواصل، استمرارية، تعاقب... 

يقول الشاعر (أحمد محرم):

أمم العروبة إن تتابع شكرها *** فلفضلها المتتابع المتوالي.

فعن أي (تتابع) يحدثنا المتن؟:

ـ يجيبنا الشطر الأول بعبارة (باغته الموت) أي فاجأه على حين غرة؛ و لأن الحياة في (تتابع) مستمر: حياة تنتهي بموت، و موت ينتهي بحياة؛ فما كان ممن (باغته الموت) إلا أن (أهداه فسيلة): كناية عن التزامه بما أمرنا به رسولنا الكريم صلى الله عليه و سلم: (إِنْ قَامَتْ عَلَى أَحَدِكُمْ الْقِيَامَةُ وَفِي يَدِهِ فَسِيلَةٌ، فَلْيَغْرِسْهَا).

 و الفسيلة: جزءٌ من النبات يُفصَل عنه و يُغرس؛ فينبت مؤكدا حتمية استمرار الحياة، و تعاقب الأجيال، و من ثم يمكن تأويل العبارة على نحو أشمل و أعم، غير قاصر على النبات فقط؛ فحياة المرء في الدنيا قصيرة ـ مهما طالت ـ يقول الشاعر (إيليا أبو ماضي):

ليست حياة المرء في الد *** نيا سوى حلم قصير.

و من ثم تصبح كل خطوة يخطوها المرء ـ في سبيل الخير ـ أثناء حياته؛ بمثابة (فسيلة) تنبت خيرا عميما حتى بعد وفاته؛ يقول الشاعر (فائز يعقوب الحمداني):

الخطوات تتابع *** الخطوات بذور الأرض.

و خير الناس من ترك أثرا طيبا بعد الرحيل؛ يقول الشاعر (أحمد محرم):

لما خلت منك المنابر بغتة *** لم يخل من أسف عليك مكان.

و تلك هي الحكمة البليغة التي أراد الكاتب أن يوصلها إلى قارئه؛ من خلال صورة مشهدية لحالة وفاة؛ جعلها بحرفية تنبض بالحياة. 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

معادلة

أبكوا النقال؛ زغرد الثابت.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

العنوان (معادلة): توازن، تعادل... و التوازن في الحياة كثيرا ما يتسق مع قول الشاعرة (غادة السمان):

توازنٌ قلق على قمة كرة قدم.

فمن يملك المهارة لفهم المعادلة و إحداث التوازن ـ قدر الإمكان ـ هو أفضل ممن يركن للسلبية و الاستسلام و (الثبات) دون (انتقال) ضروري لإحداث التعادل و الاتزان.

فرغم ما يتضمنه المتن من عبارة لها علاقة بالهاتف (النقال) و الآخر (الثابت)؛ إلا أن المدهش هو إمكانية قراءة المتن على نحو رمزي، يمكن إسقاطه على الإنسان؛ يقول الشاعر (عدنان الصائغ):

المعادلة المرة *** أن تظلَّ كما أنتَ.

أي تظل (ثابتا) مزغردا مبتهجا بتلك الحالة من الاستقرار و (الثبات)، الذي مضاده (الوثبات)، و الانتقال من حالة موات إلى حركة فاعلة في الحياة؛ يقول الشاعر (عبد الرحيم أحمد الصغير الماسخ) بتصرف:

يغادر قلبي لساني *** فأغنيتي تتقصف بين ثبات (حالي) و انتشار الثواني.

فإذا ما عدنا إلى القراءة المباشرة للمتن؛ نجد العبارة الواردة في الشطر الأول (أبكوا النقال) كناية عن الاستخدام الخاطئ للهاتف الجوال، الذي شبهه الكاتب بإنسان يبكي حزنا على ما آل إليه من ابتذال و امتهان... و من ثم احتفظ الهاتف (الثابت) بوقاره و احترامه، و زاد عليه فرحا و ابتهاجا؛ على نحو ما أتى به الشطر الثاني من المتن (زغرد الثابت)، و الكاتب في ومضته القصصية المعروضة استطاع أن يُحدث مقابلة بين شطري المتن، و أن يوصل إلى قارئه رسالة مفادها: ضرورة الاستفادة من التكنولوجيا الحديثة بحكمة (دون إفراط أو تفريط)، و هو (التوازن) المنشود في جميع مناحي الحياة؛ حتى لا تختل المعادلة؛ فيحدث ما لا تحمد عقباه؛ بقول الشاعر (مظفر النواب):

فالاختلال الرهيب سيقلب كل المواني.    

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ضَلاَلَة

أتخمه الوعاء؛ فقد الوعي.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

العنوان (ضلالة): سلوك طريقٍ لا يوصِّل إِلى المطلوب؛ يقول الشاعر (أحمد محرم):

لا تركنن إلى الوساوس و احترس *** إن الوساوس للنفوس ضلال.

كما أن عدم الاهتداء لجادة الصواب، أو عدم إحقاق الحق، أو عدم انتهاج طريق الخير؛ يُعد ضلالا، و ها هو الشطر الأول من المتن يبلغنا أن (بطل) الومضة القصصية المعروضة: (أتخمه الوعاء): و التخمة داءٌ يصيب الإنسان من أكل الطعام الثقيل، أو من كثرة الأكل، و هو بهذا ضل عن طريق الهداية، الذي أوصانا به رسولنا الكريم صلى الله عليه و سلم (ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطنه، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه فإن لم يفعل فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه).

و من ثم (فقد الوعي)، نتيجة لسلوكه طريقا يخالف الطريق القويم؛ يقول الشاعر (ياسر الأقرع) بتصرف:

(كانَّ شعاره) الهَبَل *** فسار دونما وعي.

و حيث أن الوَعي: هو الفهم و سلامةُ الإدراك؛ فكأنه استبدل بطنه بعقله!.

و في قراءة أخرى تتسق مع المثل القائل (الصَّمْتُ وِعَاءُ الْأَخْيَار)؛ يصبح معنى (أتخمه الوعاء): أي بالغ في صمته و حلمه إلى حد أوشك على الانفجار؛ فـ(فقد الوعي)، و لم يسيطر على مشاعره، نتيجة حالة الغضب و الانفعال و الاهتياج؛ اتفاقا مع المثل: (اتق شر الحليم إذا غضب)، و يقول الشاعر (إيليا أبو ماضي):

يا خليلي، هيهات ينفع نصح *** بعدما ضيّع الحزين الرشادا.

و من ثم فتحت الومضة القصصية الباب على أكثر من تأويل فضلا عما بها من جماليات: طباق بين (أتخمه/ فقد) و جناس بين (الوعاء/ الوعي)؛ فضلا عن الحكمة التي نجح الكاتب في توصيلها إلى قارئه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

صحافة

أهدوه مالا؛ أهداهم قلمه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

العنوان (صحافة): و هي مهنة مَنْ يجمع الأخبارَ و الآراءَ و ينشرها في جريدة أو مجلَّة، و تتعدد تخصصاتها (صحافة سياسية، صحافة اقتصادية، صحافة فنية، صحافة أدبية، صحافة صور...) وهي إما أن تكون محلية أو عالمية، و لعظم شأن الصحافة، و مدى تأثيرها في الرأي العام؛ يقول الشاعر (جبران خليل جبران):

إِن الصحافةَ موسوعاتُ معرفةٍ *** يزودُ العقلُ منها خيرَ تزويدِ.

و يقول الشاعر (إبراهيم أبو اليقظان):

إِنّ الصحافةَ للشعوبِ حياةٌ *** و الشعبُ من غيرِ اللسانِ موات

فهي اللسان الفصح اللذق الذي *** ببيانه تتدارك الغايات

و هي الوسيلة للسعادة و الهنا *** و إلى الفضـائل و العلا مرقاة.

فهل يلتزم كل من يعمل في مجال الصحافة بشرف تلك المهنة العظيمة؟:

ـ قبل الإجابة على هذا السؤال؛ يجب أن ندرك حقيقة أن (لكل قاعدة استثناء)، و (الاستثناء يثبت القاعدة و لا ينفيها)؛ فرغم التزام جموع الصحفيين بما تفرضه مهنتهم من أمانة الكلمة؛ إلا أن (بطل) الومضة القصصية المعروضة قد تعرض لحالة رشوة (أهدوه مالا)، و هي رشوة في صورة (هدية)؛ يقول الشاعر (قاسم حداد):

(كان يقول لي: خبأت لك هدية هنا) *** و راح يرفع عن غطاءٍ عن درجٍ.

فلا رشوة إلا لتحقيق رغبة، أو لقضاء مصلحة، أو لإحقاق باطل، و إبطال حق... و من ثم نفذ لهم المرتشي ما أرادوا:

ـ (أهداهم قلمه) كناية عن إخضاع قلمه و كتاباته لما يفرضونه عليه من آراء و أفكار، و كأنه مجرد أداة لتنفيذ ما يريدون نشره، بائعا ضميره المهني لمن يدفع مالا!؛ يقول الشاعر (غازي القصيبي) بتصرف:

و كم (دعاه) عفاف (منه) مسلوب *** فما استفاق ضمير في (جوانحه).

ومضة قصصية أراد الكاتب من خلالها: تنبيه القارئ إلى ضرورة التيقن مما تنشره الصحف؛ فقد يكون بعضها كاذبا، أو مضللا.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

جِدَال

اختلفوا؛ تخلفوا.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

العنوان (جدال): مماراة، مساجلة، منازعة... و هو ضربٌ خادعٌ من المناقشة، أساسه استعمال الحجج السفسطائية، و يُقال عن أصحابه إنهم يفندون كل شيء، دون إثبات أي شيء!. (جدال عقيم)؛ يقول الشاعر (محمد حسن أبو المحاسن):

أخو جدل في جهده ظل يكدح *** يقولون قس قلت ضل قياسكم.

فإذا ما انتقلنا من العنوان إلى المتن؛ وجدناه يتكون من كلمتين فقط بينهما جناس (اختلفوا/ تخلفوا)، و معلوم أن الاختلاف قد يكون رحمة، و نعمة، و دعوة للتأمل و التفكر (كاختلاف الليل و النهار)؛ يقول الحق في محكم التنزيل (إِنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُون) الآية 6 من سورة يونس.

أما الاختلاف في الرأي دون حجة أو برهان؛ فهو نقمة، و ضلال؛ اتساقا مع قول الشاعر (محيي الدين بن عربي):

فما ترى فيه من جدال *** فإنهُ كلهُ ضلالُ.

فضلا عن أن (اختلافهم) حول أمور مسلم بها، أو قضايا غيبية، أو مسائل ليس لهم علم كامل بتفاصيلها؛ هو إثارة للبغض و مدعاة للشقاق، و مضيعة للوقت... و من ثم (يتخلفون) عن ركب التقدم.

و تلك هي الحكمة البليغة التي جاءت في كلمتين فقط، و أراد الكاتب أن يوصلها إلى قارئه، بصورة تحذيرية من مغبة (الاختلاف البغيض) و (الجدل العقيم)، و ما يؤدياه من دور متمثل في الانهزام و التخلف و التراجع؛ يقول الشاعر (ابن شهاب) بتصرف:

ليت هذا (المجادل) كان حمارا *** للنبيل الذي تقدم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عبادة

صاموا؛ صانوا.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

العنوان (عبادة): أَفعال دينية مقصود بها التقرب إلى الله و الخضوع له ـ طاعة و تعظيما ـ كالصلاة و الصوم و الزكاة و الحج؛ يقول رسولنا الكريم صلى الله عليه و سلم: (العبد إذا أحسن عبادة ربه تبارك و تعالى و نصح لسيده كان له أجره مرتين)؛ و يقول الشاعر (عبد الغني النابلسي):

و كل عبادة فالشرط فيها *** هو الإسلام حفظا للعهود.

و لما كان شهر رمضان الكريم على الأبواب؛ فقد جاء الشطر الأول من المتن بكلمة ذات دلالة على قدومه، و ارتباطا به:

ـ (صاموا): أي أمسكوا عنِ الطعامِ و الشرابِ (عبادة)؛ يقول الشاعر (أبو تمام) بتصرف:

لغدوا و ذاكَ (الشهرُ) (شهر) عبادة ٍ *** فِيهِمْ و ذَاكَ الشَّهْرُ شَهْرُ صِيَامِ.

و حيث أن الكاتب يجيد استخدام التكثيف و الجناس كجزء لا يتجزأ من المتن؛ فقد جاء الشطر الثاني بكلمة واحدة أيضا: (صانوا): حفظوا جوارحهم عن المعصية، و رعوا حق الله في العبادة، يقول الشاعر (ابن نباتة المصري):

تبارك من صان العلى بعليها *** على حين رام السائدون و راغوا.

و الومضة القصصية المعروضة هنا؛ تؤكد ضرورة التزام الصائم بموجبات صومه، و إلا انطبق عليه قول رسولنا الكريم صلى الله عليه و سلم (رُبَّ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ حَظٌّ مِنْ صَوْمِهِ إِلَّا الْجُوعُ وَ الْعَطَشُ).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

خِسَّة

جبرنا خاطرهم؛ كسروا قلوبنا.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

العنوان (خسة): انحطاط، حقارة، وضاعة، دناءة، سفالة... يقول الشاعر (البحتري):

إن الكريم إذا رأى ذا خسة *** صدف المودة عنه صدف الطارد.

و تلك لعمري هي الطريقة المثلى للتعامل مع هؤلاء الذين وصف المتن خساستهم: (جبرنا خاطرهم) فـ (كسروا قلوبنا)، و بين الجبر و الكسر علاقة عكسية، فجبر خاطرهم: خير و فضل، أما كسر قلوبنا: فخسة و نذالة...

(جبرنا خاطرهم): أي أزلنا انكسارهم و أكرمناهم.

(كسَروا قلوبنا): أي خيَّبوا أملنا فيهم.

يقول الشاعر (الحكم بن أبي الصلت):

يا ابن الذين بجودهم و سماحهم *** جبروا الكسير و سدوا فقر المفلس.

يقول الشاعر (جبران خليل جبران):

سبحان من جبر القلوب بجابر *** عثرات قوم قبله لم تجبر.

ومضة قصصية اتسمت بالبلاغة اللفظية من خلال المقابلة بين شطري المتن، كما جاء الوصف مجسدا لحالة من حالات (الخسة)، التي تخطت في الحقارة حدود (الجحود و النكران)؛ بالإساءة مقابل الإحسان.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أقدار

زرع الحكيم قيراطا بالعرق، حصد السفيه فدانا بالحظ.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

العنوان (أقدار): جمع (قدر) و هو القضاء الذي يقضي به الله على عباده؛ يقول الشاعر (أحمد محرم):

(... قدرٌ بكفِ مُقدر الأقدار).

و يبدأ الشطر الأول من متن الومضة القصصية المعروضة بعبارة (زرع الحكيم قيراطا بالعرق): و بتأمل كلمة (زرع) نجدها تفتح باب التأويل و لا تغلقه على دلالة وحيدة؛ إما أنه:

ـ (زرع الألغام)؛ يقول الشاعر (عبدالناصر أحمد الجوهري):

يتقن زرع الألغام *** يعرف كل مساربنا و سر شعوبيتنا.

ـ و إما أنه (زرع الكلام)؛ يقول الشاعر (أبو العتاهية):

إِن السكوتً سلامةٌ و لربما *** زرعَ الكلامُ عداوةً و ضرارا.

ـ و إما أنه (زرع المعروف)؛ يقول الشاعر (عبد الغفار الأخرس):

لقد زرع المعروف في كل موطنٍ *** و زارعه للحمد و الشكر حاصد.

ـ و إما أن ذلك الحكيم زرع الأرض و فلحها، و انتظر بعد الجهد و الصبر و العرق حصادها؛ فنال منها قدرا يسيرا، بالقياس للسفيه الذي (حصد فدانا بالحظ)!.

و هو ما يعيدنا للعنوان (أقدار)؛ يقول الشاعر (الخليل بن أحمد الفراهيدي):

الرزقُ عن قَدرٍ لا الضعفُ ينقصُه *** ولا يزيدُكَ فيه حول محتالِ.

تلك هي الحكمة البليغة التي أراد الكاتب أن يوصلها إلى قارئه، من خلال ومضة قصصية تتسم بالحكمة، و البلاغة و المحسنات البلاغية المتمثلة في مقابلة بين شطري النص: (زرع/ حصد)، (الحكيم/ السفيه)، (قيراطا/ فدانا)، (بالعرق/ بالحظ).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

نار

غزا الغل قلبهِ؛ غادرَ النومُ جفونَه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

العنوان (نار): الأصل في كلمة (نار) أنها عنصر فعال يمثله النور و الحرارة الناتجة من جسم محترق، أو الحرارة المحرقة ذاتها؛ لهذا تستمد (النار) دلالتها من خلال السياق (سواء جاءت بالمعنى المادي أو المعنوي)؛ منها على سبيل المثال: 

ـ نار الحب: سعيرها الذي يوقد في القلب، و تتأجج به العاطفة؛ يقول الشاعر (فاروق جويدة):

أحبك نشوة تسري *** و تشعل نار بركاني.

ـ نار الشهرة: ذيوع الصيت؛ (أصبح نارا على علم)، و نقول (استضاء بناره: أي استشاره و أخذ برأيه).

ـ بين نارين: أي بين أمرين كلاهما شرّ أو غير مقبول.

ـ كان على نار: أي كان متلهفًا، متطلِّعًا، قلقًا.

ـ بالحديد و النار: أي بقوة السلاح (إطلاق النار) أو (بالقوة و الشدة).

ـ نار الجحيم: يقول الحق في محكم التنزيل (قل نار جهنم أشد حرًّا لو كانوا يفقهون) الآية 81 من سورة التوبة.

ـ نار الظلم؛ يقول الشاعر (أبو العتاهية):

الظّلم نَار فَلَا تحقر صغيرته *** لعلّ جذوة نَار أحرقت بَلَدا.

ـ نار الغضب: وهي نار قد تأتي نتيجة انفجار بركان الحلم (اتق شر الحليم إذا غضب)؛ يقول الشاعر (ابن مشرف):

بحلم إمامنا اغتروا زمانا *** و لما يرهبوا غضب الحليم.

ـ نار الوهم: يقول الشاعر (بدر شاكر السياب):

نار من الأوهام كالظلم *** سوداء لا نور يضيء بها.

ـ نار الغيرة: و أنواعها عديدة منها (غيرة حب) على الدين، أو الحبيب، أو الأهل، أو الوطن، و أخرى (غيرة حمق و حقد)؛ تقول الشاعرة (غادة السمان):

نتشاجر و نتبادل الاتهامات، *** و نلتهب غيرة حمقاء.

و ها هو الشطر الأول من المتن يتناول تلك النار التي تلهب بعض القلوب؛ فتصيبها بداء الغيلة و الحقد و الحسد: 

ـ (غزا الغل قلبه): أغار عليه و اقتحمه و اجتاحه و قيده، وهي صورة بلاغية؛ تتسق مع قول الشاعر (عبد الغني النابلسي):

و إني مطلق و الكل *** في قيد و في غل.

فماذا يمكن أن يحدث لمن ملأ الغل صدره؛ غير ضيق و اختناق، و قلق و أرق، و قلة راحة... وقد عبر الشطر الثاني عن هذا بعبارة (غادرَ النومُ جفونَه)؛ (احتلال غل) يقابله (مغادرة نوم)؛ و قد أوضح الشاعر (البحتري) أن نتيجة ذلك الغل لا تكمن فقط في مغادرة النوم، بل في مغادرة المغلول ذاته؛ حيث يقول:

فمضوا على غل الصدور، فغودروا *** مثل الهشيم لخابط و لصائد.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مثابرة

أعدوا له النار؛ أنار بها طريقه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

العنوان (مثابرة): مواظبة، مداومة، همة، اجتهاد... يقول الشاعر (جبران خليل جبران):

همة في مضاء في مثابرة *** زانت على الدهر جيد العصر من عطل.

و من قصيدة أخرى له أيضا:

إني لأستجلي الفلاح فينجلي *** لي عن مثابرة و غر فعال.

فماذا يفعل (المثابر) إذا (أعدوا له النار): كناية عن عزمهم إحراقه ماديا أو معنويا؟:

يجيبنا الشطر الثاني من المتن:

ـ (أنار بها طريقه): كناية عن استفادته من تلك النار التي أعدوها له؛ بأن اعتبرها (نورا) ينير به طريقه، و يعرف على هديها عدوه من صديقه، و تمده حرارتها بشحنات تحدٍ و إصرار لمزيد من الكدح و الاجتهاد و (المثابرة)؛ موقنة نفسه بالنجاح المحقق؛ اتساقا مع قول الشاعر (ابن هرمة القرشي):

واسْتَيْقَنَتْ أَنها مُثابِرةٌ *** و أَنَّها بالنَّجاحِ مُتَّحِفَهْ.

فما أتحفه من نجاح، و ما أبلغه من وصف: أن تحولت النار إلى إنارة؛ تنير العقول و الأمصار؛ يقول (رفاعة الطهطاوي):

قمرٌ أنار بمصره *** و سمتْ طلائعٌ نصره.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عار

غاصوا في الرذيلة؛ طفت فضائحهم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

العنوان (عار): العار كلُّ ما يُعيَّر به الإنسان من فعلٍ أو قول، و جمعه (أَعْيار)، (وصمة عار: عمل مَعيب، سلوك مشين)؛ يقول بيت الحكمة:

الكذبُ عارٌ و خيرُ القول أصدقُهُ *** و الحَقَّ ما مسَّه من باطلٍ زهقا.

و يقول الشاعر (جابر قميحة) متهكما على من شوهوا الكلمات، و قلبوا المعاني:

أما الصدق فشر رذيلة *** فيمن قصفوا عنق الكلمة.

و يكمل المعنى قول الشاعر (عبدالرحمن العشماوي):

فعلى يديه تشاع كل رذيلة *** و على يديه تشوه الأفكار.

و من ثم يتضح أن الذين (غاصوا في الرذيلة) هم أناس خالفوا المآثر، و اعتمدوا المقابح، و (غاصوا في المعاصي و الذنوب و الآثام)، و هنا لابد لنا من وقفة مع كلمة (غاصوا) فالكاتب لم يقل (غرقوا)؛ ذلك لأن الغرق يكون بغير إرادة، أما (الغوص) فهو دليل نية و قصد و رغبة، و المدهش هنا أن لفظ (الغوص) مرتبط بالغطس تحت الماء لاستخراج اللؤلؤ، لكن الكاتب أبدع في وصف غطس من نوع آخر؛ غوص في (بحر) الرذيلة!؛ فماذا كانت النتيجة؟:

ـ (طفت فضائحهم): انكشفت مساوئهم على الملأ، بعد أن ظنوا أنها ـ بغوصهم فيها ـ قد استترت عن أعين الناس؛ يقول الشاعر (ابن أبي الدنيا) بتصرف:

أَرَى (الرذيلة) وَإِنْ عُشِقَتْ *** تَدُلُّ عَلَى فَضَائِحِهَا.

و تلك هي الحكمة التي أراد الكاتب أن يوصلها إلى قارئه، بطريقة تحذيرية، صاغها بأسلوب أدبي بليغ، محدثا طباقا بين (غاصوا/ طفت)، و استعارة مكنية في كلا الشطرين؛ كجزء لا يتجزأ من المتن ذاته، و تلك لعمري هي السمة المميزة لفن (الومضة القصصية) عن غيرها من الفنون الأدبية الأخرى.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

انتقام

تجاهلت حرمانه؛ وأد عفتها.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

العنوان (انتقام): و يعني إيقاع الضّرر أخذًا بالثأر، (وسيلة من وسائل العقاب و القصاص)؛ يقول الشاعر (الحكم بن أبي الصلت):

صرعته يد الردي من قصاص *** حادث أرخص الدموع الغوالي.

ثم يأتي الشطر الأول من المتن (تجاهلت حرمانه): و معلوم أن التجاهل ليس جهلا؛ بل هو مجرد ادعاء بالجهل رغم يقين المعرفة؛ يقول الشاعر (زكي مبارك):

تجاهلت عن هذا تجاهل عارف *** فما عن ذباب الروض في الروض أسأل.

أي أن معنى العبارة الواردة في الشطر الأول (تجاهلت حرمانه): أنها غضت الطرف عما به من تأثير حرمان، و الحرمان آفة نقص، و عاهة قبح، و وصمة عار؛ فماذا كان رد فعله؟:

ـ (وأد عفتها): و هو تعبير بلاغي يحمل دلالات عديدة، لكنه في المجمل يشير إلى حالة من حالات الانتقام ـ غير المبرر ـ بتعمده تشويه عفتها و طمر حيائها، بلا وعي و لا إدراك؛ يقول الشاعر (مظفر النواب):  

إذ يرف الوعي أو يبحث عن رقعة تبرير تغطيه.

موهما نفسه أنه بوأده عفتها؛ قد طمس مظاهر حرمانه!، و النص هنا ـ بحسب رؤيتي له ـ يدعو كل النساء إلى الحذر في تعاملهن مع الرجال؛ فالبشر ـ بوجه عام ـ ليسوا في طبائعهم سواء؛ يقول الشاعر (إيليا أبو ماضي)

و أكثر خوفي أن تظني بني الورى *** سواء، وهم مثل النبات ضروب.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كيد

ألقى حولها الشباك؛ اصطادته.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

العنوان (كيد): مكر، خدعة، حيلة... و الأصل فيه (محاولة إيقاع الضرر بالغير) إما غيرة؛ اتساقا مع قول (الإمام الشافعي):

اصبر على كيد الحسود *** فإن صبرك قاتله

فالنارُ تأكل بعضها *** إن لم تجد ما تأكله.

و إما انتقاما؛ اتساقا مع قول الشاعر (أسامة بن منقذ):

لا تأمنن كيد العد *** و فأمن كيدهم غرر.

و بمطالعة متن الومضة القصصية المعروضة؛ نجد أن (بطلها) قد (ألقى حول فتاته الشباك): كناية عن استدراجه لها، للوقيعة بها، في براثن حبه؛ غير أنها انتبهت لحيلته، و أدركت سوء نيته؛ فماذا فعلت؟:

ـ (اصطادته): على طريقة (الجزاء من جنس العمل)؛ يقول الشاعر (كعب بن زهير):

طاف الرماة بعيد رادعهم فإذا *** بعض الرماة بنبل الصيد مقتول.

و من ثم تُعد الومضة القصصية المعروضة، نصا تحذيريا بليغا لكل متباهٍ بتمكنه و قدرته على المكر و الدهاء؛ بألا يخدعه ضعف الضعفاء، الذين قد يفوقوه تمكنا و قدرة في هذا المجال أو ذاك؛ يقول الشاعر (عمارة اليمني):

و لا تحتقر كيد الضعيف فربما *** تموت الأفاعي من سموم العقارب.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تجرد

سترهم برعايته؛ انكشفت سوأته.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

العنوان (تجرد): قد تأتي الكلمة بالمعنى المعنوي: ترفُّع و تنزه (ترفع عن المصلحة الشخصية)، أو حياد و موضوعية (عدم الخضوع للميول و العواطف)؛ يقول الشاعر (عبد الغني النابلسي):

والذي في تجرد *** قد رآه تنسكا.

أو بالمعنى المادي:

ـ تجرد السيف: خُلع من غمده؛ يقول الشاعر (عبدالرحمن العشماوي):

حماها يستباح و لم *** تجرد سيفها العرب.

ـ تجرد من ملابسه: تعرى منها.

و بولوج متن الومضة القصصية المعروضة نجد الشطر الأول يحدثنا عن (البطل) الذي (سترهم برعايته): و هي عبارة دالة على اهتمامه بهم، و تفضله عليهم، و رعايته لهم، و حرصه ألا تنكشف عوراتهم (بالمعنى المادي و المعنوي أيضا)؛ فالرعاية تعني: حماية، وقاية، حفظ؛ يقول الشاعر (ابن شيخان السالمي):

رعاية أهْل الفضل في القرب و البعد *** تؤكِّد للإنسان داعية الوُدّ.

فماذا حدث له لقاء ما قدمه من رعاية و ستر؟:

ـ يجيبنا الشطر الثاني من المتن بعبارة (انكشفت سوأته): و هو انكشاف فاضح؛ ناتج عن إيثاره لهم، و تفضيلهم على نفسه؛ يقول الحق سبحانه و تعالى في محكم التنزيل: (ويؤثرون على أنفسهم و لو كان بهم خصاصة) الآية 9 من سورة الحشر.

ومضة قصصية جاءت على نحو مكثف، بليغ، مطابق بين (سترهم/ انكشفت) في حركة تبادلية مدهشة؛ إذ جعل الكاتب: الستر سببا في الانكشاف، و الافتضاح نتيجة الحفظ و الرعاية، كما جعل (الإيثار) مرادفا (للتجرد).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تدبر

تأمل رسمة النار؛ ارتعد من الجبار.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

العنوان (تدبر): تأمل، تبصر، تفكر... تقول الشاعرة (باحثة البادية):

من يطلب العلياء دون تدبر *** لا تعجبن لسعيه أن يخفق.

و لعل متن الومضة القصصية (تأمل رسمة النار؛ ارتعد من الجبار) تشي بنوع من أنواع التدبر، الذي أتى استجابة لأمر الحق سبحانه و تعالى في محكم التنزيل (أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها) الآية 24 من سورة محمد.

فها هو (بطل) النص ـ الذي تدبر القرآن الكريم ـ، قد (تأمل رسمة النار)؛ فهداه تفكيره إلى تصور نار جهنم (قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا) الآية ٨١ من سورة التوبة. فـ(ارتعد من الجبار) قبل فوات الفوت، و حلول الموت؛ يقول الشاعر (محمود بن الحسن الوراق):

لِلَّهِ دُرُّ فَتًى تَدَبَّرَ أَمْرَهُ *** فَغَدَا وَ رَاحَ مُبَادِرَ الْفَوْتِ.

لقد استطاع الكاتب أن يوصل رسالته إلى قارئه، من خلال ومضة قصصية مميزة، صاغها ببلاغة تكثيف، و جمال سجع يقرع الأسماع بزاجر و عظة؛ يقول (الحريري): "سر جمال السجع أنه: يُحدث نغماً موسيقياً يثير النفس و تطرب إليه الأذن.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ورع

رسم نارا؛ تصبب عرقا.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

العنوان (ورع): زهد، طاعة، مخافة، و الأصل في الورع: (ابتعاد عن الإثم و كف عن الشبهات و المعاصي)؛ يقول الشاعر (أبو مسلم البهلاني العماني):

قضيت عمرك في زهد و في ورع *** حتى أتاك يقين وقعه انحتما.

و يقول الشاعر (تميم البرغوثي):

ظل مستغفراً كذي ورع *** و لم يكن من صفاته الورعُ.

فهل كان (بطل) الومضة القصصية المعروضة (ورعا)، أم مدعيا صفة ليست متأصلة فيه؟:

ـ يجيبنا متن الومضة القصصية بأنه: (رسم نارا؛ تصبب عرقا)، و بتفكيك مفردات النص:

ـ (رسم): خط، وصف، صور؛ يقول الشاعر (إيليا أبو ماضي):

آه لو يغني خيال عن عيان *** كان كالمنهل رسم المنهل.

لكن المدهش هنا أنه (رسم ـ بخياله ـ نارا)؛ فشعر بحرارتها الحقيقية، و من ثم (تصبب عرقا)، و هو الذي كان في الماضي لا تؤثر فيه النار الحقيقية؛ يقول الشاعر (ابن القيسراني):

و قد كان يمحو رسم كل فضيلة *** و نحن نراه اليوم يثبت ما يمحو.

و ها هو (يتصبب عرقا): فيا له من وصف بليغ لانهمار العرق و تدفقه كالسيل، الذي يجرف في طريقه المعاصي و الذنوب، و يطهره منها؛ يقول الشاعر (ابن نباتة المصري) بتصرف:

و جاوره (الورع) المنهل حتى *** تصبب منه كالعرق الدرير.

و هكذا تحول المفعول به (نارا) إلى فاعل مؤثر؛ أوقد داخله شعلة الإيمان، التي أنارت له طرق الهداية و الرشاد.

فليتنا به نقتدي؛ يقول الشاعر (جبران خليل جبران):

بقدوته للمقتدين هداية *** إذا التمسوا وجه الصواب و نور.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

إزاحة

تقلد المنصب الرفيع؛ خلعته سمنته.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

العنوان (إزاحة): تنحية، إقصاء، إبعاد... يقول الشاعر (ابن الرومي):

و أبعدني إبعاد جاني عظيمة ٍ *** و قد كنت أستدعى زمانا و أستدنى.

و قد ورد في معجم لسان العرب أن (زاحَ و زاخَ، بالحاء و الخاء، بمعنى واحد)، و في المعجم الوسيط (زاخَ يَزيخُ زَيْخاً و زَيَخاناً بمعنى: جار، و ظَلَمَ، و تَنَحَّى ـ أزاخَه: نَحَّاهُ. ـ تَزَيَّخَ: تَذَلَّلَ)؛ يقول الشاعر (لبيد بن ربيعة):

لَوْ يَقومُ الفِيلُ أَو فَيَّالُه *** زاخَ عَنْ مِثْلِ مَقامي و زَحَل.

و (الإزاحة): مصطلح له دلالات رياضية، و فيزيائية، و نفسية، و لغوية، و حيث أننا إزاء نص أدبي اتخذ (الإزاحة) عنوانا؛ وجبت الإشارة إلى معنى (الازاحة اللغوية) باختصار شديد؛ فنقول:

إذا كان أن النص الأدبي يستخدم اللغة للإبلاغ؛ فإن قراءتنا فيه لا ينبغي أن تتوقف على المفاهيم المجردة للغة؛ إنما يجب أن تنتقل من ذلك المفهوم إلى مستوى أعمق من مجرد الإبلاغ، و من ثم تتضح معانٍ و دلالات جديدة، تؤكدها جماليات التشكيل اللغوي ذاته، المعتمد على الإسقاط و الانزياح.

و للوقوف ـ عمليا ـ على مفهوم الإزاحة، وجب تطبيق تلك النظرية على النص المعروض (تقلد المنصب الرفيع؛ خلعته سمنته):

لو طالعنا النص من حيث اللغة المجردة؛ لأدركنا أنه مجرد إبلاغ خبري مصاغ صياغة أدبية، فيها طباق بين (تقلد/ خلعته)، (الرفيع/ سمنته)، أما لو أزحنا ذلك المفهوم الإبلاغي جانبا، و أحللنا محله رؤية متعمقة؛ لاكتشفنا أن:

(المنصب الرفيع) لا علاقة له بالنحافة و الهزال؛ بل على العكس من ذلك فهو دليل رفعة و عظمة و علو شأن. و بالمقابل فإن (سمنته) لا علاقة لها بالبدانة، بل هي دليل نهم مادي، و استغلال شره لذلك المنصب، لتحقيق ثروات أصابته بالتخمة؛ فكانت النتيجة أن جنى نتيجة تعجله و شرهه و نهمه، فلم يطُرد فقط من وضيفته شر طرده، بل عوقب عقابا وخيما؛ يقول الشاعر (أحمد فارس الشدياق):

لو اكلنا الدنيا لدى نضجها *** لم يك فينا ذو تخمة مل طبه

غير انا نأتي جناها ابتسارا *** فنرى بسرها وخيم المغبه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

حصن

أمطرت السماء يوم وداعها؛ احتمى بنعشها.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

العنوان (حصن): معقل، ملاذ، ملجأ... يقول الشاعر (السموأل بن غريض):

بالأَبلقِ الفَرْدِ مِنْ تَيْمَاءَ مَنْزِلُهُ *** حِصْنٌ حَصَينٌ وَجَارٌ غَيْرُ غَدَّارِ.

و يقول الشاعر (إبراهيم بن محمد الخليفة):

إذا لم يكن عقل الفتى عاقلا له *** على معقل التقوى فلا حبذا عقل.

و يقول الشاعر (أسامة بن منقذ):

فليس لراج غير عفوك ملجأ *** و ليس لعاص لم ينب منك عاصم.

و يقول الشاعر (ابن نباتة المصري):

عليك بأبواب سيف العلا *** ملاذ الفقير و أمن المخوف.

و بمطالعة الومضة القصصية المعروضة؛ نجدها تصف حالة حزن انتابت (البطل) و كنى عنها الكاتب بعبارة (أمطرت السماء يوم وداعها)، فالعلاقة جد وثيقة بين الدموع و المطر؛ يقول الشاعر (عبدالرحمن العشماوي):

ما زال يلمح طفلة لبست *** ثوب الضياع، فدمعها مطر.

إن مشاعر الحزن و الإحساس بالفقد و الضياع جاء نتيجة وداع أمه؛ اتساقا مع قول الشاعر (ابن شهاب):

وداع و المودع خير راق *** بهمته ذرى السبع الطباق.

إن صعود روحها إلى السماء؛ واكبه سقوط المطر إلى الأرض، و تلك إشارة بليغة تؤكد حقيقة العلاقة الرحيمة بينهما؛ فما كان منه إلا أن (احتمى بنعشها): كناية عن تحصنه بدعائها الدائم له قبل رحيلها؛ يقول الشاعر (ابن زمرك):

يا رب حصن في ذراها قد اعتلى...

و كأنه يود ـ بذلك الاحتماء بنعشها ـ ألا ينقطع عنه هذا الفيض من الدعاء، و ساعيا في ذات الوقت للدعاء لها، بالرحمة و المغفرة؛ آملا أن يستجيب الله ـ سبحانه و تعالى ـ لدعائهما، على نحو قول الشاعر (إبراهيم اليازجي):

و لقد أجاب دعا الإله ملبياً *** و عليه من حسناته أكليل.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

توافق

لبس الإحرام؛ خلع الحرام.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

العنوان (توافق): تناغم، تناسب، تآلف...

يقول الشاعر (ابن شيخان السالمي):

و لا يزال سديداً أمرُ طائفة *** إذا توافق أعمالٌ و نِيَّاتُ.

و يقول الشاعر (كمال خير بك):

متآلفون تآلف الأهداب...

فما مظهر (التوافق) في الومضة القصصية المعروضة؟:

ـ يجيبنا الشطر الأول من المتن (لبس الإحرام): نوى أداء فريضة الحج، بذلك اللباس المعبر عن توحد و تآلف المسلمين؛ فلا فوارق بينهم، لا من حيث اللون، أو اللغة، أو البلد و ذلك مظهر من مظاهر (التوافق).

و هو بأداء شعيرة الإحرام و ارتدائه لتلك الثياب، استعدادا ليوم المعاد؛ قد تجرد من كل منصب أو جاه، و قبل هذا و ذاك؛ (خلع الحرام)، و تاب و أناب؛ و هنا يبرز مظهر آخر من مظاهر (التوافق)، بتلك المواءمة و التناسب و الانسجام بين (لبس الإحرام) و (خلع الحرام).

و حيث أن الكاتب قد أبدع في الطباق بين (لبس/ خلع) و الجناس و السجع بين (الإحرام/ الحرام) وجب أن نبحث في الإجابة عن سؤال هام: لماذا استخدم كلمة (لبس) و لم يقل (ارتدى)؟:

ـ الإجابة ببساطة أن لكلمة (لبس) معنى الارتداء، و في نفس الوقت لها معنى (الغموض) و الالتباس؛ و من ثم أراد الكاتب أن يوضح حقيقة أن ارتداء ملابس الإحرام، تظل نتيجته مرهونة؛ بـ (خلع الحرام)، طبقا لما أورده في الشطر الثاني من المتن؛ إذ يكون اللبس بعد الخلع، و لا يجوز لبسا فوق لبس. فضلا عن أن (لبس) تعني اكتسى، أما (ارتدى) فتعني الستر فقط؛ يقول الشاعر (ابن دارج القسطلي) بتصرف:

عقدت بمفرقك (الكياسة) تاجها *** و كستك لبس ردائها و وشاحها.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

معادلة

اتسعت العلوم؛ ضاقت العيون.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

العنوان (معادلة): من العدالة: المساوة، التوازن، الاعتدال...

و تأتي كلمة (معادلة) التي اتخذها الكاتب عنوانا لومضته القصصية، متسقة مع العلاقة المتوازنة بين شطري المتن:

(اتسعت العلوم)؛ (ضاقت العيون)؛ فبين الضيق و الاتساع، و بين العسر و اليسر، و بين الكآبة و الفرج، ثمة علاقة يؤكدها قول الشاعر (إبراهيم عبد القادر المازني):

و كل ضائقة تعرو إلى فرج *** و إن لليسر مثل العسر ميقاتا.

غير أن الكاتب هنا قد أدهشنا، بأن جعل (ضيق العيون) يجيء نتيجة (اتساع العلوم)، و هو أمر يدعونا لقراءة المتن من منظور مختلف؛ فـ(اتساع العلوم) يعني تمدد، كثرة، تنوع و تطور في مجالات الفنون و العلوم و التكنولوجيا؛ يقول الشاعر (جبران خليل جبران):

أتى هذا الزمانُ بألفِ لونٍ *** جديدٍ في الفنونِ و في العلومِ.

ـ فماذا كانت النتيجة؟:

ـ (ضاقت العيون) و الضيق هنا إما أن يحمل معنى (الضجر، و الانزعاج)؛ فيتسق مع قول الشاعر (إيليا أبو ماضي):

إن يكن علم الورى يشقيهم *** يا إلهي ردّ للناس الغباء.

و إما أن يكون (ضيق العيون) بمعنى (ضعفها) و تقصيرها عن ملاحقة ذلك الانهمار المعرفي؛ يقول الشاعر (ابن النبيه) بتصرف:

صدقتم إن ضيق العين (ضعف).

و إما أن يكون (ضيق العيون) كناية عن تواضع المرء؛ نتيجة إدراكه لعظم العلم؛ محدثا توازنا حميدا بين تلك العظمة و ذلك التواضع؛ يقول الشاعر (عبد الغني النابلسي): 

تواضع ثم إيثار مشارطة *** حساب نفس له في العدل ميزان.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

إعلان

خسر وزنه؛ كسب عافيته.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

العنوان (إعلان): إفشاء، إعلام، مجاهرة... و للإعلان معان و دلالات منها:

ـ إعلان الحرب: شنها و إشعالها.

ـ إعلان حقوق الإنسان: وثيقة توافقت عليها الدول الأعضاء في الأمم المتحدة.

ـ إعلان المحكمة: أمر حضور للمثول أمامها، أو إعلام بالحكم الصادر عنها.

ـ إعلان الحقيقة: الجهر بها.

ـ إعلان عن بضاعة أو خدمة أو نشاط: إظهارها و الإبلاغ عنها بالنشر في أي وسيلة إعلانية.

و يبدو أن (بطل) الومضة القصصية المعروضة، قد استجاب لإعلان  ـ من تلك الإعلانات ـ المتعلقة بتقليل الوزن؛ فتحقق له ما أراد و (خسر وزنه)؛ و من ثم (كسب عافيته) نتيجة تخلصه من السمنة، و الأمراض التي تسببها؛ فالسمنة بمعناها ـ المادي و الرمزي أيضا ـ ليست دليل صحة؛ يقول الشاعر (مسكين الدارمي):

رُبَّ مهزول سمينٌ عِرضه *** و سمينُ الْجِسْم مهزولُ الْحسب.

و في قراءة أخرى للومضة القصصية (إعلان) يمكننا تصور أنه كان إعلانا عن (دورات تنمية بشرية) لاكتساب الثقة بالنفس، و تعزيز مشاعر العزة و الكرامة، و ها هو ـ بعد اكتسابه لتلك الصفات ـ قد (خسر وزنه) كناية عن تخلصه من أثقال الذل و الخنوع و الهوان؛ يقول الشاعر (أسامة بن منقذ):

لا تُلزِمَنّي بالهَوانِ و حَملهِ *** إن احتمال الهون ثقل مرهق.

و من ثم (كسب عافيته) كناية عن تخلصه مما ألم به، و أثقل كاهله، و كأنه ـ بعد ذلك ـ قد ولد من جديد؛ يقول الشاعر (أحمد محرم) بتصرف:

هذا الذي بعث الشعور و بثه *** ملء (الصدور و الإباء عظيم).

و المدهش هنا أن جعل الكاتب تلك (الخسارة) وسيلة (لمكسب) في مطابقة رائعة، تفتح الباب واسعا أمام قراءة ثالثة؛ يمكن تأويلها على اعتبار أن العنوان (إعلان) وفاة؛ و من ثم يتسق المتن مع قول الشاعر (أحمد شوقي):

فارقتَ دنيا أرهقتك خسارة ً *** و غنمتَ قربَ اللهِ و هو رباح.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تجارة

باع ضميره؛ اشترى ضمائر الآخرين.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

العنوان (تجارة): ممارسة أعمال البيع و الشِّراء لغرض الرِّبح، وهي نوع من أنواع المقايضة بين سلعة بمال أو سلعة بسلعة (هذا قَيْضٌ له، و قِياضٌ له: مُساوٍ له) حتى لو كانت المقايضة بأشياء معنوية؛ يقول الشاعر (أبو الفتح البستي):

تجنبْ مجالسَ أهلِ الفسادِ *** و قايضْ أنوكَ منهم ببعدْ.

ثم ها هو الشطر الأول يعبر عن تجارة من نوع ما (باع ضميره): أي تخلى عن استعداده النفسي لإِدراك الخبيث و الطيب من الأعمال و الأَقوال و الأَفكار، و عدم التفرقة بينها، بل و استحسان القبيح، و استقباح الحسن، و هو بذلك يتحول إلى جسد بلا روح؛ طمعا في تحقيق مصالح انتهازية!؛ يقول الشاعر (أبو الهدى الصيادي) بتصرف:

باع (الضمير) تحققا بنبيه *** طمعا بشربة حوضه المورود.

و إذا كان (بطل) الومضة القصصية المعروضة قد (باع ضميره)، اتساقا مع قول الشاعر (فوزي المعلوف):

نسي الخير حين أوغل في الش***ــر فداس الضمير في عصيانه.

إلا أن من حقه أن يفيق من غيه؛ اتساقا مع قول الشاعر (عبدالرحيم محمود):

ظلنا نقول غدا يفيق ضمير من *** فقد الضمير و يعدل.

غير أنه لم يرتدع، بل لم يكتف بما فعل؛ فـ(اشترى ضمائر الآخرين) أيضا، و هو بذلك باع ضميره لمن باعوا ضمائرهم؛ اتساقا مع المثل: (الطيور على أشكالها تقع).

فبئس البائع، و بئس المشتري.

و هكذا يعرض الكاتب صورة من صور البيع الحرام؛ بغية تنبيه القارئ و تحذيره من مثل تلك البيوع، سعيا وراء التزام القارئ بمقاومة نفسه الأمارة بالسوء، و مقاومة حقارة و دناءة و مهانة الغايات، مرددا قول الشاعر (فاروق جويدة):

إن الشجاعة أن أقاوم شح نفسي *** أن أقاوم خسة الغايات.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

غدر

وثقَ بهم؛ أوثَقُوه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

العنوان (غدر): خداع، غش، خيانة... يقول الشاعر (أسامة بن منقذ):

و لا عجبُ، أنتُم بنو الدَّهرِ، مثلُه: *** عهودكم غدر و ودكم ختر.

تلك الحقيقة لم تمنع (بطل) الومضة القصصية المعروضة من (الوثوق بهم): بمعنى التيقن من إخلاصهم، و التأكد من وفائهم؛ غير أنهم استغلوا ثقته فيهم؛ فـ(أوثقوه):

أي قيدوه بتلك الثقة، فجعلوها وسيلتهم لخداعه و غشه و خيانته؛ يقول المثل: (الخيانة: مبعثها الثقة المفرطة)، و ما دام (الغدر) موجودا في نفوس البشر؛ فالثقة فيهم عجز، و الاطمئنان إليهم غفلة؛ يقول (الأحنف بن قيس):

"إذا كان الغدر في الناس موجودا؛ فالثقة بكل أحد عجز".

فـ(الثقة العمياء، مثلها مثل الشك القاتل).

تلك هي الحكمة التي أراد الكاتب أن يوصلها إلى قارئه، من خلال ومضته القصصية التي اتسمت بوضوح الفكرة و بلاغة التكثيف، و جماليات الجناس.

ـــــــــــــــــــــــــ60ـــــــــــــــــــــــــ

أمّومةٌ

أكرَمَتْهُم عُمْرًا؛ أكرَمُوهَا يَوْمًا.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

العنوان (أمومة): تلك الرابطة التي تصل الأم بأبنائها، و هي لا تقتصر على الوالدة وحدها، بل تمتد لتشمل كل أنثى تحمل مشاعر (الأمومة) بغريزتها الفطرية، و خير دليل؛ ما نراه من اهتمام لدى كل طفلة، و هي تداعب دميتها، مداعبة أم لوليدها...

غير غافلين عن وجود (أمهات مموهة فيهن الأمومة)؛ كتلك التي يذكرها الشاعر (بدر شاكر السياب):

جزاك الإله الخير عن أم صبية *** أعدت لها البعل الذي كاد يقبر!.

و طبقا للقاعدة (الاستثناء لا يقاس عليه و لا يتوسع في تفسيره)؛ فلنركز أكثر على (الأمومة الحقة) و مدى تأثيرها في أبنائها، و من ثم في المجتمع كله؛ يقول الأديب و الفيلسوف الأمريكي (رالف والدو ايمرسون): "الرجال هم ما صنعتهم أمهاتهم"، و يقول الشاعر (حافظ إبراهيم):

الأم مدرسة إذا أعددتها *** أعددت شعبا طيب الأعراق.

و ها هي الومضة القصصية المعروضة تخبرنا بحال أم ـ كحال كل الأمهات ـ مع أبنائهن: حملتهم كرها، أرضعتهم حبا، رعتهم سهرا، أدبتهم سلوكا، غذت أجسادهم طعاما، و أرواحهم إيمانا، و عقولهم فكرا و علما... و جاء الشطر الأول من المتن معبرا عن كل ذلك بعبارة بليغة جامعة مانعة: (أكرمتهم عمرا)؛ فهل جاء إكرامهم لها معادلا لإكرامها لهم؟:

يقول الشاعر (جبران خليل جبران):

إن لم يكن شكر العدول جزاءها *** فعلام في الدنيا يكون جزاء.

المدهش أن جاءت الإجابة في الشطر الثاني: (أكرموها يوما)، حيث خصصوا لتكريمها يوما واحدا، و هي التي وهبت عمرها كله من أجلهم؛ يقول الشاعر حسن بن علي بن جابر الهبل اليمني (الهبل) في غير موضع:

أكذا يكون جزاء من حفظ الهوى *** و رعى عهودكم يهان و يبعد؟!.

ـــــــــــــــــــــــــ 61ـــــــــــــــــــــــــ

انضباط

قوَّمها الحُب؛ اعْوَجَّت بالمحاباة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

العنوان (انضباط): و يُقصد به (الالتزام) بوجه عام، و منه:

ـ انضباط السوق: التزام المؤسّسات المالية بممارسة الرقابة الذاتية على عملياتها.

ـ انضباط عسكريّ: انتظام و خضوع للأوامر العسكريَّة.

ـ انضباط الساعة: انتظام حركتها و دقة تعبيرها عن الوقت.

ـ انضباط ذاتي: سيطرة على الذَّات أو التصرفات لتحقيق التوازن النفسي و السلوكي.

و بمطالعة الشطر الأول من المتن (قومها الحب) يتضح لنا أن (الحب) و ليس (العنف) هو العنصر المؤثر في (التقويم: التصحيح، التهذيب)؛ يقول الشاعر (إبراهيم أبو اليقظان) بتصرف:

و اعلمْ بأنَ خيرَ مَا تهدي به *** أن تبذلَ (الحب) في تَهْذيبهِ.

لكن المدهش هنا أن الشطر الثاني من المتن، أخبرنا أن تلك التي (قومها الحب) هي ذاتها التي (اعوجت بالمحاباة)، و هو ما يؤكد حقيقة المثل الشهير (إذا ما زاد الشيء عن حده؛ انقلب إلى ضده)؛ يقول الشاعر (ابن الرومي) بتصرف:

فلا تسأليني في هواكِ زيادة ً *** فأيسرُهُ (إهمال و أعلاه تدليل).

و يقول الشاعر (ابن نباتة المصري) بتصرف:

إن كان إفراط حبي فيك صير لي *** ذنباً (فبئسا) بذنبٍ ليس يغتفر.

و من ثم يقودنا المتن إلى قضية عامة هي ضرورة (الاعتدال في كل مجال و مكان: بلا إفراط و لا تفريط)، و ما أورده الكاتب من مثال؛ جسد تلك الفكرة ببلاغة لفظ، و حسن صياغة، محدثا مقابلة بين شطري النص.

ـــــــــــــــــــــــــ62ـــــــــــــــــــــــــ

إعلام

أزْهَقَ الحقيقة؛ شَهِقت الكاميرا.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

العنوان (إعلام): إبلاغ، إنباء، إطلاع...

يقول الشاعر (لسان الدين الخطيب):

تعلم من أخلاقك العدل في الورى *** فللعلم إعلام و للجود إيجاد.

و معلوم أن الفارق بين (الاعلان) و (الإعلام): أن الأول هو وسيلة اتصال هدفها إثارة الطلب، و غرضها اقتصادي (زيادة المبيعات)، بينما (الاعلام): وسيلة اتصال لنشر الحقائق و المعلومات و الأخبار، بهدف تنمية الوعي السياسي و الاجتماعي.

و ها هي الومضة القصصية المعروضة تفاجئنا في شطرها الأول بحالة تناقض هذا الدور المنوط بالإعلام: (أزْهَقَ الحقيقة): كناية عن مجافاة الحقيقة، بغش معلوماتي أو خداع إخباري؛ اتساقا مع قول الشاعر (أحمد شوقي):

و ربَّ حقيقة ٍ لا بدَّ منها *** خدعْنا النَّشْءَ عنها و السَّوادا.

و المدهش أن أتى الشطر الثاني مؤكدا ذلك الكذب و الغش و الخداع، من خلال عبارة بليغة (شهقت الكاميرا): و هي عين الحقيقة التي صورت الواقع، المناقض لما أعلنه؛ فشهقت حسرة؛ تتوافق في وصفها مع قول الشاعر (أبو فراس الحمداني):

حسرة ٌ *** تَزُولُ الجِبَالُ، و لَيْسَتْ تَزُولُ.

ذلك (الإعلام) المشار إليه في النص، سبق أن قال فيه الشاعر (عبدالرحمن العشماوي):

إعلام هذا العصر شر ظاهر *** فعلى يديه تزور الأخبار.

و من ثم توجه الومضة القصصية المعروضة رسالة إلى القارئ؛ مفادها ألا يصدق ما يُذاع أو يُنشر في وسائل الإعلام المعادية، التي تهدف إلى زعزعة الاستقرار، من خلال بثها الأكاذيب؛ و من ثم قد أعرض عنها كل ناصح أريب، و نطق لسان حاله بما قاله الشاعر (كثير عزة):

فأعرضتَ عنها مشمئزّاً كأنّما *** سقتك مدوفاً من سمامِ و علقمِ.

ـــــــــــــــــــــــــ63ـــــــــــــــــــــــــ

كبر

تضخَّم صدره؛ لم يُبصر غيره.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

العنوان (كِبْرٌ): تعاظم، اختيال، غطرسة، غرور... يقول الشاعر (ابن دارج القسطلي):

لم يعبدوا الأصنام إلا أنهم *** عبدوا الغرور عبادة الأصنام.

و كلمة (كبر) يتغير معناها بحسب ضبط حروفها:

ـ الكُبْرُ: الشرف و الرفعة.

ـ كبَّر المؤذن قال: الله أكبر، تعظيمًا لله سبحانه و تعالى.

ـ كَبَّرَ الْمَسْأَلَةَ: جَعَلَهَا كَبِيرَةً، ضَخَّمَهَا.

ـ كَبِرَ الرَّجُلُ: طَعَنَ فِي السن، شَاخَ.

ـ كِبْرٌ: كما ذكرنا (تعاظم، اختيال، غطرسة، غرور) و هو المعنى المقصود طبقا للمتن، الذي جاء في شطره الأول بعبارة (تضخم صدره) كمظهر من مظاهر الغرور و التعالي؛ فـ(الصدر): مقدمة كل شيء، و كأنه يبارز غيره ببروز صدره، الذي هو للعجز أقرب؛ يقول الشاعر (فاروق جويدة):    

فقلت: ترى هل تفيد الأماني *** إذا ما ارتمت فوق صدر السراب؟!.

ثم جاء الشطر الثاني مكملا الصورة (لم يبصر غيره)، تعبيرا عن فشله و عجزه، نتيجة غروره و كبره؛ يقول الشاعر (جبران خليل جبران) بتصرف:

فساد (الصدر) فيه دليل عجز *** فهل معه يكون صلاح فعل؟!.

و ما الإصابة بداء الكبر؛ إلا من مصيب أو مصيبة؛ يقول الشاعر (عبدالله عبدالوهاب نعمان):

ومضيت تزرع ريشه في جنبه *** حتى استطار بريشه خيلاء.

و يضيف الشاعر (ابن الرومي) ناصحا:

فدعِ اللِّئام فما ثوابُ مديحهِمْ *** إلاَّ ثوابٌ عبادة ِ الأوثان.

و تلك هي الحكمة البليغة التي أراد الكاتب أن يوصلها إلى قارئه من خلال صورة مشهدية، معبرة عما يؤدي إليه النفاق من تضليل، و الكبر من عمى؛ يقول الشاعر (إيليا أبو ماضي):

ليس الكفيف الذي أمسى بلا بصر *** إنّي أرى من ذوي الأبصار عميانا.

ــــــــــــــــــــــــــ64ــــــــــــــــــــــــ

مُخَاتلة

كذبوا ليلاً؛ فضحهم النهار.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

العنوان (مخاتلة): كذب، تضليل، خداع... عندما نطالع تلك الكلمة، التي اتخذها الكاتب عنوانا لومضته القصصية؛ لا نملك إلا أن نرفع أكف الضراعة إلى الله، مستلهمين قول الشاعر (جبران خليل جبران) أن:

يدفع تضليل الذين افتراؤهم *** على الله حق و الحرام لهم حل.

و نستعيذ من كل مدلس، مضلل، مخاتل؛ على نحو قول الشاعر (أحمد محرم):

إذا مكر المخاتل قلت قلبي *** أعيذك من مخاتلة و مكر.

و ها هم كما يخبرنا الشطر الأول من المتن؛ قد جاءوا ـ بقدهم و قديدهم ـ عاقدين العزم على الخداع فـ(كذبوا ليلاً) كناية عن استغلالهم للظلام في بث أكاذيبهم؛ و هو الظلام المخيف، الذي عبر عنه الشاعر (فاروق جويدة) بقوله:

إني لأفزع كلما جاءت *** خيول الليل نحوي.

و ما أن انقشع الظلام، الذي اتخذوه قناعا لكذبهم؛ حتى (فضحهم النهار): و كشف زيف كلامهم، و خداع وعودهم، و افترائهم و تضليلهم و غشهم و تدليسهم؛ فحقت الاستجابة لنداء الشاعر (علي محمود طه) بتصرف:

و التمس في (الحق) دفئا ينسّـ *** ـك (مكر) الأسى و ليل الخطوب.

إن الكذب مهما توارى عن العيون؛ سيفضحه الحق طال الزمان أم قصر؛ (فاعتبروا يا أولى الأبصار) الآية 2 من سورة الحشر. و ليأخذ كل كاذب حذره، و يصلح أمره، قبل أن يلقى ربه ـ سبحانه وتعالي ـ الذي توعد الكاذبين في محكم التنزيل: (ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون) الآية 10 من سورة البقرة، (ثم نبتهل فنجعل لعنت الله على الكاذبين) الآية 61 من سورة آل عمران.

ـــــــــــــــــــــــــ65ـــــــــــــــــــــــــ

تفاوت

طلبوها بالعمل؛ طلبناها بالتَّمني.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

العنوان (تفاوت): تباين، تغاير، اختلاف... يقول الشاعر (أحمد محرم):

أراهم سواءً لا تفاوت بينهم *** و لن تستبين العين ما كان خافيا.

تُرى من هم هؤلاء الذين (طلبوها بالعمل): إنهم بلا شك الذين لم يركنوا إلى مجرد الرجاء و التمني، بل سعوا لتحقيق ما تمنوا؛ يقول الشاعر (لسان الدين الخطيب):

فسار بالعدل في ورد و في صدر *** و راقب الله في قول و في عمل.

على الجانب الآخر يأتي الشطر الثاني متحدثا عمن اكتفوا بالتمني دون عمل؛ يقول (الحسن البصري): "ليس الإيمان بالتمنِّي، و لكن ما وقَر في القلب و صدّقه العمل، وإن قومًا خرجوا من الدُّنيا و لا عمل لهم و قالوا: نحن نحسن الظَّنَّ بالله و كَذَبُوا، لو أحسنوا الظَّنّ لأحسنوا العمل".

و واضح أن (المطلوبة) في الحالتين هي (الجنة: الفردوس، دار الخلد، دار النعيم)، و (التفاوت) المشار إليه في العنوان هو بين من طلبوها و يسعون إليها عن بصيرة و همة و عمل؛ يقول الشاعر (أحمد محرم):

المرء إن طلب الأمور بهمة ٍ *** لم يعيه وطرٌ من الأوطار.

و بين غيرهم ممن طلبوها بغير ذلك، يقول الشاعر (ابن شهاب):

يسعى بغير بصيرة فيزيده *** طلب المزيد بسعيه نقصانا.

ـــــــــــــــــــــــــــ66ـــــــــــــــــــــــ

غُثاء

ازدحم الحرم؛ تفرقت المشارب.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

العنوان (غثاء): ما يحملُه السَّيلُ من رغوة و من فُتات الأَشياء التي على وجه الأرض، و هي كلمة لها معانٍ عديدة بحسب السياق:

ـ غَثَّ اللَّحْمُ: فَسَدَ

ـ غَثَّتِ الشَّاةُ: عَجِفَتْ، هَزَلَتْ

ـ غَثَّ الْجُرْحُ: صَارَ فِيهِ غَثِيثٌ، أَيْ صَدِيدٌ

ـ غثَت نفسُه: تحرّكت و تهيّأت للقيئ

ـ غَثَتِ السَّمَاءُ بِالسَّحَابِ: غَيَّمَتْ

ـ غَثَا الكَلاَمَ: خَلَطَهُ

ـ غَثَّ فِي خُلُقِهِ: سَاءَ

ـ غثا السَّيلُ: رمَى ما يحمله من زبدٍ و قذر، و قد وردت عبارة (غثاء كغثاء السيل) في حديث لرسولنا الكريم صلى الله عليه و سلم: (يوشك الأمم أن تداعى عليكم، كما تداعى الأكلة إلى قصعتها. فقال قائل: ومِن قلَّةٍ نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم يومئذٍ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السَّيل، ولينزعنَّ الله مِن صدور عدوِّكم المهابة منكم، وليقذفنَّ الله في قلوبكم الوَهَن. فقال قائل: يا رسول الله، وما الوَهْن؟ قال: حبُّ الدُّنيا، وكراهية الموت)

تلك هي النتيجة التي عبر عنها الحديث الشريف، و ضمنها الكاتب في ومضته القصصية المعروضة في العنوان (غثاء) و في ترجمته للمعنى ذاته بالمتن: (ازدحم الحرم) ترجمة و تضمينا من: (بل أنتم يومئذٍ كثير)، (تفرقت المشارب) أي تعددت التوجهات و الميول و الأهواء؛ ترجمة و تضمينا من: (حب الدنيا و كراهية الموت).

ومضة قصصية دعوية بامتياز، استطاع الكاتب من خلالها عرض صورة من الواقع المؤسف؛ لعل القارئ ينتبه لها؛ فتكون دافعة له و لغيره أن يصلحوا أمورهم، و تتوحد كلمتهم، كي تكون كثرتهم العددية ذات قيمة و شأن، و ألا تكون مجرد (غثاء) كغثاء السيل. 

ــــــــــــــــــــــــــ67ــــــــــــــــــــــــ

هوى

مات في حبها؛ عاشت بحُب غيره.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

العنوان (هوى): و له معنى التوله، الهيام و ميل النفس للشهوة؛ يقول الحق ـ سبحانه و تعالى ـ في محكم التنزيل: (ولا تتبع الهوى) الآية 26 من صورة ص. (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ) الآية 23 من سورة الجاثية.

و للهوى معنى آخر: سقط من أَعلى إلى أَسفل؛ يقول الشاعر (ابن شهاب):

تهوي بكل غضنفر متقلّد *** للهول أبيض أو سناناً أسمرا.

فعن أي المعنيين تحدثنا الومضة القصصية المعروضة؟:

ـ يجيبنا الشطر الأول من المتن بعبارة (مات في حبها): أي بالغ في هواها، و منحها روحه؛ لتحيا بحبه، رغم أنها قد لا تستحق ذلك الحب؛ اتساقا مع قول الشاعر (يحيى بن محمد الهادي):

ومن الهوى محض الهوان لأنَّها *** ليست بكفؤٍ أن تكون خليلا.

و يؤكد هذا المعنى ما جاء في الشطر الثاني من المتن (عاشت بحُب غيره): أي أنها تمردت على حبه و استهانت بتضحيته، و لم تعر اهتماما بمشاعره و عواطفه المتأججة، و رأت أن يذهب هو و روحه إلى الجحيم؛ فنطق لسان حاله بما قاله الشاعر (ابن سهل الأندلسي):

رفقاً بصبّ عشق *** خذلته بلا معينْ.

و يقول الشاعر (إبراهيم ناجي):

يا فؤادي لا تسل أين الهوى *** كان صرحاً من خيالٍ فهوى

و يقول الشاعر (إيليا أبو ماضي):

هوى مثلما يهوي إلى الأرض كوكب *** كذاك اللّيالي بالأنام تدول.

و من ثم تتضح الحكمة التي أراد الكاتب أن يوصلها إلى قارئه و مفادها قول (ابن تيمية): "من عرف ربه اشتغل به عن هوى نفسه". و يقول الشاعر (ابن دريد الأزدي):

آفة العقل الهوى فمن علا *** على هواه عقله فقد نجا.

ــــــــــــــــــــــــــ68ــــــــــــــــــــــــ

نشاط

هنأوهم بالراحة؛ بادروهم بالعمل.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

العنوان (نشاط): اجتهاد، سعي، مواظبة... يقول الشاعر (أبو مسلم البهلاني العماني):

على نشاط و عزم لا يعارضه *** معارض فكأن البحر مندفعا.

و حيث أن النشاط تعقبه هدنة، و العمل تتخلله راحة، يستعيد خلالها العامل حيويته و نشاطه؛ فما أن نالوا قسطا منها، حتى (هنأوهم بها)، و عندما بلغتهم التهنئة؛ اكتشفوا أن تلك الراحة، مخصصة فقط للثرثرة المملة، و مؤدية إلى الفتور و الضجر؛ يقول الشاعر (أحمد شوقي):

كل يوم لهم أحاديث لومٍ *** بدأَتْ راحة، و عادتَ مَلالا.

فماذا فعلوا؟:

ـ (بادروهم بالعمل)، و هي الإجابة الصائبة، و الرد المناسب، الذي يتوافق مع قول الشاعر (أبو الهدى الصيادي):

عن غلط يولي كريما راحة *** يوما فيحشوها بعمد تعبا.

و الكاتب بومضته القصصية المعروضة يوصل إلى قارئه رسالة تتسق في مغزاها مع أبيات الحكمة:

ـ قول الشاعر (أبو العتاهية):

ما أحسنَ الشغلَ في تدبيرِ منفعةٍ *** أهلُ الفراغِ ذوو خوضٍ و إِرجافِ.

ـ و قول الشاعر (جبران خليل جبران):

هبوا إلى عمل يجدي البلاد فما *** يفيدها قائل يا أمتي سودي.

ـ و قول الشاعر (ابن مشرف):

فخذ أهبة للموت من عمل التقى *** لتغنم وقت العمر قبل انقضائه.

ـــــــــــــــــــــــــ69ـــــــــــــــــــــــــ

مكافأة

طغت أنوثتها؛ أنصفها احتواؤه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

العنوان (مكافأة): نافلة، منحة، عطية... و الأصل فيها أنها: ما يُعْطى أو يُمنَح اعتِرافًا بخِدمة و فَضل، أو بعملٍ جدير بالتقدير؛ يقول الشاعر (بهاء الدين زهير):

فالنّاسُ بالنّاسِ وَ الدّنيا مكافأة ٌ *** و الخيرُ يذكرُ و الأخبارُ تنتقلُ.

و يقول الشاعر (ابن الرومي):

لا يراها ساقطٌ نافلة ً *** و يراها الحُرُّ فرضاً مُفتَرضْ.

تُرى أي (مكافأة) تلك التي تتحدث عنها الومضة القصصية المعروضة، و من الذي منحها، و إلى من مُنحت، و عن أي عمل استُحقت؟:

ـ يجيبنا الشطر الأول من المتن: (طغت أنوثتها): كناية عن بلوغها مبلغا من الفتنة و الإغراء؛ يقول الشاعر (إبراهيم ناجي):

خطرٌ ينسابُ من مفتر ثغر *** فتنة تعصف من لفتة نحر.

و هي على ما يبدو امرأة استلبت فؤاده، و أشعلت غيرته بتلك الأنوثة الطاغية؛ على نحو قول الشاعر (إبراهيم ناجي):

يتنازعانك غيرة و تغضباَ *** كل يراك حبيبه المعبودا.

فما كان من (بطل) الومضة القصصية المعروضة إلا أن (أنصفها باحتوائه): بمعنى أنه تزوجها.

و قد أبدع الكاتب في رسم الصورة، بتوافق رائع بين الفيضان و الإحاطة، و بين طغيان الأنوثة و إنصاف الاحتواء، و هو بإنصافه لها قد أنصف نفسه أيضا، بتجنبه الحرام؛ و لسان حاله يردد قول الشاعر (جبران خليل جبران):

لتطب لعاقد حفلنا أيامه *** و أحبها في العمر يوم زواج.

ـــــــــــــــــــــــــــ70ـــــــــــــــــــــــ

نبوغ

رسم نارا؛ استحالت نورا.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

العنوان (نبوغ): تفوق، عبقرية، نجابة... يقول الشاعر (جبران خليل جبران):

كم بدت منك بادرات نبوغ *** حيرت بابتكارها الحلاما.

ـ يقول (ادوارد جورج بلوير): "الموهوب يفعل ما يستطيع فعله، و العبقري يفعل ما يجب فعله".

ـ يقول (علي الوردي): "كلما كان الإنسان أكثر اجتماعية، كان أقل نبوغا و أكثر ابتذالاً".

ـ يقول (جوناثان سويفت): "عندما تظهر العبقرية الحقيقية في هذا العالم فعلامتها أن يتآمر كل الأغبياء ضدها".

ـ يقول (وليام جيمس): "الألم هو مفتاح الإبداع و طريق العبقرية".

ـ يقول (توماس أديسون): "العبقرية هي واحد في المئة إلهام و99 في المئة عرق".

و إذا كان (بطل) الومضة القصصية المعروضة قد (رسم نارا) فلعل الكاتب يكني بتلك العبارة عن مدى المشقة التي تكبدها، و العناء الذي لاقاه، خلال مسيرته في الحياة؛ و من ثم جاءت نتيجة تلك المعاناة، أن تحولت تلك (النار) التي تحمل لهيبها بصبر و أناه؛ إلى نور وضاء (استحالت نورا)، و تلك هي كيميا الحياة، و معادلتها المنطقية: (من جد وجد، و من زرع حصد، و من سار على الدرب وصل)؛ يقول الشاعر (البحتري) بتصرف:

ما لذيذ الحياة أحلى لديه *** من نجاح (يأتيه بعد جهود).

ــــــــــــــــــــــــــ71ــــــــــــــــــــــــ

تركة

جمعها الآباء؛ بعثرها الأبناء.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

العنوان (تركة): ميراث (ما يتركه الميت من مال)، و هي في الأصل تعني: كل ما خلفه الشخص، أو تركه: انصرف عنه، أو زهد فيه؛ يقول المثل (كم حاجة قضيناها بتركها).

كما ورد في معجم القاموس المحيط أن: (التَريكَةٌ: المرأةٌ التي تُتْرَكُ لا تُزَوَّجُ، و الرَوْضَةٌ يُغْفَلُ عن رَعْيِها، و البَيْضَةُ بعدَ أن يَخْرُجَ منها الفَرْخُ).

و بولوج المتن يتضح لنا أن المقصود من (التركة) هنا؛ هو (الميراث)، حيث بدأ الشطر الأول بعبارة (جمعها الآباء): و هي عبارة تدل ـ دلالة قاطعة ـ على أن ما جمعوه كان ثروة كبيرة، فلو كان الكاتب يقصد أن ما تركوه كان مجرد (مال: قل أم كثر) لقال (جمعه الآباء)، كما أن اللفظ الوارد يدل على أنهم جمعوا تلك الثروة بجد و كد و تعب، ثم تركوها بموتهم فـ(بعثرها الأبناء) في مقابلة لفظية بليغة، و تصوير واقعي لسلوكٍ فوضوي بغيض؛ يقول (علي بن أبي طالب) رضي الله عنه:

أَموالُنا لِذَوي الميراثِ نَجمَعُها *** وَ دورُنا لِخرابِ الدَهرِ نَبنيها.

يقول الشاعر (أسامة بن منقذ):

انظرْ إِلى لاعبِ الشّطرنج يجمعُها *** مغالباً ثم بعدَ الجمعِ يرميها

كالمرء يكدح للدنيا و يجمعها *** حتى إذا مات خلّاها و ما فيها.

و ليتهم تركوها لمن يحافظون عليها و ينموها، بل ورثوها لمن فرطوا فيها و بددوها و أبادوها.

و لعل الحكمة البادية للعيان من هذه الومضة القصصية تكمن في النصح لكل أصحاب الثروات بأن يتوازن اهتمامهم بأموالهم (تنمية)، مع اهتمامهم بأبنائهم (تربية)، و ألا يطغى هذا الاهتمام على ذاك؛ يقول الشاعر (جبران خليل جبران):

خير المآثر للبرية *** حسن تربية السليل.

ـــــــــــــــــــــــــــ72ـــــــــــــــــــــــ

شهادة

هدموا جسده؛ بُنِيَ بَيْتُه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

العنوان (شهادة): و لها معانٍ عديدة منها:

ـ (شهادة) بمعنى: إخبار المرء بما رأى و الإقرار بما عَلِمَ؛ يقول الحق ـ سبحانه و تعالى ـ في محكم التنزيل (و لا تكتموا الشهادة) الآية 283 من سورة البقرة.

و يقول الشاعر (ابن هانئ الأندلسي):

كلُّ الشهادة ممكنٌ تكذيبُها *** إلاّ ببأسِكَ و العُلى والجُود.

و يكمل المعنى الشاعر (ابن حيوس) بقوله:

فلوِ ابتغيتُ بما أقولُ شهادة ً *** لَوَجَدْتُ أَهْلَ الخَافِقَيْنِ شُهُودَا.

و يقول الشاعر (أبو الطيب المتنبي):

وإذا أتتك مذمتي من ناقص *** فهي الشهادة لي بأني كامل.

ـ أو (شهادة) بمعنى: وثيقة تمنحها بعضُ المعاهد، أو المؤسَّسات؛ يقول الشاعر (ابن الرومي):

شهادة إمضاء *** أن رأيي لذو الرجاحة وزنا.

ـ أو (شهادة) بمعنى: الموت و القتل في سبيل الله أو الوطن أو دفاعًا عن عقيدة و مبدأ؛ يقول (عمر بن الخطاب) رضي الله عنه: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ شَهَادَةً فِي سَبِيلِكَ، وَ وَفَاةً بِبَلَدِ رَسُولِكَ".

و يقول الشاعر (عبدالرحمن العشماوي):

دعنا نمت حتى ننال شهادة *** فالموت فـي درب الهدى ميلاد.

و يقول بيت الحكمة:

لا تبكه فاليوم بدء حياته *** إن الشهيد يعيش يوم مماته.

فإن كانوا ـ طبقا لما جاء في الومضة القصصية المعروضة ـ قد (هدموا جسده)؛ فقد (بُنِيَ ـ بشهادته ـ بَيْتُه) في الجنة؛ تصديقا لقول الحق ـ سبحانه و تعالى ـ في محكم التنزيل (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) الآية 169 من سورة آل عمران.

ــــــــــــــــــــــــــ73ــــــــــــــــــــــــ

تواكلٌ

حلّقت به الأحلام؛ أسقطه الواقع.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

العنوان (تواكل): تراخٍ، تقاعس، تكاسل... و (الأصل فيه: اعْتَماد بعضهم على بعض)؛ يقول الشاعر (الشريف الرضي):

كسل الأيام عنهم غرهم *** رُبّمَا جَاءَ زَمَانٌ قَدْ نَشَطْ.

و لا شك أن (التواكل) الذي نهانا الله سبحانه و تعالى عنه، غير (التوكل) الذي أمرنا به (وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ وَكِيلًا) الآية 3 من سورة الأحزاب.

يقول (أحمد الشقيري): "عمل بلا توكل غرور، و توكل بلا عمل قصور".

و ها هو الشطر الأول من المتن يطلعنا على حالة من حالات التواكل المنهي عنه: (حلّقت به الأحلام) كناية عن استسلامه لها، و السباحة في أوهامها؛ يقول الشاعر (عبدالله الفيصل):

منهم على وهم و لمع سراب *** و سمعت قلبي في الضلوع معاتبي.

يقول (شارل بودلير): "من يبني آماله على الأوهام يجدها تتحقق في الأحلام".

و من حلق في الأوهام عاليا؛ حتما يكون سقوطه مروعا، و هو ما حدث له بالفعل (أسقطه الواقع) و هو (واقع) أوقعه على أرض الحقيقة التي صدمته و أفزعته؛ يقول الإمام (الحسن البصري):

الدنيا أحلام نوم أو كظل زائل *** و إن اللبيب بمثلها لا يخدع.

و يكمل المعنى قول الشاعر (ابن مشرف):

و أن معاد الروح و الجسم واقع *** فينهض من قد مات حيا يهرول.

فلا مجال في الدنيا أو الآخرة للتواكل؛ فعن الدنيا يقول الإمام (الشافعي):

ما حكَّ جلدكَ مثلُ ظفركَ *** فَتَوَلَّ أنْتَ جَميعَ أمركْ.

و عن الآخرة يقول الحق سبحانه و تعالى في محكم التنزيل (يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) الآية 88 و 89 من سورة الشعراء، و (كلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ) الآية 38 من سورة المدثر.

ــــــــــــــــــــــــــــــ74ــــــــــــــــــــــــــــــــ

دنيا

جذبه الموت؛ تعلّق بحبال الحياة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

العنوان (دنيا): الأَرْض و سُكَّانها، العالَم، (أصل الكلمة إما: من الدنو: الاقتراب "السماءُ الدُّنْيا هي الأقرب إلينا"، و إما أنها من مؤنَّث أَدْنى "طَبَقة دُنْيا"، "حياة دنيا")؛ يقول الحق ـسبحانه و تعالى ـ في محكم التنزيل (بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ) الآية 16 و 17 من سورة الأعلى.

يقول الشاعر (إيليا أبو ماضي):

وأنّ له الدنيا التي هو بعضها *** وأنّ له الأخرى إذا صام أو صلّى.

و يبدو أن صاحبنا (بطل الومضة القصصية المعروضة) قد أوشك على الرحيل من دنياه إلى آخرته فقد (جذبه الموت)، و الجذب له معنى السحب، و السحر أيضا:

ـ جذب القلوب: فتنها، أسرها، سحرها.

ـ جذب الروح: سحبها من الجسد "قضى عليه و أماته".

فماذا فعل حينئذ؟:

ـ (تعلق بحبال الحياة) و هو تعبير مجازي أراد به الكاتب وصف حالة شخص عشق الدنيا، و استمسك بها (و بحبالها الواهية)، دون إدراك لحقيقة أن حبل الله المتين هو الأجدر بأن يستمسك به كل كيس فطن؛ يقول الشاعر (أحمد محرم):

من معشر غير أنكاس و لا وهن *** مستمسكين بحبل الله أكياس.

و ما دام الإنسان لن يستطيع ـ مهما بلغت قوته ـ أن يفلت من (جاذبية الموت)؛ فلا يجوز لأحد أن يركن إلى الدنيا الفانية؛ يقول الشاعر (إيليا أبو ماضي):

لا تركننّ إلى الحياة فإنّها *** دنيا هلوك للرّجال قتول.

تلك هي الحكمة التي أراد الكاتب أن يوصلها إلى قارئه من خلال ومضته القصصية، ببلاغة تكثيف، و بديع عبارة؛ محدثا طباقا بين كلمتي (الموت/ الحياة)، فضلا عن الاستعارة المكنية في (جذبه الموت) و (حبال الحياة).

يقول الشاعر (بدر شاكر السياب):

كانت حياة على الدنيا و أزمانا *** حاك الخيال المدمى بعضها قصصا.

(و هي قصص طويلة أو قصيرة أو ومضية كهذه أيضا).

ـــــــــــــــــــــــــــ75ـــــــــــــــــــــــ

جزاء

أناخ ظهره؛ حفروا قبره.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

العنوان (جزاء): لفظ حمال أوجه؛ إما أن يجيء بمعنى: مكافأة، ثواب؛ على نحو ما ورد في الآية 60 من سورة الرحمن: (هل جزاء الإحسان إلا الإحسان).

أو يجيء بمعنى: مؤاخذة و عقاب؛ على نحو ما ورد في الآية 17 من سورة الحشر (فكان عاقبتهما أنهما في النار خالدين فيها وذلك جزاء الظالمين).

فأي معنى من المعنيين تقصدهما الومضة القصصية المعروضة؟:

نطالع المتن بحثا عن إجابة؛ فنجد الشطر الأول يبلغنا بأن (بطل) النص: (أناخ ظهره) كناية عن المذلة و الخضوع و الخنوع، و أيا ما كان المعنى الحرفي لكلمة (أناخ: برك، جثا، برك)؛ فإنه لفظ سيء ينبئ بعواقب أسوأ؛ يقول الشاعر (إيليا أبو ماضي):

بدارٍ أناخ البؤس فيها ركابه *** و جرّت عليها للخراب ذبول.

و يقول (إبراهيم عبد القادر المازني):

أناخ على الدنيا الظلام بكلكلٍ *** و أغرقها في زاخر متلاطم.

فماذا كانت نتيجة أن أناخ (بطل) النص ظهره؟:

ـ (حفروا قبره) كناية عن تخليهم عنه، عدم اكتراثهم به، فمن يؤثر السكون على الحركة، و الذل على الكرامة؛ فهو قد حدد مصيره، بأن لا مكان له في الحياة، و القبر أولى به؛ تقول الشاعرة (نازك الملائكة) بتصرف:

ويغيب (الذليل) في ليل قبر*** ليس تبكي له سوى الأمطار.

و عندئذ يصدق فيه قول الشاعر (إبراهيم ناجي):

أناخ فما انجلى *** و خلا مكانُك - لا خلا!.

و من ثم تتضح الحكمة التي توصلها الومضة القصصية المعروضة من خلال نص مكثف بكلماته الأربع، بديع بالسجع بين (ظهره/ قبره)، بسيط في مبناه، عميق في معناه، مصورا حال كل من يذل نفسه، و يحني ظهره، لمخلوق مثله؛ فلن يجني من الذل إلا الهوان؛ يقول الشاعر (أبو الطيب المتنبي):

ذل من يغبط الذليل بعيش *** رب عيش اخف منه الحمام

من يهن يسعل الهوان عليه *** ما لجرح بميت إيلام.

ــــــــــــــــــــــــــــــــ76ــــــــــــــــــــــــــــــ

بداهة

تسامح في حقه؛ تشددوا في طلباتهم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

العنوان (بداهة): تلقائية، عفويَّة، و (البديهية): قَضيَّة أو مَسألة واضِحة بذاتها ـ مسلم بها ـ و من ثم لا تحتاج إلى إثبات أو برهان؛ "هذا القولُ من البَديهيات".

فما هو الشيء (البديهي) الذي تحدثنا عنه الومضة القصصية المعروضة؟:

ـ يجيبنا الشطر الأول من المتن (تسامح في حقه) كناية عن تغاضيه عنه، كرما منه، و تسهيلا لهم؛ اتساقا مع قول الشاعر (بشار بن برد):

سامح أخاك إذا غدوت لحاجة ٍ *** و اتْرُكْ مساخطهُ إِلَى إِعْتابه.

و قول الشاعر (مصطفى الغلاييني):

سامح صديقك إن زلت به قدم *** فليس يسلم إنسان من الزلل.

فماذا كان رد فعلهم تجاهه؟:

ـ (تشددوا في طلباتهم)، أي أنهم قابلوا اللين بالتشدد، و العفو بالانتقام، و اليسر بالعسر، و السلاسة بالفظاظة، و الكرم بالدناءة؛ يقول الشاعر (أبو الطيب المتنبي):

إذا أنت أكرمت الكريم ملكته *** و إن أنت أكرمت اللئيم تمردا.

و الحكمة التي أراد الكاتب توصيلها إلى قارئه من خلال هذه الومضة القصصية؛ تتماهى مع قول (علي بن أبي طالب) رضي الله عنه: "لا تكن لينا فٌتعصر، و لا تكن قاسيا فٌتكسر".

ــــــــــــــــــــــــــ77ــــــــــــــــــــــــ

مرآة

سألني؛ تثاءبت.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

العنوان (مرآة): تعني في اللغة مثيل، مشابه، نظير، و هي في الواقع المادي عبارة عن سطح من زجاج مَصقول و مَطلي بمعدن في أَحَد وَجهَيه، ليَعكس النُّور و صوَر الأَشياء و يرى فيها الناظِر نفسه؛ (الْمِرْآةُ مِثْلَمَا تُرِيهَا تُرِيكَ) و من ثم يمكن إسقاط وظيفة (المرآة) على العلاقة بين الأشخاص؛ يقول الرسول الكريم صلى الله عليه و سلم (المسلم مرآة المسلم فإذا رأى به شيئاً فليأخذه عنه، و إن كان الشيء صالحاً فليأخذه منه).

و يقول الشاعر (ناصح الدين الأرجاني):

اقرن برأيك رأي غيرك و استشر *** فالحق لا يخفى على الاثنين

للمرءِ مرآةٌ تريهِ وجههُ *** و يرى قفاهُ بجمعِ مرآتينِ.

ومن الأقوال المأثورة للمفكر يوسف زيدان: "العين مرآة الأسرار". كذلك يمكننا القول أن الفن و الأدب: (مرآة) الواقع.

و المدهش في الومضة القصصية المعروضة أن الكاتب صور واقعا بتكثيف بليغ؛ فجعل المتن من كلمتين فقط، و كأننا إزاء (مرآة) انعكس عليها (التثاؤب) لوجه (السؤال)، و هي صورة متعددة الدلالات؛ فـ(التثاؤب): حركة لا إرادية إما نتيجة كسل أو نُعاس أو ملل، و (السؤال): إما أن يكون استفهاما، أو تسولا و طلب حاجة.

و من ثم يفتح النص باب التأويل على دلالتين:

ـ الأولى: سأله سؤالا مستعصيا على فهمه؛ فبادره بالتثاؤب تهربا من الإجابة؛ يقول الشاعر (إبراهيم العاملي):

ما رآه الجمع إلا هربا *** هرب الكدري من صقر صيود.

ـ الثانية: سأله صدقة أو عطية؛ فبادره بالتثاؤب مللا من إلحاحه الدائم في الطلب؛ يقول الحق سبحانه و تعالى في محكم التنزيل (يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا).

يقول المثل (إِذا سَأَلَ ألْحَفَ وَإنْ سُئِل سَوَّف).

و يقول الشاعر (بلالِ بنِ جريرٍ): إذا ضِفْتَهُمْ أو سآيَلْتَهُمْ *** وجَدْتَ بهم عِلَّةً حاضِرَهْ.

ـــــــــــــــــــــــــ78ـــــــــــــــــــــــــ

إهلاك

ولد معافا؛ شوهته العنصرية.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

العنوان (إهلاك): إبادة، بطش، تشويه... يقول الشاعر (فاروق جويدة):

قلم هنا؛ قلم هناك، لغم هنا؛ موت هلاك *** بين الشظايا زهرة الصبار تبكي.

فلربما تبكي على من (ولد معافا) فـ(شوهته العنصرية)؛ يقول رسولنا الكريم صلى الله عليه و سلم (مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلاَّ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ) أي على الخلق و السجية، و استعداده لإصابة الحكم و التمييز بين الحق و الباطل... و الكاتب عندما يقول (ولد معافا) يؤكد هذا المعنى؛ تذكيرا و تمهيدا، لإدراك حقيقة السبب الرئيسي فيما حدث و يحدث للبشر، من نزاعات و صراعات و حروب... و هو ما لخصه تلخيصا بليغا في كلمتين فقط (شوهته العنصرية)، و بين المعافاة و التشوه علاقة ضدية، فإذا كان المصاب بالتشويه يسعى إلى التعافي؛ فالمدهش هنا: أن المعاف هو الذي يسعى إلى التشويه؛ يقول المفكر الإسلامي (محمد الغزالي): "كل تشويه يعترض عظمة الفطرة وروعتها هو شذوذ ينبغي أن يُذاد ويُباد، لا أن يُعترف به ويُسكت عليه".

و تلك هي الحكمة البليغة التي أراد الكاتب أن يوصلها إلى قارئه؛ محددا (العنصرية) كأصل الداء، الذي ينبغي استئصاله و التعامل معه، قبل أن يستشري و يشوه ما بقى من خصال الفطرة السوية.

هامش:

وردت فيما ذكره المفكر الإسلامي (محمد العزالي) كلمة: (يُذاد) بمعنى: يُدفع و يُطرد، و هي غير (يزيد) التي تعني: ينمي و يكثر؛ يقول بيت الحكمة:

إِذا هُزَّ الكريمُ يزيدُ خيراً *** وإِن هُزَّ اللئيمُ فلا يزيدُ.

ــــــــــــــــــــــــــــــــ79ــــــــــــــــــــــــــــــ

عودة

زرته مستبشرا؛ عاتبني مستنكرا.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

العنوان (عودة): إياب، رجوع، قدوم... يقول (علي بن أبي طالب) كرم الله وجهه:

ذهبَ الشبابُ فما له من عَوْدَةٍ *** و أتى المشيبُ فأين منه المهربُ.

يقول الشاعر (عبد الله الخفاجي):

هلْ لنَا نحوكمُ منْ عودة ٍ *** وَ مِنَ التَعْلِيْلِ قَولي هَلْ لنَا.

و يقول الشاعر (رشيد سليم الخوري):

و ألذُّ موسيقى تسرُّ مسامعي *** صوتُ البشيرِ بعودةِ الأحبابِ.

فهل سُر المزور بعودة زائره؟:

ـ (زرته مستبشرا): لقد عبر الزائر عن فرحته بتلك الزيارة، و استبشر بها خيرا؛ اتساقا مع قول الشاعر (البحتري):

ضحكاته بشر النوال و كفه *** بحر لكف الطالب الممتاح.

ثم ها هو ـ في الشطر الثاني من المتن ـ يصف حال المزور، الذي كان من المفترض أن يبادله بشرا ببشر، و ودا بود،  و يحسن استقباله؛ فيقول عنه (عاتبني مستنكرا).

و هكذا استطاع الكاتب بذكاء أن يجعل عنوان النص (عودة) له معنى (القدوم) استبشارا بالزيارة، ثم له معنى (الرجوع) العودة من حيث أتى، بسبب ذلك الاستقبال المهين.

ومضة قصصية تصور حالة من حالات الفظاظة في التعامل، و السماجة في الاستقبال، بغية تحذير القارئ من التشبه بذلك الجلف عديم الإحساس؛ الذي وصفه الشاعر (أحمد فارس الشدياق) بقوله:

لحاه اللَه من فدم زنيم *** عتل مستباح العرض جلف.

ـــــــــــــــــــــــــــــــ80ـــــــــــــــــــــــــــــــ

عقوبة

امتطى صهوة الكبر؛ أمسى صاغرا.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

العنوان (عقوبة): مجازاة، تأديب، قصاص... يقول الشاعر (بهاء الدين زهير):

وما ليَ ذنبٌ يستحقّ عقوبة ً *** و يا لَيتَها كانَتْ بشيءٍ سوَى الصّدّ.

و يقول الشاعر (عبد الغفار الأخرس):

تعجّل في الدنيا عقوبة َ طامع *** و من نكبات المرء ما هو آجل.

فعن أي ذنب نال (بطل) الومضة القصصية المعروضة (عقوبة)؟:

ـ يجيبنا الشطر الأول من المتن بوضوح تام (امتطى صهوة الكبر): و هو تعبير بلاغي صور الاختيال و الغطرسة بمطية يمتطيها زهوا و غرورا؛ تقول (سندس جمال الحسيني): "الاسم هو الغرور، الاسم هو الإثم؛ كونوا كياناً بلا أسماء، كونوا مبادئ بلا أهواء".

و يأتي الشاعر (محمد أبو القاسم الحريري) قادحا هذا الذي (امتطى صهوة الكبر) فيقول:

فكمْ تسدَرُ في السهْوْ *** و تختالُ من الزهْوْ.

و غني عن الوصف و البيان أن نتيجة الزهو و الغرور تكون السقوط؛ اتساقا مع قول (الإمام الشافعي):

مَا طَارَ طَير فَارتَفَع *** إلا كما طارَ وقعْ.

و ها هو (البطل) الذي تكبر؛ (أمسى صاغرا)، و فضلا عن الطباق الرائع بين (الكبر/ صاغرا)؛ عبرت الصورة المشهدية التي صورته عن صغير بعد كبر، و ذليل بعد عز؛ يقول الشاعر (محمد إقبال):

آه من و غد ذليل يائس *** هالك من ركلات الحارس.

و الومضة القصصية المعروضة تدعو للاستقامة و الاعتدال، و تجنب الكبر و الغرور. 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ81ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

صيام

فاح خلوف أفواههم؛ انزوى المسك تواضعا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

العنوان (صيام): رغم ارتباط هذه الكلمة بالامتناع عن الطعام و الشراب تحديدا؛ فإن أصل معنى الكلمة: الإمساك، الإحجام، و الامتناع عن أيَّ فعلٍ أو قَوْل كان؛ يقول رسولنا الكريم صلى الله عليه و سلم (إِذَا أَصْبَحَ أَحَدُكُمْ يَوْمًا صَائِمًا، فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَجْهَلْ، فَإِنِ امْرُؤٌ شَاتَمَهُ أَوْ قَاتَلَهُ ، فَلْيَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ إِنِّي صَائِمٌ).

و قال الشيخ (خالد الجندي):

و احْفَظْ لِسَاناً إذَا مَا قُلتَ عَنْ لَغَطٍ *** لاَ تجْرَحِ الصَّوْمَ بالألْفَاظِ نِسْيَانَا.

يقول الشاعر (خير الدين وانلي):

الصوم تصفيد الغرائز جملة *** و تحرّر من ربقة برقاب

ما صام من لم يرع حقّ مجاور *** و أخوّة و قرابة و صحاب

ما صام من أكل اللحوم بِغيبة *** أو قال شرا أو سعى لخراب

ما صام من أدّى شهادة كاذب *** و أخلّ بالأخلاق و الآداب.

و تأتي الومضة القصصية المعروضة موضحة أن الصائمين إذا ما (فاح خلوف أفواههم) نتيجة إمساكهم عن الطعام، و التزامهم بآداب الصيام؛ فإن حفظهم لألسنتهم عن اللغط؛ جعل (المسك ينزوي تواضعا) لهم؛ كناية عن نظافة قلوبهم، و عفة أقوالهم، و صلاح أفعالهم، و تُقاهم و ورعهم؛ يقول الشاعر (جبران خليل جبران) بتصرف:

(أخلص في صومك) و نقي *** جوهر القلب فهو كالنور طهر.

و المدهش أن يأتي لفظ (المسك) نتيجة (الإمساك)؛ في جناس رائع بين اللفظين، كما أن الومضة القصصية المعروضة تتناص مع قول رسولنا الكريم صلى الله عليه و سلم (و الذي نفسي بيده لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ).

ـــــــــــــــــــــــــ82ـــــــــــــــــــــــــ

تَرَدٍّ

قومها التراحم؛ اعوجت بالهمجية.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

العنوان (تَرَدٍّ): سقوط، انْحطاط، هُبوط، و (الردى): هو الهلاك، و (تردى): مات، سقَط في جهنم؛ يقول الحق سبحانه و تعالى في محكم التنزيل (وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّىٰ) الآية 11 من سورة الليل.

ـ كما أن (تَرَدَّى فِي حُفْرَةٍ) تعني: سقَطَ فيِها؛ يقول الحق سبحانه و تعالى في الآية 3 من سورة المائدة (والمُتَرَدِّيةُ والنَّطِيحَة)؛ و هي التي تقع من جبل أو تطيح في بِئرٍ أَو تسقطُ من موضع مشرف فتموت.

فعن أي (تردٍّ)، و سقوط تحدثنا الومضة القصصية المعروضة؟:

ـ يجيبنا المتن (قومها التراحم)؛ (اعوجت بالهمجية)؛ أي أن المودة، الرحمة، رقة القلب، و التعطف؛ هذبها و أصلحها؛ يقول الشاعر (ابن نباتة المصري):

لين الخلائق صعب البأس مانعه *** كأنه الجد بين السهل والجبل.

و يقول (عبدالله بن عمر) رضي الله عنهما:

أبُنَيَّ إِن البِرَّ شيءٌ هينٌ *** وَجْهٌ طليقٌ وكلامٌ لينُ.

فماذا حدث لتلك التي (قومها التراحم) و هذبها التعطف؛ عندما حلت القسوة محل الرحمة، و الشدة محل اللين، و الاضطراب محل الاطمئنان، و الهمجية محل العقلانية؟:

ـ لقد (اعوجت بالهمجية): و تلك هي النتيجة الطبيعية؛ إذ أن الفوضى تولد فوضى... و من ثم تؤكد الومضة القصصية تلك الحقيقة، و تشير إلى ما للتربية من بليغ أثر؛ يتوافق مع قول الشاعر (معروف الرصافي):

و إن تربية الإنسان يرجعه *** إكسيرها و هو من تُربْ إلى الذهب.

و العكس بالعكس أيضا؛ يقول الشاعر (جبران خليل جبران):

و باعت نساء ولدها و اشترت حلى *** و ربي سفل البيت تربية السخل.

ــــــــــــــــــــــــ83ــــــــــــــــــــــــــ

خسران

أصروا كذبه؛ فكوا قيود الثقة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

العنوان (خسران): خسارة، تضييع؛ يقول الشاعر (أحمد شوقي):

للمرءِ في الدنيا وجَمِّ شؤونها *** ما شاءَ منْ ربحٍ ومنْ خسران.

و يقول الشاعر (أبو الفتح البستي):

زيادةُ المرءِ في دنياهُ نقصانُ *** و ربحهُ غيرَ محضِ الخير خسرانُ.

فعن أي خسران تحدثنا الومضة القصصية المعروضة؟:

ـ يجيبنا الشطر الأول من المتن (أصروا كذبه): أي أنهم اعتبروا صاحبهم كاذب، و أصروا على ذلك، حتى دون أن يتبينوا الحقيقة، من خلال حكمهم المسبق، و نيتهم المبيتة؛ تقول الحكمة البليغة (لَيْسَ هُناكَ ما هُوَ أَسْوَأُ مِنَ الإِصْرارِ على الخَطَأِ، و التَّشَبُّثُ به، و الإِمْعانُ فيه).

فماذا كانت نتيجة ذلك الإصرار؟:

ـ (فكوا قيود الثقة): أي تحللوا من الوثوق بكلامه، و الالتزام به، و انطلقوا نحو عالمهم الأرحب، غير عابئين بضمير يحثهم على ضرورة التمحيص، و ألا يتمادوا في ظلمهم، و يصروا عليه؛ يقول الشاعر (عبدالرحيم محمود) بتصرف:

و دموع (الصدق) ما رق لها *** قلب ظلم إن قلب الظلم صخرة.

و في قراءة أخرى؛ يمكن اعتبار إصرارهم على كذب صاحبهم؛ قد جاء نتيجة وعي و إدراك، كشف به النقاب عن غشه و خداعه و تضليله و اختلاقه و بهتانه؛ يقول الشاعر (أحمد محرم):

كذب الذي زعم المحال لقومه *** و مضى يقول مقالة الجهال.

فكانت نتيجة اكتشافهم و تأكدهم و إصرارهم على كذبه؛ أن فكوا قيود الثقة بأنفسهم؛ فتحرروا من الشك أو القلق أو الخوف (فالثقة بالنفس هي ثقة بالنجاح)؛ يقول (آرثر آش): "المفتاح الأساسي للنجاح هو الثقة بالنفس، و المفتاح الأساسي للثقة بالنفس هو الاستعداد".

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ84ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عُقْبَى

ركبوا موجة الطمع؛ شردتهم أعاصير النقم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

العنوان (عقبى): خاتمة، غاية، مغبة، مصير... يقول الشاعر (جبران خليل جبران):

لبوا النداء و حاذروا *** عقبى التنابذ و التنابي.

و (نكص على عقبيه): رجع عمَّا كان عليه؛ يقول الحق سبحانه و تعالى في محكم التنزيل (فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ) الآية 48 من سورة الأنفال.

و ها هو الشطر الأول يخبرنا أنهم (ركبوا موجة الطمع) و هو تعبير بلاغي شبه فيه الطمع بموجةٍ تموج في بحر زاخر، و معلوم أن عبارة (ركب الموجة) تعني: ساير التيار، و اتبع الآخرين، أي صار (إمعة): اتكالي، طفيلي، مترددا لا يثبت على شيء، لضعف رأيه، و تذبذب فكره؛ على طريقة المثل الشهير (معك؛ معك، و عليك؛ عليك)؛ و قد حذرنا رسولنا الكريم صلى الله عليه و سلم من تلك الصفة الذميمة فقال: (اغد عالما أو متعلما و لا تكونن أمّعة).

و (أبطال) الومضة القصصية المعروضة هنا قد خالفوا الحديث الشريف مرتين؛ الأولى أن كانوا (إمعات)، و الثانية أن سايروا الطمع و ركبوا موجته؛ يقول الشاعر (بدوي الجبل):

طمع لو أطاق – فاخشوا أذاه *** حبس النور عنكم و الغماما.

تلك هي (عُقبى) الطمع التي عبر عنها الكاتب في الشطر الثاني بعبارة (شردتهم أعاصير النقم) و هو تعبير بلاغي أيضا، يتوافق و يتسق تماما مع الصورة الكلية للمشهد المعروض في هذه الومضة القصصية؛ و من ثم تمخضت موجة الطمع فولدت إعصارا، شردهم؛ يقول الشاعر (الشريف المرتضي):

و مروعٍ شرد الحذارُ به *** ملآنَ من خوفٍ و من ذُعْرِ.

ـــــــــــــــــــــــــ85ـــــــــــــــــــــــــ

معادلة

سرق إبداعهم؛ أبدعوا في سرقته.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

العنوان (معادلة): توازن، تكافؤ، مساواة؛ و يقال عن معادلة الأعداد التي ليس لها جذر: (المعادلة المستحيلة)، و من ثم تستدعي (المعادلة الممكنة) وجود عددين أو عملين بينهما تكافؤ، و يُعبر عنه في مفهوم الصراع القيمي بـ(الحسنات و السيئات)، (الخير و الشر)، (الجمال و القبح)، (العدل و الظلم)، (الحياة و الموت)... إلخ؛ يقول الشاعر (عدنان الصائغ):

معادلة مُرة *** أن تظلَّ كما أنتَ.

و يقول الشاعر (محمد مأمون نجم):

أبحث في كتب أجهلها عن حل معادلة صعبةْ *** أترقب مولوداً من نور يخرج من رحم النكبةْ.

و الومضة القصصية المعروضة (سرق إبداعهم)؛ (أبدعوا في سرقته) تصور حالة من حالات السرقة، و هي سرقة الإبداع، و إبداع الشيء يعني: انشاؤه على غير مثال سابق؛ يقول الشاعر (جبران خليل جبران):

إبداع فن فيه فوت للنهى *** يحيي النفوس و فيه ري للصدى.

(سرق: اغتصب، نهب، سلب)، و نسب ما سرقه من (إبداع: تميز، و ابتكار لشيء جديد لم يكن موجودا) و نسبه ـ زورا و بهتانا ـ لنفسه؛ يقول الشاعر (عبد الغني النابلسي):

و من يدعي ملكا فذلك سارق *** يمد يدا فالحق لليد قاطع.

فما كانت نتيجة سرقته لإبداعهم؛ إلا أن (أبدعوا في سرقته)، و هي سرقة مقابل سرقة؛ على طريقة المثل الشهير (واحدة بواحدة و البادي أظلم)؛ يقول الشاعر (جبران خليل جبران):

ذاك إبداع فليقولا فهل *** دونه نيرون في الإبداع حجرا.

ــــــــــــــــــــــــ86ــــــــــــــــــــــــــ

موعد

ثار؛ هدأ هدأته الأخيرة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

العنوان (موعد): ما يُقطع من عهد في الخير أو الشَّرّ، التزام باحترام عهد و التَّقيُّد به بأمانة؛ يقول الشاعر (عمر ابن أبي ربيعة):

أجرِي على موْعدٍ مِنْهَا فَتُخْلِفُنِي *** فَلا أمَلُّ وَ لَا تُوفِي المَوَاعيدَا.

فعن أي (موعد) تحدثنا الومضة القصصية المعروضة؟:

(ثار)؛ (هدأ هدأته الأخيرة): للوهلة الأولى ندرك أن انفعاله الشديد، و ثورته العارمة؛ قد أودت بحياته، ليلقى ربه في (الموعد) المحدد لانتهاء عمره، و انقضاء أجله؛ يقول الحق سبحانه و تعالى في محكم التنزيل: (بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا) الآية 58 من سورة الكهف.

نعود لتفكيك النص و تحليل كلماته: (ثار: هاج، احتد، انفعل)، تلك الثورة العارمة، لها دوافعها، لكن على ما يبدو أن (بطل) الومضة القصصية بالغ كثيرا في انفعاله؛ فلم يتحملها جسمه؛ يقول الشاعر (علي محمود طه):

يا ثورة مشبوبة النّار *** أقلقت جسم الكائن الحيّ.

و من ثم (هدأ: سكن، خمد) اضطرارا؛ يقول الشاعر (أحمد دحبور) بتصرف:

و لسنا نكابر بل هدنا التعب *** (أخمدت عمري أيها الغضب).

المدهش أن الكاتب استخدم لفظ (الهدوء) كناية عن (الوفاة)؛ في إشارة ضمنية مفادها أن (الصخب) قرين (الحياة)؛ اتساقا مع قول الشاعر (وليد الأعظمي):

جئت الوجود و كل الناس في صخب *** و للقوي على المسكين غارات.

ومضة قصصية توضح عاقبة التهور و الرعونة و الطيش، و من ثم تشير ضمنا لفضل الصبر و الحلم و التأني مصداقا للمثل الشهير (في التأني السلامة و في العجلة الندامة)؛ و اتساقا مع قول الشاعر (ضَمْرَةُ بْنُ حَبِيبٍ):

الْحِلْمُ زَيْنٌ وَالتُّقَى كَرَمٌ *** وَ الصَّبْرُ خَيْرُ مَرَاكِبِ الصَّعْبِ.

ـــــــــــــــــــــــ87ـــــــــــــــــــــــــــ

تشوه

فقد الشهية؛ وجد أشهى الطعام.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

العنوان (تشوه): قَبُحَ، تَبَشَّعَ، تحوَّل من حسن إلى سيئ، أو تعرُّض للامتِهان بتصرف شائن؛ يقول الشاعر (عبد الرحمن العشماوي):

و على يديه تشاع كل رذيلة *** و على يديه تشوه الأفكار.

و ها هو (بطل) الومضة القصصية قد (فقد شهيته) أي فقد رغبته في الطعام، و هو نوع من أنواع التشوه في حاسة الجوع، نتيجة أسباب نفسية أو عضوية؛ اتساقا مع قول الشاعر (مظفر النواب):

بدون شهية *** و قروح في أمعائك مزمنة.

و من عجب أن حدث له هذا الفقد للشهية ـ الذي يطلق عليه (قَهَم) و ضده (نهم) ـ في الوقت الذي (وجد أشهى الطعام) أمامه، و من ثم أراد الكاتب أن يسقط تلك الصورة على كل حالة من حالات مخالفة الظروف و الأحوال لأمنيات الإنسان؛ اتساقا مع قول الشاعر (المتنبي):

ليس كل ما يتمناه المرء يدركه *** تجري الرياح بما لا تشتهي السفن.

و يمكن تأويلها على نحو: عدم إدراك المرء للنعمة التي هو فيها إلا عندما يفقدها؛ و قد  أوصانا رسولنا الكريم صلى الله عليه و سلم بقوله: (انْظُرُوا إِلَى مَنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ، وَلَا تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ فَوْقَكُمْ، فَإِنَّهُ أَجْدَرُ أَنْ لَا تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ).

الومضة القصصية المعروضة تمت صياغتها بحرفية و اقتدار، في مراوحة ذكية بين لفظي (فقد/ وجد)، فإذا كان الفقد في جميع الأحوال يسعى إلى الإيجاد؛ فهو هنا على العكس من ذلك تماما؛ إذ أن: الطعام الشهي (موجود) بالفعل، و هو الذي يبحث عن شهية (مفقودة).

ـــــــــــــــــــــــــ88ـــــــــــــــــــــــــ

عِلَّةٌ

فقأوا عينه؛ سلموه للأعداء.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

العنوان (عِلَّةٌ): سقم، خلل، عوار... يقول الشاعر (البحتري):

و بارز الوجه يبديه البيان، و كم *** عي تغطي علة مكنونه الحجب.

و (علة) جمعها: عِلل و عِلات، فإذا ما فتحنا العين في ضبط الحروف ـ بديلا عن كسرها ـ نجد (بنو العَلات) معناها: بنو رجل واحد من أمهات شتى (الأخوة لأب)، و يقابلهم بنو الأَخْياف، و هم بنو الأم الواحدة من آباء شتى (الأخوة لأم)؛ يقول الشاعر (أحمد شوقي):

و يلاقي نصبا مما انطوى *** في بني العلات من ضغن و شر.

و يبدو أننا ـ في الومضة القصصية المعروضة ـ إزاء حالة من حالات الضغن و الشر؛ فقد (فقأوا عينه): أي لم يكتفوا بمجرد الإصابة، بل بالغوا في فقئها أي شقّها و إخراج ما فيها، و بالتعبير الشائع (أخرجوا عينيه من مآقيها)!.

و هي كناية عن كل فعل مؤذٍ (إصابة بعاهة، أو استنزاف لثروة، أو إضاعة لحق، أو إعاقة لحركة، أو تضليل لرؤية، أو تشويه لسمعة...)؛ يقول الشاعر (أحمد محرم):

و يثير سخطك أن يضيع لمسلم *** حق و يغشاه أذى و هوان.

و المدهش أن من (فقأوا عينه) هم أنفسهم من (سلموه للأعداء) لقمة سائغة، ربما ليعالجوه، و من ثم يستفيدون من رؤيته، و يستثمرون ثروته، و يعيدون حركته، و يعالجون سقمه و علته، و هي (علة مرضية)، يحولها علاجهم لها إلى (علة سببية) يثبتون بها أنهم الأكفأ و الأجدر، و الأقوى و الأعظم.

و الومضة القصصية هنا تشير إلى ضرورة عدم الإساءة للآخرين (قولا أو فعلا) و من ثم الحفاظ على الوطن سالما معافا، و كذلك أشارت إلى خطورة استعانة الإنسان بأعدائه في علاج دائه؛ يقول الشاعر (لسان الدين الخطيب) بتصرف:

دم الأخوين دوا جرح (عيني) *** و عالجني و حسبك من علاج.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ89ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هشاشة

تعاهدا ألا يفرقهما إلا الموت؛ فرقتهما ألوان الشقة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

العنوان (هشاشة): بشاشة، طلاقة، لين، أو سهولة كسر؛ فللكلمة أكثر من معنى منها:

ـ شَابٌّ هَشٌّ: بَشُوشٌ، طَلْقُ الْمُحَيَّا

ـ رَجُل هشُّ المكسر: سهل الجانب فيما يُطلب منه من الحوائج.

ـ فَرَسٌ هَشٌّ: كَثِيرُ الْعَرَقِ

ـ فَرَسٌ هَشُّ الْعِنَانِ: ضَعِيفُ الْعِنَانِ، مِطْوَاعٌ

ـ هشَّش فلانًا معناها: فرّحه و نشَّطه، أو: استضعفَهُ و استهان به.

ـ شَيْءٌ هَشٌّ: رَخْوٌ، لَيِّنٌ

ـ الهَشُّ: ما يقبل الكسرَ بسُهولة، و منهل هشاشة العظام: مَرَضٌ يُصِيبُ الْهَيْكَلَ الْعَظْمِيَّ؛ يقول الشاعر (أمين دمق):

أتوكؤ الشعراء و الرفقاء *** كي تغدو هشاشة أضلعي أو برزخ الأحزان.

فعن أي (هشاشة) يحدثنا المتن؟:

(تعاهدا ألا يفرقهما إلا الموت؛ فرقتهما ألوان الشقة): إنها هشاشة العواطف و المشاعر و الأحاسيس، التي قال فيها الشاعر (فايز خضور):

تغتسلين بعطر غديركِ *** ترتاحين لزيف هشاشة إطراءاتٍ.

فبعد أن تآلفا تآلفا، و اتفقا اتفاقا، و تعاهدا عهدا؛ ألا يفرقهما شيء في الحياة؛ على نحو وصف الشاعر (كمال خير بك):

متآلفون تآلف الأهداب...

و جدناهما ينقضان العهد و الميثاق، و يفسخان الاتفاق، و يتحول العناق إلى عراك؛ و هما على أعتاب شقة الزوجية؛ متجاوزان نصيحة الشاعر (ابن زيدون):

دومي على العهد ما دمنا محافظة*** فالحر من دان إنصافا كما دينا.

و يقول الشاعر (ابن شهاب):

تعاهد فيها (العروسان) و أجمعا *** على الختر بئس العهد عهد لئامها.

و الومضة القصصية المعروضة يمكن إسقاطها على كل عهد و ميثاق تنقضه سطحية الرؤية، و قشور المواقف، و ألوان الجدران... و صحيح أن (الائتلاف) يعني إزالة حوائط الخلاف، لكن (الخلاف) لا ينبغي أن يفسد للود قضية، و لا للعهد نقضا أو نكوثا؛ يقول الشاعر (أحمد فارس الشدياق):

فمن نكث التعاهد بعد هذا *** فذاك لربه يضحى خؤونا.

ـــــــــــــــــــــــ90ــــــــــــــــــــــــ

مسابقة

فُقئت عينه؛ عينوه حارسا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

العنوان (مسابقة): سباق، مباراة، منافسة بين متنافسين... يقول الشاعر (إبراهيم الأسود):

مسابقة *** يوم الرهان فموسى حائز القصب.

و الومضة القصصية المعروضة تتحدث عن مسابقة يتبارى فيها المتقدمون لوظيفة أو عمل، و لكنها ليست كأي وظيفة، و المتقدمون ليسوا كأي متقدم؛ إنها كما يصف الشاعر (رياض الصالح الحسين):

إنَّها وظيفة الخارجين من خنادق الألم *** حيث كل شيء مباح.

فهم راضون بأقل الأجور، مقابل أشق الأعمال، و أكثرها أهمية و أمانة و صبرا و مثابرة و سهرا، و أقلها تقديرا واحتراما (وظيفة حارس)؛ يقول الشاعر (جبران خليل جبران):

وإذا حارس بدا من خفاء *** كترائي الشيطان في شكل عبد.

و تقول الشاعرة (غادة السمان):

كنت دوماً وحيدة و متحفّزة *** مثل حارس مرمى لحظة ضربة الجزاء.

و المتسابق على الوظيفة هنا قد (فقئت عينه): إما من طول الانتظار، أو من كثرة التحديق في كشوف المتقدمين للمسابقة، أو من أثر لكمة من بعض المتزاحمين أصابت عينه، أو من الحزن الشديد اتساقا مع وصف حال سيدنا يعقوب؛ نتيجة حزنه على سيدنا يوسف عليهما السلام (وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ) الآية 84 من سورة يوسف.

فماذا كانت نتيجة الاختبار و الاختيار؟:

ـ (عينوه حارسا): أي أنهم فضلوه عن غيره من المبصرين، و هو ما حذر منه رسولنا الكريم صلى الله عليه و سلم (إذا وُسِّدَ الأَمر لغير أهله فانتظروا الساعة).

و معلوم أن نهضة الأمم تنبني على تطبيق شعار (الرجل المناسب في المكان المناسب)؛ فإذا ما حدث غير ذلك؛ انهارت الأمم و تخلفت الشعوب.

و تلك هي الرسالة التي أراد الكاتب أن يوصلها إلى قارئه؛ ببلاغة تكثيف، و بديع جناس بين (عينه/ عينوه)، و روعة تصوير، و مباغتة إدهاش، و جمال إيحاء.

ـــــــــــــــــــــــ91ــــــــــــــــــــــــ

تَغَلُّبٌ

دارت الأيام؛ استدار.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

العنوان (تَغَلُّبٌ): إخضاع، تطويع، سيطرة... يقول الشاعر (عبدالله البردوني):

و حطّم ألوهيّة الظالمـ *** ين و سيطرة الغاصب المفسد.

و يقول الشاعر (جبران خليل جبران):

ولينفعنك الخبر في *** تطويع صبرك إن عصاك.

فإذا ما (دارت الأيام): كناية عن تقلبها؛ فإما أن يستسلم المرء، فيدور معها في حلقة مفرغة من الحزن و الألم؛ فيرثي حاله، و ينعي حظه... و إما أن يفعل مثلما فعل (بطل) الومضة القصصية المعروضة الذي (استدار) بمعنى أنه أدار ظهره لليأس و الإحباط، و تيقن من قول الحق سبحانه و تعالى في محكم التنزيل (فإن مع العسر يسر) الآية 5 من سورة الشرح.

و قول الشاعر (ابن أبي الدنيا):

اسْتَرْزِقِ اللَّهَ خَيْرًا وَ ارْضَيَنَّ بِهِ *** فَبَيْنَمَا الْعُسْرُ إِذْ دَارَتْ مَيَاسِيرُ.

و المدهش أن (الدوران) سنة كونية، و طبيعة حياتية: دوران الكواكب و النجوم، دوران الطواف، دوران الفصول، دوران الدم، و دوران العيون أيضا؛ يقول الحق سبحانه و تعالى في محكم التنزيل: (تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ) الآية 19 من سورة الأحزاب.

إن المحب للحياة لا ينبغي له أن يستسلم لتقلبات الزمن؛ فكما يقول المثل (الأيام دول)؛ اتساقا مع قول الشاعر (كثير عزة):

و ما رونقُ الدُّنيا بباقٍ لأهلها *** و ما شدَّةُ الدُّنيا بضرْبةِ لازِمِ.

و الومضة القصصية المعروضة جسدت صورة من صور التغلب على مصاعب الحياة، بأسلوب رمزي، و ازدواج بديع؛ جمع فيه الكاتب بين الجناس و الطباق في (دارت/ استدار).

ـــــــــــــــــــــــ92ــــــــــــــــــــــــ

انتماء

ضاق الوطن؛ اتسع القارب.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

العنوان (انتماء): انْتِساب، عَزْوة، نِسْبَة... و يرتبط لفظ (انتماء) بالنمو و تنمية الشعور المتبادل بين المنتمي، و المنتمي إليه؛ يقول (جورج واشنطن): "عندما تتأصل جذور الحرية تصبح سريعة النمو".

و يقول (جون هنري نيومان): "النمو هو الدليل الوحيد على وجود الحياة".

و من ثم يرتبط الانتماء بالحرية؛ فإذا ما (ضاق الوطن): و هو ضيق أفق مع اتساع مساحة، في تناقض عجيب؛ يصبح حينئذ ضيقها بأبنائها، و ترحيبها بغريبها؛ متوافقا مع قول الشاعر (ابن الرومي):

وطنٌ و لكنْ للغريبِ و أمةٌ *** ملهى الطغاةِ و ملعبُ الأضدادِ

يا أمةً أعيتْ لطولِ جهادِها *** أسكونُ موتٍ أم سكونُ رُقاد.

فماذا فعل (بطل) الومضة القصصية المعروضة عندما (ضاق الوطن)؟:

ـ يجيبنا الشطر الثاني بعبارة (اتسع القارب) كناية عن سعيه للهجرة امتثالا لقول الحق سبحانه و تعالى في محكم التنزيل (فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ) الآية 15 من سورة الملك.

يقول (نجيب محفوظ): "زمن المبادئ مضي، و هذا زمن الهجرة".

و المدهش هنا أن يصبح (القارب) على صغر حجمه؛ أكثر اتساعا من وطنه، ذلك لأن القارب استوعب أحلامه و تطلعاته، و رؤيته و أفكاره، في الوقت الذي ضاق به و بها وطنه؛ يقول الشاعر (فاروق جويدة):

إن ضاقت الأرض بالأحلام في وطني *** ما زال في الأفق ضوء الحلم يكتمل.

ـــــــــــــــــــــــ93ــــــــــــــــــــــــ

تدنٍ

كُبل خصمه؛ استأسد عليه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

العنوان (تدنٍ): هبوط، انْحِطاط، تنكُّس... و للهبوط معنى الانخفاض نقول: (تدنتِ الحرارة) اِنخَفَضت، و له معنى السقوط؛ يقول الشاعر (جبران خليل جبران):

تولت و هي جارفة *** هبوط السيل من جبل.

و له معنى الخضوع؛ يقول الشاعر (عبد الغني التميمي):

الجوع لا يهزم أمَّة شعارها القنوع *** و لم تدن قطّ لغير الله بالرّكوع.

و قد يجيء (التدني) بمعنى الاقتراب؛ فنقول: (تدنى الرجل) أي اِقترب شيئاً فَشيئاً، دنا؛ يقول الإمام (الشافعي):

فَإِن تدنُ مني؛ تدنو مِنْك مودَّتي *** وَ إِن تنأ عنّي؛ تلقني عَنْك نَائِيا.

فعن أي تدنٍ يحدثنا متن الومضة القصصية المعروضة؟:

ـ (كُبلَ خصمه؛ استأسد عليه) إنه تدنٍ أخلاقي، و انحطاط سلوكي؛ إذ استغل (الفأر) القيود التي أحاطت بخصمه؛ فاستأسد عليه، و هو الذي ما كان له أن يفعل، لو كان الخصم حرا؛ يقول الشاعر (معروف الرصافي) بتصرف: 

هي الأخلاق تنبت كالنبات *** إذا سقيت بماء المكرمات

فكيف تظن (بذاك الفأر) خيرا *** إذا نشأ بحضن السافلات.

إن القيد الذي تعرض له (بطل) الومضة القصصية و كبله؛ إما أن يكون قيدا ماديا؛ على نحو قول الشاعرة (نبيلة الخطيب):

كم كنتُ أجهدُ في تكبيل قافلةٍ *** من التناهيد أذكيها فتكويني.

و إما أن يكون قيدا معنويا مبعثه الفقر و الاحتياج؛ يقول الشاعر (إيليا أبو ماضي):

لهفي على المحتاج بين ربوعكم *** يمسي و يصبح و هو قيد شقاء.

فما الذي يجعل المقيد خصما للحر؟:

ـ لا شك أن الدافع لتلك الخصومة، هو الغيرة منه و الحقد عليه؛ و من ثم سعى الحر للاستئساد على المكبل، و محاولة تقزيمه، و تشويه صورته؛ يقول الشيخ (محيي الدين بن عربي):

الأمرُ مكشوفٌ لعينِ الذي

يعرفهُ لكنهُ يسدلُ

عليهِ سترَ الصورِ منْ غيرة.

يقول المثل (متى دخلت الغيرة إلى النفس؛ خرجت الحقيقة من الرأس).

و ها هو الذي ـ أشعلت الغيرة قلبه ـ قد (استأسد عليه) كناية عن تطاوله و فجره، و إذا كان الاستئساد يعني: صار كالأسد جرأة و شجاعة؛ فإن تلك (الجرأة) ـ على المكبل بالقيود ـ ليست إلا دليل خسة و وضاعة؛ يقول الشاعر (ابن الرومي):

تهوي نفوسُهُم هُوِيَّ جسومهم *** سِفلاً لكل دناءة ٍ و صَغار.

ـــــــــــــــــــــــــــ94ــــــــــــــــــــــــــــ

مواءمة

عشقها سادة؛ جافته الوسادة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

العنوان (مواءمة): اتساق، توافق، تناسب... يقول الشاعر (أسامة بن منقذ):

وقل لمن لاَمَ: ما السُّلوانُ من خُلقُي *** و لا ملاءمة اللوام من شيمي.

و يقول الشاعر (جبران خليل جبران):

أتبصر من سماء الشرق طيرا *** توافد في إئتلاف و ائتلاق.

و يقول الشاعر (ابن نباتة المصري):

تناسب حال الندى و الرجا *** فهذا الغمام لهذا النبات.

و ها هو متن الومضة القصصية المعروضة يحدثنا عن حالة تناسب و مواءمة بين شطريه (عشقها سادة)؛ (جافته الوسادة)، و القراءة السطحية للنص تقودنا إلى المعنى المباشر، المتعلق بتناول مشروب القهوة، عند الحاجة إلى السهر، ذلك لأن الكافيين يجعل الهرمونات تزداد إفرازاً في الجسم؛ مما يزيد معدل نبضات القلب، و ضغط الدم، و وصول الأكسجين إلى الأنسجة؛ و من ثم يصبح الشخص أكثر انتباهاً و يقظة (فتجافيه الوسادة) كناية عن مجافاة النوم.

فإذا ما تعمقنا في المتن؛ نجده يفتح الباب واسعا أمام عديد من الدلالات الأخرى، منها:

ـ (عشقها سادة): بلا جمال؛ فـ(جافته الوسادة).

ـ (عشقها سادة): من السيادة التي لا تكون إلا لمن بذل جهدا، و أحسن قولا، و أثبت عملا؛ فـ(جافته الوسادة).

ـ (عشقها سادة): أي من لون واحد، لم يختلط بلونه خطوط أو زخرفة: كناية عن أنانيته، و عدم اعتداده بأحد غير نفسه، و لا برأي أحد غير رأيه؛ فـ(جافته الوسادة) نتيجة لحالة القلق، التي تنتاب كل من لا يتخذ من المشورة منهاجا؛ و قد ورد في الأثر (ما خاب من استخار و لا ندم من استشار).

يقول الشاعر (بشار بن برد):

إِذا بلغَ الرأيُ المشورةَ فاستعنْ *** بعزمِ نصيحٍ أو مشورةِ حازمِ.

تلك هي الحكمة التي أراد الكاتب أن يوصلها إلى قارئه من خلال نص امتاز بطباق رائع بين (عشقها/ و جافته)، و ازدواج بديع؛ في جمعه بين الجناس و السجع في (سادة/ و وسادة).

ــــــــــــــــــــــ95ــــــــــــــــــــــــ

غليل

تسيد؛ تصيدوا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

العنوان (غليل): للكلمة معانٍ ثلاثة هي: شدّةُ العَطَشِ و حرارتُه؛ يقول الشاعر (المتنبي):

أَلا لَا أرَى مَاء الجُرَاوِىِّ شافِيا *** صَداىَ وَ إنْ رَوَّى غَلِيلَ الرَّكائِب.

، أو خيانة، أو غيْظ و حقد و ضغينة؛ يقول الشاعر (بلند الحيدري):

حقدي الكمين *** حقد الأماني المائتات على طريق أسود.

و يقول الشاعر (عبدة بن الطبيب):

إِن الذين ترونَهم نُصحاءَكم *** يشفي غليلَ صدورهم أن تُصْرَعوا.

فعن أي (غليل) تحدثنا الومضة القصصية المعروضة؟:

ـ يجيبنا الشطر الأول من المتن بكلمة واحدة جامعة مانعة (تسيد) أي ساد، تزعم، ترأس... يقول الشاعر (أحمد شوقي):

بالعلمِ سادَ الناسُ في عصرِهم *** و اخترقوا السبعَ الطباقَ الشدادْ.

في المقابل نجد من أيقنوا ألا مجال لهم في السيادة و الشرف؛ ينطبق عليهم قول الشاعر (ابن المقرب العيوني):

كلُّ السيادةِ في السخاءِ و لن ترى *** ذا البخلِ يُدعى في العشيرةِ سيدا.

و اتساقا مع واقع الحال؛ فما من سائد إلا و له أعداء؛ تحركهم نار الغيرة، و تلهب مشاعرهم نيران الحقد؛ يقول الشاعر (ابن لبال الشريشي):

بدر السِّيَادَة يَبْدُو فِي مطالعه *** من المحاسن محفوفا بشهبان.

فها هم، بعد أن فشلوا في أن يكونوا مثل من (تسيد)؛ يعمدون (للتصيد) كناية عن وقوفهم له بالمرصاد يتصيدون أي هفوة تصدر عنه، متتبعينه تتيع الكلاب لصيدها!.

ومضة قصصية أوجزت المعنى في كلمتين فقط إيجازا بليغا و معبرا عما يمكن سرده في مجلدات، و ذلك هو النص المتوافق مع قول (النفري): "كلما اتسعت الرؤية؛ ضاقت العبارة"، فضلا عن التزام النص بوصف الومضة (البرقة) التي لا يتناسب معها السرد الحكائي المطول؛ يقول الشاعر (فاروق شوشة): "مثل ومض الشهاب و وقع النبوءة في القلب".

ـــــــــــــــــــــــ96ــــــــــــــــــــــــ

عطاء

ارتفعت الحرارة؛ عز العرق.

العنوان (عطاء): إحسان، إنعام، جود، فضل... يقول الشاعر (أبو الهدى الصيادي):

هو حصن إسعاف و بحر عناية *** و سحاب مرحمة و كنز عطاء.

فعن أي (عطاء) يحدثنا المتن تحديدا؟:

ـ يجيبنا الشطر الأول بعبارة (ارتفعت الحرارة) و هي تحمل أكثر من معنى يرتبط بالعطاء:

ـ إذا ما تجمدت الأطراف في المناخ البارد، و سعينا إلى التدفئة؛ فإن (ارتفاع حرارة الأجواء) عطاء؛ يقول الشاعر (محيي الدين بن عربي):

وكنّا في المصيفِ لهمْ نسيماً *** كما كنَّا لهمْ في البردِ دفأ.

ـ إذا ما أردنا طهي الطعام و وضعناه في القدر فإن (ارتفاع حرارة الموقد) عطاء؛ يقول الشاعر (النابغة الذبياني):

مَتى تأته تعشو إِلَى ضوء ناره *** تَجِد خير نَار عِنْدهَا خير موقد.

ـ إذا ما قضى الحبيب سنوات في غياب فإن (ارتفاع حرارة اللقاء) عطاء؛ يقول الشاعر (فاروق جويدة):

رأى في هواك عطاء السنين *** فأطلق في راحتيك الليالي.

ـ إذا ما ساد الفقر و العوز؛ فإن (ارتفاع حرارة الجود) عطاء؛ يقول الشاعر (الشريف الرضي):

و إيمان إذا مطرت عطاء *** حسبت الناس كلهم جوادا.

و في جميع الأحوال الواردة (ارتفعت الحرارة)؛ (عز العرق)؛ في الوقت الذي نتأفف فيه من ارتفاع الحرارة؛ فنتصبب عرقا، و نشكو من لهيب الحر.

و قد أراد الكاتب من خلال ومضته القصصية التأكيد على حقيقة أن الخير قد يكمن فيما نراه شرا، و أن لكل شيء أكثر من وجه، طبقا للمؤثرات و الظروف و الأحوال؛ يقول الشاعر (بدر شاكر السياب):

وجه أضاء شحوبه اللهب *** يخبو و يسطع  ثم يحتجب.

ـــــــــــــــــــــــــ97ــــــــــــــــــــــ

نزق

أخطأ الساهم؛ أصاب السهم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

العنوان (نزق): حماقة، رعونة، طيش... يقول الشاعر (جبران خليل جبران):

متعلم فيها الهجاء و بي *** نزق فلا أصغو لإرشاد.

و يقول الشاعر (الشريف الرضي):

أرى ملوكا كالبهام غفلة *** في مثل طيش النعم الجوافل.

و يقول الشاعر (سميح القاسم):

كما ينبغي. لا تكرر حماقة! 'سيزيف'. قف *** في أعالي العذاب. تأمل. و راجع.

فعن أي نزق أو غفلة، أو حماقة أو طيش تحدثنا الومضة القصصية المعروضة؟:

ـ يجيبنا الشطر الأول من المتن: (أخطأ الساهم) فتحيلنا العبارة إلى تصور أنه لم يكن ماهرا في تصويب سهمه؛ فلم يصب الهدف؛ على نحو قول الشاعر (ابن القيسراني):

آه من سهم رام ماله أثر***

غير أن المدهش أن أتى الشطر الثاني من المتن ليخبرنا أنه (أصاب السهم)، على نحو قول الشاعر (إبراهيم اليازجي):

سهم المنايا فأدمى بعده المهجا.

و تلك لعمري مفارقة تستحق التأمل: هل الإصابة جاءت بطريق الخطأ نتيجة تسرع، و رعونة و عدم دقة (نيران صديقة)، أو أنه سهم أصاب القلب عن قصد و نية؛ فأخطأ في تقدير نتائج (نيران الهوى)، يقول الشاعر (أبو القاسم الشيباني):

تُطفيهِ نِيرانُ الهَوَى وَ تُذكي، *** كَأنّها قَطْرُ السّمَاءِ تَحكي.

و تقول الشاعرة (ميساء زيدان): 

النار ما حرقت قلبي هي النار *** العين إذ فتكت و الموت أقدار

كنا لطيبتنا نلهو بملعبنا *** لا حقد يشغلنا و الشاهد الجار

فجر توعدني يوم ترصدني *** إذ هم يذبحني و الصبح أوزار

سود علائمه ليل طلائعه *** غطى ملامحنا و الخوف اوطار

لكنها نعقت في بيتنا و محت *** حلما يطيبنا إذ فاح إعصار.

هول مصيبتنا اناتنا مطر *** لا حول إلا هو و الله ستار.

ـــــــــــــــــــــــــ98ــــــــــــــــــــــ

جراحة

تلاصقت الأطراف؛ بُترت القضية.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

العنوان (جِراحة): عِلاج طبي يَقوم على اِستِخدام الطبيب أَدَوات جارِحة لاستِئصال نَسيج فاسِد، أَو إصلاح تَشوه عضوي، أو إخراج جنين من بطن أمه ـ ولادة قيصرية ـ بعملية جراحية، و على ذكر (الولادة) يطيب لي أن أورد بيت الحكمة التالي للشاعر (زكي مبارك):

إذا الأب لم يحضر ولادة طفله *** فللجد قلبٌ بالأبوة عامر.

و الجراحة لها معان مادية ملموسة، و أخرى معنوية محسوسة؛ يقول الشاعر (يعقوب الحمدوني):

جراحاتُ السنانِ لها التئامٌ *** و لا يلتامُ ما جرحَ اللسانُ.

و يقول الإمام (علي بن أبي طالب):

و كُلُّ جراحةٍ فلها دواءٌ *** وسوءُ الخلقِ ليسَ له دواءُ.

و هكذا أصبح (للجراحات الطبية)؛ نظير في مجال العلاقات الإنسانية: (جراحة تقويمية) لتقويم السلوك، (جراحة ترميمية) لترميم العلاقات المتوترة بين الأفراد و الدول و الجماعات، (جراحة تنظيرية) من خلال التنظير (المقابلة بين الرأي و الرأي الآخر) لوضع نظريات قابلة للتطبيق على أرض الواقع، من خلال تفكير و دراسة لحل مشكلة قائمة، أو لمواجهة خطر قادم.

فعن أي جراحة تحدثنا الومضة القصصية تحديدا؟:

ـ يجيبنا الشطر الأول من المتن (تلاصقت الأطراف) فنتصور أن الأمر متعلق بعملية جراحية طبية، لفصل الأعضاء الملتصقة، كما أن الكلمة الأولى من الشطر الثاني (بُترت) تؤكد هذا التصور؛ إلا أن ارتباط البتر بالكلمة الثانية (القضية) يحيلها إلى مفهوم عام؛ إما تكون (قضية قانونية): ترتبط بمسألة يُتنازع فيها بين أطراف؛ فيحتكمون فيها إلى القضاء؛ يقول الشاعر (مهيار الديلمي):

قضية ُ صادع بالح *** قّ ما حابى و ما ظلما.

و إما أن تكون (قضية اقتصادية و اجتماعية)؛ تقول الشاعرة (سنية صالح):

قضية الجوع الذي أسكن *** و الذُلّ الذي ألبس.

و إما أن تكون (قضية سياسية)؛ يقول الشاعر (أحمد محرم):

قضية هل لها ميعاد *** شرط القضية أن يطول جهاد.

و من ثم يصبح (تلاصق الأطراف) كناية عن اتحادها غير الصحي؛ و مقدمة طبيعية (لبتر القضية)، و المدهش هنا أن يكون ذلك التلاصق قد حدث بمحض الإرادة، بهدف الخضوع لجراحة البتر؛ و كأننا إزاء إنسان التصق بالحائط، و راح يستغيث بمن يفصله عنه، أو كمن من فقأ عينه عامدا متعمدا؛ بغية الذهاب لطبيب العيون؛ يقول الشاعر (رؤبة بن العجاج):

عَجَباً لِتِلْكَ قَضِيَّةً و إِقامَتِي *** فيكمْ عَلَى تِلْكَ القَضِيَّةِ أَعْجَبُ.

ـــــــــــــــــــــــــ99ــــــــــــــــــــــ

رجولة

رقص؛ نقص.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

العنوان (رجولة): حنكة، نخوة، شجَاعَة... تقول الشاعرة (د. سعاد الصباح):

اذا لم تعمد بماء البطولة *** كيف تحب النساء رجالا بغير رجولة.

و يقول الكاتب و الأديب (سعد مكاوي): "القدرة على الرفض هي المعيار الحقيقي للرجال".

و يبدو أن (بطل) الومضة القصصية المعروضة، قد قرأ القول الحكيم عاليه بطريقة غير دقيقة؛ فاتخذ من (الرقص) بديلا عن (الرفض)؛ و حركات (الأرجل) بديلا عن (الرجولة)؛ فماذا كانت النتيجة؟:

ـ (نقص) معيار الرجولة فيه؛ و من ثم يصدق قول الشاعر (يوسف الديك) عليه:

سيخرج صاغراً و بلا رجولة ***

و لن يخجل هذا (الراقص) من هذا الأمر؛ فلسان حاله ينطق  بقول الشاعر (نزار قباني):

و لا يُخْجِلُنا شيئٌ *** فقد يَبسَتْ فينا عُرُوق الكبرياءْ.

فالتفكك و الخلاعة (أنوثة) تعشقها بعض النساء؛ و من ثم يصبح من يقلدهن في الإغراء؛ كمن يود أن يحصل مثلهن على نتيجته؛  يقول الشاعر (أبو العتاهية):

لا تشاركهُ بأحوالِ النِّسا *** لم تدرِ ما في نَفْسِه قد هَجَسا!.

و في قراءة أخرى للومضة القصصية المعروضة ـ التي تميزت بتكثيف رائع، و ازدواج في المحسنات البديعية؛ جمع بين الجناس و السجع في (رقص/ نقص) ـ يمكن القول أن المقصود من كلمة (رقص): ليست تلك الحركات التي تتنقل خلالها الأرجل، و تهتز الصدور و البطون و الأرداف على إيقاع أنغام موسيقية أو بدونها؛ إنما قد يكون المقصود هو (الرقص على الحبال) كناية عن مجاراته لكل العهود، و تملق من له مصلحة عنده؛ يقول المثل عنه (راقص للقرد في دولته)، (شخص بلا مبدأ).

و الـ(نقص) هنا هو نقص مبادئ، و انهيار أخلاق، و موت ضمير، و انعدام نخوة، و من ثم انتفاء (رجولة)؛ شعاره قول الشاعر (عبدالحميد ضحا):

فَمَا مِنْ مَبْدَأٍ إِلاَّ *** حَيَاةٌ عَيْشُهَا يُسْرُ.

و وصف الشاعر (عمر الخيام):

أَعِيشُ وَ مَا لِي تَحْتَ ذَا الأُفْقِ مَبْدَأٌ *** فَلاَ مُسْلِمٌ مَحْضٌ وَ لاَ كَافِرٌ صِرْفُ.

ــــــــــــــــــــــــــــ100ـــــــــــــــــــــــــ

مُسارَعَة

فار العرق؛ فاز في السبق.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

العنوان (مُسارَعَة): من الإسراع، المبادرة، التعجيل، السبق؛ يقول الشاعر (عقيل بن هاشم):

احفظْ أخاكَ و سارعْ في مسرَّته *** حتى يرى منكَ في أعدائهِ خبرُ.

و يقول الشاعر (ابن الرومي):

و رحنا مسرعين إليك شوقاً *** مسارعة َ العليلِ إلى الطبيبِ.

و يأمرنا الحق سبحانه و تعالى في محكم التنزيل: (وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) الآية 133من سورة آل عمران.

و (سَابِقُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ) الآية 21 من سورة الحديد.

و (إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ) الآية 90 من سورة الأنبياء.

و في تناص واضح مع الآيات الكريمة الواردة؛ يقول الإمام (ابن عبد البر القرطبي):

و سارع بتقوى الله سرا و جهرة *** فَلَا ذمَّة أقوى هديت من التَّقْوَى.

فإذا ما انتقلنا من العنوان إلى المتن؛ نجد الشطر الأول يقول (فار العرق) و هو ليس ذلك (العرق: الشراب المخمر المقطر المُسكر) و لكنه (العرق: الناتج عن المسارعة و بذل الجهد) نقول (نال الشيء بعرق جبينه: ناله بكده و كفاحه)، و هو ليس مجرد عرق نتيجة ارتفاع الحرارة؛ كما يقول الشاعر (ابن مشرف):

و الشمس قد أدنيت و الناس في عرق *** و في زحام و في كرب و في حصر.

لكنه عرق كفاح و مثابرة، و كد و تعب؛ يقول الشاعر (عبدالرحيم محمود):

رغيفك الطاهر غمسته *** من عرق زاك و دمع صبيب.

فماذا تحقق (لبطل) الومضة القصصية المعروضة نتيجة (العرق)؟:

ـ (فاز في السبق) كناية عن تحقيقه لما كان يصبو إليه من هدف؛ بأن تميز على منافسيه، إذ كان له السبق في المضمار (مضمار السباق، مضمار الخير، مضمار المروءة...) في الوقت الذي تكاسل فيه غيره من البشر، الذين يصفهم الشاعر (السيد الحميري):

سبق الأنام إلى الفضائل كلها *** سبق الجواد إلى الرهان بليدا.

و قد يكون السبق في مجال الشعر أو الغناء؛ يقول الشاعر (حسان بن ثابت):

تَغَنَّ بالشِّعْرِ إِمّا كنتَ قائِلَه *** إِنَّ الغِناءَ بِهَذَا الشِّعْرِ مِضْمارُ.

ومضة قصصية أبدع كاتبها في تكثيفها، في الوقت الذي جعلها تفتح باب التأويل على مصراعيه، للعديد من مجالات السباق و (المسارعة)، فضلا عن جماليات المحسنات البديعية في الجناس بين (فار/ فاز)، و البديع المزدوج بالجناس و السجع في (العرق/ السبق)، و تواصل النص مع الحكمة الشهيرة: (في الخير سارع، و في الشر مانع)؛ يقول الشاعر (إيليا أبو ماضي):

و خير المال ما أمسى زكاة *** و خير الناس من نفع العبادا.

فضلا عن الحث على قيمة العمل دون اتكاء على ما كان عليه أسلافه؛ يقول بيت الحكمة:

إِذا المرءُ لم يستأنفِ المجدَ نفسُه *** فلا خيرَ فيما أَوْرَثته جدودُه.

ـــــــــــــــــــــــــ101ــــــــــــــــــــــ

مرابطة

أصابه العمى؛ أجاد الإصابة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

العنوان (مرابطة): كمون للعدو، و حراسة للحدود؛ يقول رسولنا الكريم صلى الله عليه و سلم: (رباطُ يومٍ وليلةٍ خيرٌ من صيامِ شَهْرٍ وقِيامِهِ. وإن ماتَ، جَرى عليهِ عملُهُ الَّذي كانَ يَعملُهُ، وأُجْريَ عليهِ رزقُهُ، وأمِنَ الفتَّانَ).

و منها (ربَطَ: شد، قيد، كبل) فنقول: (ربَط جأشه: اشتد قلبه فلم يهرب عند الفزع)، و (ربَط على قلبه: قواه بالسكينة و الطمأنينة و الصبر)، و (كَانَ رَبْطُهُ مُحْكَماً: شِدُّهٌ في الربط)؛ يقول الشاعر (أمين تقي الدين):

أوثقوا أيديه في ربط الحبال *** خسئت أنفسكم ليس الكمال.

و يقول الشاعر (عبد الغني النابلسي):

إنما العقل ربط شيء بشيء *** ذاك معناه فأسمعوا يا عيون.

و هكذا أتي بيت شاعرنا المبدع بخطابه؛ لندرك طبيعة عمل العقل (ربط شيء بشيء)؛ و من ثم نحاول نحن الربط ما بين شطري المتن؛ يقول الشطر الأول (أصابه العمى): و العمى هنا قد يكون مجرد رمز موحٍ بأن الأمور قد التبست عليه، و أصابه الشك فيها، فلم يعد متمكنا من الرؤية الصحيحة؛ يقول الحق سبحانه و تعالى في محكم التنزيل: (بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ) الآية 66 من سورة النمل.

أو أنه أصيب بمرض (عمى الألوان) فلم يعد يفرق بين لون و آخر، أو فقد القدرة على الرؤية بالعين تماما، و في الحالة الأخيرة قد تعوضه البصيرة، التي هي منحة ربانية يهبها الله لعباده المخلصين؛ فيرون بنور الله، و هدي الدين الإسلامي العظيم؛ يقول الشاعر (جرير):

إذا ازدادَ العمونَ عمى ً عرفتمْ *** هُدَى الإسْلامِ وَاضِحَة َ المَنَارِ.

و يقول الشاعر (عبد الجبار بن حمديس):

تريه خفيّات الأمور بصيرة ٌ *** كأن حجابَ الغيب عنها تكشّفا.

و ما أن نطالع الشطر الثاني من المتن (أجاد الإصابة) حتى ندرك حقيقة ذلك التكشف الذي أنعم الله به عليه، نتيجة لتلك الـ(مرابطة)، و إجادة الإصابة هنا تعني: إصابة الهدف الأسمى و هو بلوغ الجنة، يقول رسولنا الكريم صلى الله عليه و سلم: (المرابط إذا مات في رباطه كتب له أجر عمله إلى يوم القيامة، وغدي عليه وريح برزقه، ويزوج سبعين حوراء، وقيل له قف اشفع إلى أن يفرغ من الحساب).

و المدهش في الومضة القصصية المعروضة؛ أن جعل الكاتب إصابة (البطل) بالعمى: دليل تكشف لحياة قادمة هي الأخلد و الأبقى؛ يقول الحق في محكم التنزيل: (وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ) الآية 17 من سورة الأعلى. و يقول سبحانه و تعالي في الآية ١٤٥ من سورة آل عمران: (وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا)، و الإرادة هنا ليست مجرد تمني، لكنها إرادة سعي و عمل.

ـــــــــــــــــــــــــــ102ــــــــــــــــــــــــــ

رهاب

احتمى بظلهم؛ ظل احتمالا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

العنوان (رهاب): خوف عميق مستمرّ من خطر ما على غير أساس (phobia فوبيا) و من مرادفاتها (ارتياع، توجس)؛ يقول المثل: (توجَّس المكروهَ؛ تحقق) و هو مطابق في معناه للمثل العامي الشائع (الذي يخاف من العفريت؛ يطلع له)، و يقول الشاعر (ابن الرومي):

يا أيها المُوجس في نفسه *** خوفاً من الأيام لا توجس.

و رغم التحذيرات و النصائح الواردة؛ وجدنا (بطل) الومضة القصصية المعروضة قد (احتمى بظلهم) و هو تعبير يحتمل أكثر من معنى؛ كلها تصب في بئر الفزع:

ـ فإما أن الاحتماء بظلهم يتسق مع حالة (الرهاب)؛ فينبني ـ هو الآخر ـ على وهم؛ يقول الشاعر (ابن زمرك):

و الله ما الكون بما قد حوى *** إلا ظلال توهم الغافلا.

ـ و إما أن يكون معنى (احتمى بظلهم): أحمى نفسه بهم؛ و شحذ همته من هممهم، لكن هذا المعنى قد يكون بعيدا عن السياق العام للومضة القصصية، و من ثم يصبح المعنى الآخر للإحماء هو المعنى السلبي، الذي يتوافق مع قول الحق سبحانه و تعالى في محكم التنزيل (يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ) الآية 35 من سورة التوبة.

فيظل هذا المحتمي بظلالهم في نار تبعيته لهم، و رغم ما يلحق به من أذى بسبب (نار التبعية الحامية)؛ إلا أنه لا يستطيع منها خلاصا أو فكاكا.

ـ و إما أن عبارة (احتمى بظلهم) كناية عن اللجوء لهم، و السير خلفهم، للاحتماء بهم؛ يقول الشاعر (إبراهيم أحمد الوافي) بتصرف:

(كأنه) قطةٍ لا تموء *** على شفا حفرةٍ من لجوء!.

تلك الحالة من الذل و التبعية و الانكسار؛ يصفها الشاعر (عنترة بن شداد):

فعيشك تحت ظل العز يوما***و لا تحت المذلة ألف عام.

لكن (هذا المصاب بالرهاب) ظل على حاله: يهاب شمس الحقيقة، و يظل مختبئا في ظلال الوهم؛ حتى أنه (ظل احتمالا): كناية عن استمراره في الشك، و مجافاته لليقين؛ يقول الشاعر (ابن دارج القسطلي) بتصرف:

محتمل فيك كل لوم *** يا (من بدا لك اليقين بعيدا).

و هو بهذا سيظل ظلا لظلالهم؛ يقول الشاعر (أنسي الحاج): "وكم أفهم حسرة الظل أنه لا يقدر أن يصير أكثر ظلاً".

و من ثم جاءت الومضة القصصية محذرة من تلك الحالة التي يؤدي انتشارها إلى تخلف المجتمع؛ و من ثم ينطبق يصدق وصف الروائي (نجيب محفوظ): "اذا ظل التخلف في مجتمعاتنا؛ فسيأتي السياح ليتفرجوا علينا بدلا من الآثار".