الأبعاد الفلسفية والإنسانية في قصيدة العامية قراءة في قصيدة (وجع القلوب) للشاعر أ/ سمير صبري

 الأبعاد الفلسفية والإنسانية في قصيدة العامية

قراءة في قصيدة (وجع القلوب) للشاعر أ/ سمير صبري

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بقلم/ مجدي شلبي (*)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مقدمة:

من المعلوم أن اﻟﺷﻌر اﻟﻔﻟﺳﻔﻲ ﯾﻌﻧﯽ ﺑﺎﻟﺑﺣث ﻓﻲ ﻣﺷﮐﻼت اﻟﺣﯾﺎة واﻟﮐون والحديث حول تقلبات الدهر وصروفه، واﻟﺳﻌﻲ وراء ﺗﮐوﯾن رأي في مجريات أحداثه وشئونه، فإذا ما اجتمع البعد الفلسفي مع البعد الإنساني ــ الذي يدخل في خضم التجارب الحياتية ونتائجها، والمنعطفات التي يعبر عنها الشاعر ــ نصبح أمام شعر منفتح على آفاق رحبة من الإبداع والتميز.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تجليات الشعور الصادق في "وجع القلوب"

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هذه القصيدة تحمل في طياتها نبضا شعوريا صادقا يعبر عن تجارب الحياة القاسية وتحدياتها، ويظهر فيها بوضوح خيبات الأمل الناتجة عن صدمات الواقع، التي تلقي بظلالها على قلوب البشر؛ فتصيبها بالوجع، وهي أوجاع يصدق فيها قول الشاعر/ ماجد عبدالله:

فلَعَلَّ أوجاعَ السنينِ ستنْتَهِي *** وعَسى الأَسى يوماً يزولُ وينْجَلِي

فاللهُ باللُّطف الخفِيّ يُجيرُنا *** ويُبدّلُ الأحزانَ بالفرحِ الجَلي.

وبالعودة لقصيدة الشاعر سمير صبري التي نحن بصدد القراءة فيها؛ نجدها قد اعتمدت على لغة بسيطة وعفوية، وهو مايجعلها قريبة من القارئ ويمنحها طابعا شعبيا حزينا، حيث تلخص تجارب الألم والمعاناة بأسلوب مألوف وغير متكلف، واستخدام تعبيرات مثل "وجع القلوب" و"العين بتنزف بالدموع" و"الحزن عشش في الضلوع" يعكس إحساسا قويًا بالمرارة، مما يعزز من التأثير العاطفي للقصيدة لدى قارئ النص أو سامع الأغنية الشجية التي يمتزج فيها الحزن بالغناء، والأسى والأسف بما يستوجب البكاء على ما آلت إليه المشاعر الجرداء والقلوب الحجرية الصماء؛ يقول الشاعر/ فاروق جويدة:

غدت قلوب الناس شيئا كالحجر/ الليل فيها راسخ الأقدام فانتحر القمر.

ورغم أن الشاعر سمير صبري عمد لتكرار بعض الأفكار حول الصدق، والزمن، والألم، ولكني أرى أنه تكرار مقصود يهدف منه الشاعر لتعميق الإحساس العام بفقد القيم والمثل والمبادئ، والتغير في سلوك البشر، والصراع بين قيم الصدق والإخلاص ومظاهر الزيف والخداع في الحياة العصرية.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

البعد الفلسفي في "وجع القلوب"

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ويؤكد هذا الأمر البعد الفلسفي في بيتين من القصيدة (1ــ البيت السادس): "الحياه زي التروس بتلف/ بتلف واهو ضاع وقتنا"، وهو تصوير يعبر عن رؤية فلسفية تجعل الحياة أقرب إلى الآلة، حيث نفقد إنسانيتنا بمرور الوقت وسط طاحونة ضغوط الحياة، وهو تناص مع الصراع الدائم للإنسان مع الزمن.

و(2ــ البيت الثامن):"نتعب كتير أوي في الحياه/ وتملي بنعيب ع الزمان"، وهو مايلفت النظر إلى الطبيعة البشرية التي تتبني دائما فكرة لوم الزمن بدلاً من محاولة تغيير الواقع أو التأقلم معه؛ ذلك التأقلم الذي يقول فيه الشاعر/ أحمد مطر:

وضعوني في إناءْ/ ثُمّ قالوا لي : تأقلَمْ/ وأنا لَستُ بماءْ/ أنا من طينِ السّماءْ.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

البعد الإنساني وبشريات الأمل

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ورغم سوداوية المشاعر التي تغلب على معظم أبيات الشاعر/ سمير صبري، نجده قد حرص في نهاية قصيدته على التحول نحو التفاؤل والأمل؛ فيقول: "لكني هتغير وأعيش/ والحلم تحقيقه الكفاح" "نصبر ننول حب وأمان/ ونعيش حياتنا بالنجاح"، وهو تعبير عن الإرادة في التغلب على الألم وتحقيق النجاح والسعادة، هذا الانتقال من الحزن إلى الأمل يضيف بُعدًا إيجابيًا، يشير إلى أن الصبر والكفاح قد يكونان سبيلاً لتجاوز الوجع، وهكذا تتسق نهاية القصيدة مع قول الشاعر/ احمد علي سليمان عبد الرحيم:

مضى يزفّ البُشرياتِ عطيرة *** من بعد يأس في الفؤاد عُقام

الكل أطرقَ – للكلام مُردّداً *** هذا ورب الناس خيرُ كلام.

حيث انتقل الشاعر من مرحلة اليأس إلى الرجاء، ومن الألم إلى الأمل، ومن القعود إلى العمل، ومن ثم تُعد الرسالة التي حملتها هذه القصيدة هي الدعوة إلى التحمل والتحلي بالصبر في مواجهة صعوبات الحياة وسلوكيات البشر، وبث روح الأمل مما يمنحها طابعًا تفاؤليا وإنسانيًا.

ــــــــــــــــــــــــــــ

كلمة أخيرة

ــــــــــــــــــــــــــــ

أرى من خلال متابعتي لإنتاج الشاعر المبدع أ/ سمير صبري تطورا ملحوظا يراوح فيه بين ما اعتاده من شعر عاطفي، وشعر اجتماعي وإنساني، بل وفلسفي أيضا، على نحو يستحق الإشادة والتقدير والاحترام، متمنيا أن يجمع قصائده الأخيرة في ديوان ثانٍ؛ تزهو به وتفخر مكتبة الشعر العامي، بعد أن أصبح سمير صبري ــ بحق ــ أحد نجوم شعر العامية في مصر.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(*) عضو النقابة العامة لاتحاد كتاب مصر