قراءتي
المتواضعة في الرواية الرائعة
قراءة
الأديب مجدي شلبي في رواية ألف ليلة وليلة (ورد وياسمين) للكاتب أ/ فاروق حمدي
بقلم/ مجدي شلبي (*)
* تمهيد
أود في البداية أن أوجه
الشكر الجزيل للشاعر والكاتب الكبير أ/ فاروق حمدي على ثقته التي أولاني بها،
وإصراره على أن تخلو قراءتي من المجاملة ـ التي اعتدناها في الأوساط الأدبية ـ
واتفاقه معي حول حقيقة أن الملاحظات الإيجابية والسلبية؛ هي وسيلة بناءة للارتقاء
بإبداع الكاتب.
وهو ما شجعني لقراءة
هذه الرواية من زاوية المحتفي بها والمدقق فيها والمراجع لها ـ رغم سبق طباعتها ـ
موقنا بأن ما سأعرضه لا يعدو كونه مجرد رؤية انطباعية، لا تخلو من تأثير ذاتي،
متمنيا التوفيق.
* التصنيف الأدبي للعمل
المعروض:
رغم أن كل فن أدبي له
مقوماته الأساسية وعناصره المحددة، وبناءه الفني، الذي يميزه عن غيره من الفنون
الأدبية، كتلك الفروق الشكلية التي تميز الرواية (التي تكتب لتقرأ) عن المسرحية
(التي تكتب لتمثل)؛ لكونها تعتمد على الحوار والتفاعل المباشر بين الشخصيات، أما
الرواية فتعتمد على السرد؛ (بما يعني أن السرد يخالف الحوار من حيث التصنيف الفني
للعمل الأدبي)؛ إلا أن الكاتب هنا أدهشنا بتبنيه فكرة الانعتاق من القوالب
الأجناسية التقليدية، وإزالة الفواصل بينها، بأسلوب فني سلس، مزج فيه بين السرد
(تسلسل الأحداث وتتابعها) وبين الحوار (التفاعل المباشر بين الشخصيات)؛ مما حدا
بالقارئ إلى الاعتقاد أنه أمام (مسرحية روائية) أو (رواية مسرحية)، ويؤكد هذا ما
أورده الكاتب في الصفحة رقم 7 تحت عنوان (أهم شخصيات الرواية حسب الظهور)، وحرصه ـ
باعتباره شاعرا كبيرا ـ على تطعيم العمل بكلمات غنائية و(كورال) يغني ويردد،
اتساقا مع ارتباط الدراما المسرحية بفنون الغناء، الذي يعبر عن المشاعر والأحاسيس
ويؤثر فيها.
فضلا عن أن هذا العمل
(طبقا للتقسيم الروائي) هو الجزء الأول ـ ويؤكد هذا ما ذكره الكاتب في نهاية العمل
المعروض: (إلى لقاء في الجزء الثاني من "قصة" ورد وياسمين)، وفي ذات
الوقت حرص الكاتب على تقسيم العمل إلى مشاهد (وهو تقسيم مسرحي)؛ فأورد العبارة
التالية: (عند نهاية كل "مشهد"): (الأميرة "حُسن شاه"
"للأمير عزالدين"، وهنا الفجر لاح وصاح، وانكشح ظلام الليل وانزاح،
وآآآآآآآ... تتثائب ُحسن شاه بالنوم، ثم تنظر في وجه الأمير عزالدين لتجده وقد
نام؛ فتقول: تصبح علي خير يامولاي. فيصيح الديك وتصمت ُحسن شاه عن الكلام
المُباح).
وهو بهذا يذكرنا
بحكايات (ألف ليلة وليلة) الشهيرة، التي تناولها عديد من الكتاب، على نحو مستوح من
أهم الكتب التراثية الذي حمل ذات العنوان، وكان معبرا عن الموروث الثقافي والشعبي
العربي، من خلال عشرات الحكايات التي امتزجت فيها الفنون الأدبية، كما امتزج فيها
الواقع بالأسطورة، والإنس بالجان.
وكاتبنا هنا ـ أيضا ـ
يراوح في روايته بين ما استلهمه من حكايات (ألف ليلة وليلة) المتخمة بالتفاصيل
الغرائبية، التي تداعب الخيال، وبين حرصه على الإمساك بتلابيب الواقع المعبر عن
حقيقة انتصار الحب، رغم ما يتعرض له الحبيبين (ورد وياسمين) من مخاطر وأهوال،
* أوجه التشابه والاختلاف بين
هذا العمل وبين حكايات (ألف ليلة وليلة):
(1) تضمين هذا العمل لأحداث
متداخلة (قصة داخل قصة)، يحكمها ـ جميعا ـ خيط درامي واحد وصولا إلى تلك النهاية
السعيدة، اتساقا مع البناء الفني للرواية التي تشتمل على عدّة حبكات فرعية وحبكة
رئيسية واحدة أكثر تعقيداً جامعة لها، وهو ما يتوافق مع النسق الفني لحكايات (ألف
ليلة وليلة) المؤطرة كل حكاية منها داخل حكايات أخرى.
(2) إذا كانت شهرزاد قد أثارت
فضول الملك لسماع نهاية الحكاية التي أكملت بها ألف ليلة وليلة؛ فإن كاتبنا استطاع
أن ينصب القارئ (ملكا) وراح يشوقه بحكايات رائعة امتزج فيها الواقع بالخيال ـ على
نحو ما أوردنا سابقا ـ دون أن يعنى بعدد زمني لحلقاته الحكائية، التي لم تتجاوز
بضع ليال وأيام.
(3) استخدم الكاتب أسلوب النثر،
وتطعيم عمله بأبيات الشعر المعبر عن العاطفة المتزايدة، وهو مايتوافق مع النسق
الفني لحكايات (ألف ليلة وليلة)، غير أنه لم يعتمد على السجع إلا في موضع واحد
صفحة 19 بقوله: "بينما الأمير في ذهول، وباله يبدو مشغول، وعقله قد أخذ،
وقلبه قد ُسلب... إلخ"، فضلا عن العبارة التي أشار إلى أنها ترد عند نهاية كل
مشهد.
(4) توافق العمل المعروض مع
حكايات ألف ليلة وليلة من حيث الترتيب التنظيمي للأحداث: (حكاية المفتتح) التي
أوردها هنا بعنوان (البداية)، و(حكاية الإطار) وهي التي أوردها هنا الكاتب بعنوان
(وفي مساء يوم جديد)، و(الحكايات التضمينية) وهي الحكايات التي تدخل ضمن حكاية
الإطار، ولها دلالات فنية محققة عنصري التشويق والإثارة، دون أن نلحظ وجود أي
حكايات خارج السياق.
(5) التشابه في المعالجة
الإبداعية الخارجة عن المألوف للواقع المعاش، باتباع (الفنتازيا) أساسا للحبكة
الروائية، معتمدا على السحر وغيره من الأشياء الخارقة للطبيعة.
(6) كما يتوافق العمل المعروض
مع حكايات ألف ليلة وليلة في كون السرد جاء بلسان الراوي العليم، غير أن الصياغة
الفعلية كانت هناك بالفعل الماضي، أما هنا فقد أبدع الكاتب فاروق حمدي في صياغة
الأحداث مستخدما (الفعل المضارع)، الذي يفيد وقوع الحدث في الوقت الحاضر، محققا
بذلك دلالة بلاغية تفيد الاستمرارية والتجدد والديمومة، ويجعل القارئ متفاعلا مع
النص، حتى أنه يكاد يكون مشاركا فيه.
(7) أشار الكاتب في نهاية
روايته التي بين أيدينا؛ إلى حرصه على الإشارة إلى وجود جزء ثاني قادم وهو ما يؤكد أنه هذه الرواية ستصدر في عدد من
الأجزاء، ويتوافق هذا مع التقسيم الذي صدر به كتاب (ألف ليلة وليلة) في ثمانية أجزاء،
تقع في أربعة مجلدات.
(8) في العمل الأم كانت شهرزاد
تتوقف في أثناء حكيها مبينة بعض المبادئ الفلسفية التي تنبني على حكمة بليغة، وهو
مالم يعنى به كاتبنا في روايته المعروضة.
(9) أجاد الكاتب فاروق حمدي في
استخدامه لعبارة (وفي هذه الأثناء) عبارة تدلنا على رؤية إخراجية رائعة، بانتقال
الكاميرا (عين القارئ) من مشهد إلى آخر ليحقق بهذا متعة متابعة الأحداث، وإشباع
فضول القارئ لمعرفة مايدور على الطرف الآخر في ذات الوقت، تلاؤما مع السياق
الدرامي المشهدي المشوق، والمدهش أنه استطاع من خلال هذا الأسلوب أن يخلق دراما
خفية، من خلال التناقض بين الشر والخير، ويعتبر أحد الشواهد الرائعة لهذا؛ هو
انتقال السرد من مشهد علم الأميرة (وعد) بنية الأمير (ورد) الهروب، وتفضيله ابنة
الراعي عليها، واشتعال نار الغيرة في قلبها ونيتها الانتقام، وفي ذات الوقت كانت
ابنة الراعي (ياسمين) تستمتع بمشاهدة ليلة السمر ومواكب العرس والزينة على سفح
الجبل، وقلبها ينبض طربا بالحب، ونيتها المحبة والوئام.
(10) أبدع الكاتب في استخدام
الوصف؛ للتعبير عن ملامح الشخصيات وسماتها، سعيا وراء تجسيدها للقارئ بغية معايشته
للأحداث، وبذات القدر من الإبداع وصف الأماكن التي تدور فيها الأحداث، وصفا فنيا
دقيقا، ومنه ـ على سبيل المثال ـ وصفه لدار ياسمين من الداخل: "تأخذ القربة
من والدها لتفرغها في دلو فخاري كبير بجوار عمود خشبي يحمل سقف الدار"،
"تعلق عباءة أبيها علي حبل معلق بين عمودين خشبيين بجوار السلم الخشبي (المؤدي)
للطابق الثاني".
* ملاحظات بناءة:
كنت أتمنى أن يتم عرض
الرواية قبل طباعتها؛ لتلافي كثير من الأخطاء التي قمت بحصر دقيق لها، وأدرجتها في
ملف بعنوان (ملاحظات بناءة)، وسوف أرسل الملف كاملا للكاتب ربما يفيد في القادم من
أعمال، أو حال طباعة هذه الرواية طبعة ثانية.
* كلمة أخيرة
سعدت أيما سعادة
باطلاعي على هذه الرواية التي هي باكورة الأعمال الروائية لشاعرنا وكاتبنا الكبير
أ/ فاروق حمدي، ولا يسعني إلا أن أشكره على ما قدمه من عمل فني رائع وملهم، وأسجل
إعجابي بهذه الرحلة الممتعة والمثيرة، التي دعانا إليها، ونتطلع إلى قراءة المزيد من
أعماله المستقبلية بإذن الله.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) عضو النقابة العامة لاتحاد
كتاب مصر
ــ نُشرا في مجلة (أوتار البوح) بتاريخ 15 أبريل 2023